الأحد 26 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أصغر قائد فى غرفة عمليات حرب أكتوبر يروى ذكرياته لـ روزاليوسف

اللواء سمير فرج: دوّنت كل أحداث العبور على «خريطة العمليات»

اللواء سمير فرج هو أحد أبرز القادة العسكريين الذين ساهموا فى تحقيق نصر أكتوبر المجيد، حيث كان أصغر قائد فى غرفة عمليات القوات المسلحة خلال حرب 1973.



وقد عايش اللواء فرج تفاصيل الساعات الحاسمة للعبور، وسجل بقلمه وخبرته العسكرية على الخرائط كل لحظة من لحظات النصر. وفى هذا الحوار، نستعيد معه ذكريات الحرب، ونفتح معه صفحات التجربة العسكرية التى عاشها.

 

 

 

 كيف كانت بداية مسيرتك العسكرية، وما الظروف التى قادتك لكى تكون أصغر قائد فى غرفة عمليات حرب أكتوبر المجيدة؟

- أنا من مواليد مدينة بورسعيد، كنت طفلًا صغيرًا أثناء العدوان الثلاثى عام 1956. رأيت الاحتلال الإنجليزى والفرنسى لبورسعيد، وشاهدت أهلى وأبناء بلدى الذين قاوموا العدوان وأيضًا الجيش المصرى عندما دخل يوم 23 ديسمبر بعد انسحاب الإنجليز والفرنسيين واستقبلناه بفرحة عارمة. من هذه اللحظة قررت أنه لا بد أن أكون ضابطًا فى الجيش. التحقت بالكلية الحربية، وتخرجت ضابط مشاة. قررت من البداية التميز فى عملى كى أصل لرتبة لواء. قدمت للامتحان وأنا برتبة نقيب، من بين 1500 ضابط نجح 153، وكنت الأول عليهم، والتحقنا بكلية أركان حرب لمدة سنة ونصف. وفجأة تخرجنا قبل حرب أكتوبر. ثم تعينت فى هيئة عمليات القوات المسلحة، مع أن أصغر رتبة هناك كانت «عقيد». توزعّت على فرع المعلومات. بعد أيام قليلة بدأنا نجهز غرفة عمليات حرب أكتوبر التى كانت تحت الأرض، وكان يجلس فيها الرئيس السادات، والمشير أحمد إسماعيل (وزير الدفاع)، والفريق سعد الدين الشاذلى (رئيس الأركان)، واللواء محمد الجمسى (رئيس هيئة العمليات). كانت الغرفة جديدة وتم اختيارى لأكون من ضمن الضباط فيها. ومن هنا أصبحت أصغر ضابط فى غرفة العمليات، لأعايش الحرب من أول يوم 3 أكتوبر والعبور وحتى انتهاء العمليات.

 ما الصفات أو المهارات التى ساعدتك على الانضمام لغرفة العمليات؟

- كنت ضابطًا مجتهدًا جدًا. دخلت كلية أركان حرب وأنا برتبة نقيب، وكنت أذاكر بجدية شديدة. اجتزت امتحان كلية أركان حرب وحصلت على رتبة رائد وحصلت على المركز الأول، وكنت والراحلان سيف جلال وكمال عامر من الضباط المتميزين بجانب مجموعة كبيرة جدًا، وتعبت كثيرًا وكنت أتنقل بين 3 مواصلات لكى أحضر دروس اللغة الإنجليزية لأطور من نفسي. لذلك فالنجاح لم يأت صدفة، لكن بالجهد والتعب. طلعت الأول فى أكثر من دورة: مدرسة المشاة دورة قادة سرايا ودورة قادة الكتائب وكلية أركان حرب. الإصرار والاجتهاد من البداية كانا سر نجاحى، وهو ما جعلنى أتميز حتى وسط القادة الكبار.

 ما طبيعة المهام التى كنت مسئولًا عنها داخل غرفة العمليات فى حرب أكتوبر؟

- أنا كنت أعمل على خريطة العمل، فأى حدث يقع فى الحرب كان يُسجل على الخريطة. عندما يقول قائد الجيش: «لقد عبرنا من نقطة كذا»، أو «استولينا على نقطة كذا»، كنت أسجل فورًا ما يقوله وأكتب: «تم الاستيلاء على النقطة الفلانية» وأرسمها على الخريطة. كان هذا يساعدنا على فهم الموقف لحظة بلحظة. وعندما جاء الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر حوالى الساعة 12 ظهرًا، جلس ونظر إلى الخريطة. حين ذلك وقف الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس الأركان، يشرح له الخطة الهجومية على الخريطة: «هنا قناة السويس». «وهنا المانع». «هنا سنعبر». «سوف يكون لدينا عدد من الكبارى». « هذه الفرقة ستدخل وتدمر النقطة الفلانية». «هنا هنصد العدو». شرح كامل للعمليات على الخريطة. وفى اليوم الثانى يوم 7 أكتوبر، الرئيس السادات دخل المكتب وتابع الخريطة، لكن هذه المرة لكى يعرف ماذا حدث بالفعل. الفريق الشاذلى كان يشرح الموقف يوم 7 على الخريطة وكنت أرسم عليها المواقف أولًا بأول: الجيش يبلغ: «قواتنا عبرت القناة». أكتبها وأرسمها. قائد القوات الجوية يبلغ: «ضربنا هدف كذا». أكتبها وأرسمها. كل شىء لحظة بلحظة، دقيقة بدقيقة، ثانية بثانية. الخريطة كانت تسمى خريطة العمل، وهى معروفة فى غرف العمليات. يسجل فيها كل ما يدور فى المعركة بشكل دقيق جدًا. 

 هل تتذكر موقفًا ظل محفورًا فى ذاكرتك حتى اليوم؟

- من أهم المواقف التى لن أنساها طوال عمرى كان يوم 6 أكتوبر الساعة 2:15 ظهرًا. تلقينا برقية مفتوحة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، برقية ليست مشفرة ولا بها رموز، بل مفتوحة لكى تصل بسرعة لكل الطيارين الإسرائيليين مضمونها كان: «ممنوع الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلو». كان يقصد بالـ 15 كيلو دى مدى الصواريخ المصرية. ساعتها، كنت ضابطًا صغيرًا لكن كنت دارسًا وفاهمًا، قلت فى نفسي: «العبور هينجح». وسوف نتمكن من عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وسنصل سيناء دون تدخل الطيران الإسرائيلي. كان هذا بالنسبة لى موقفا جميلا جدًا وكنت متأكدا أن النصر فى صفنا.

الموقف الثانى، أن خط بارليف كان به أنابيب نابلم موجودة تحت مياه القناة. وهذه المواسير أول ما نعبر، يفتحوا السدادات فتخرج سوائل نابلم، تشتعل على سطح المياه وتحرق العساكر فى القوارب أثناء العبور. وقبل الهجوم بربع ساعة تقريبًا نزلت الضفادع البشرية لكى يسدوا المواسير. فى إحدى النقاط، العدو كان عامل 6 مواسير. الضفادع البشرية كانوا مجهزين أنفسهم لسد 6 بالضبط، وكل واحد شايل عبوة إسمنت خاصة تتجمد تحت المياه وتقفل المواسير. لكن حصلت مشكلة: لما نزلوا لقوا المواسير 7. وبعد ما قفلوا الستة، طلع واحد من الأبطال وقال لهم: «اطلعوا أنتم وأنا هكمل». وقام بسد الماسورة السابعة بجسده. الشهيد البطل ده أول ما عبرنا وأطلقوا نيران المدفعية، اشتعلت المواسير، والسائل الملتهب اندفع على جسده، واستشهد على الفور. هذا الموقف كان بالنسبة لى عملًا عظيمًا جدًا، وضرب مثلًا فى التضحية والفداء. ولن أنسى هذا الموقف طوال حياتي.

 كيف كان يتم التنسيق بين القيادة السياسية والعسكرية فى تلك الفترة؟

- التنسيق كان يتم فى نفس الغرفة التى كنا بها. مثلًا يوم ما الرئيس السادات أخذ قرار التطوير، القرار لم يكن قرارًا عسكريًا بحتًا، لكنه كان قرارًا سياسيًا. لأن وقتها سوريا كانت تحت ضغط شديد جدًا من إسرائيل، وكان يجب أن نخفف عنها بالقيام بعملية عسكرية كبيرة. كنا عاملين رأس الكوبرى ومستقرين فيه، وكل الهجمات المضادة الإسرائيلية التى وجهت لنا تم تدميرها بالكامل. وتمكنا من أسر قائد لواء مدرع إسرائيلى كبير اسمه عساف ياجوري. فالوضع العسكرى كان ممتازًا بالنسبة لنا، ولا نحتاج لتطوير. لكن الموقف السياسى، اتُخذ قرار التطوير للتخفيف عن سوريا. جميع القرارات الكبيرة – سواء سياسية أو عسكرية – كانت تتم داخل الغرفة بين: الرئيس أنور السادات، والمشير أحمد إسماعيل (وزير الحربية)، والفريق سعد الدين الشاذلى (رئيس الأركان)، والفريق محمد عبدالغنى الجمسى (رئيس هيئة العمليات). وهم كانوا الأربعة الذين يحددون الموقف، وكل قرار كان نتيجة نقاش عسكرى وسياسي.

 ما أبرز الدروس الاستراتيجية والعسكرية التى يمكن أن نستخلصها من تجربة أكتوبر؟

- أول درس: أننا تمكنا من تحقيق المفاجأة، وهذا كان يعتبر مستحيلًا فى الماضي. لكننا فاجأنا العدو الإسرائيلى بشكل كامل. وهذه المفاجأة كان وراءها قصة طويلة جدًا من الخداع الاستراتيجى والسياسى، والرئيس السادات لعب دورًا كبيرًا جدًا فى الخداع السياسى مع هنرى كيسنجر. والخطة العسكرية نفسها كانت قائمة على أننا نرفع درجة الاستعداد، وندخل قوات للجبهة ثم يعودون مرة أخرى. وتم عمل ذلك أكثر من مرة قبل الحرب، لدرجة أن الإسرائيليين قالوا: «المصريون عملوا كده 3 مرات، ومش هيعملوها ثانى». وأن الضباط طالعين عمرة فى يوم 10 رمضان، فالناس استبعدت أننا سوف نحارب كما تم الإعلان عن خروج دفعات من الجيش بشكل معلن، فالإسرائيليون قالوا: «إزاى دول هيحاربوا وهم يخرجون دفعات؟» كل الخطوات دى ساعدتنا لعمل خداع استراتيجى كبير جدًا ضلل إسرائيل لآخر لحظة.

الدرس الثاني: لأول مرة فى العالم يتم منع قوات جوية متفوقة علينا من دخول المعركة. بعد نجاح حائط الصواريخ. والقوات الجوية الإسرائيلية كانت أقوى منا بكثير، لكن استطعنا شل قدرتها لدرجة أن الغرب اعترف بأن مصر قامت بما سُمى تحييد القوات الجوية المعادية. وتلك كانت ضربة قوية جدًا لإسرائيل.

الدرس الثالث: أن المشاة يستطيعون أن يقاتلوا يومًا أو يومين من غير دبابات. وقد عبرنا القناة قبل عبور الدبابات وكانت فكرة الفريق سعد الدين الشاذلي. استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، التى نجحت نجاحًا كبيرًا جدًا.

الدرس الرابع: قدرنا نقفل مضيق باب المندب. وهذا جعل إسرائيل طوال فترة الحرب غير قادرة على الحصول على النفط عن طريق المضيق. وهو ما كان بمثابة ضربة اقتصادية قوية ومفاجأة كبيرة جدًا لإسرائيل. وفيه شهادة مهمة جدًا: عندما تم سؤال الجنرال شارون فى مناظرة كنت طرفًا معه فيها «عن أكبر مفاجأة فى حرب أكتوبر بالنسبة لك؟» قال: المفاجأة ليست الهجوم المصرى السورى فى وقت واحد، لكن المفاجأة الحقيقية كانت فى الجندى المصرى نفسه. هو كان متعود فى 56 و67 يشوف جندى مصرى بسيط، أمى لا يقرأ أو يكتب. لكن فى 73 وجد الجندى المصرى متعلمًا: مهندس، خريج زراعة، خريج علوم... أصناف مختلفة، وكلهم بيحاربوا بشجاعة غير طبيعية. وقال: «أنا شفت شجاعة الجندى المصرى الذى فشلت قواتى فى إيقافه ناحية الإسماعيلية».