مستقبل دمشق تحت تهديد إرهابى:
الجولانى لسان "عبرى مبين"!

عبدالله رامى
منذ أن تولى الجولانى سلطة الأمر الواقع فى دمشق، ارتبك كثيرون، الأصوات التى تعمل وترصد وتتابع ملف الإسلام السياسى وجدت نفسها أمام مشهد جديد؛ رجل صعد من قلب تنظيمات إرهابية يجلس على مقعد الرئاسة، ويتعامل بصفته «رئيس دولة» فى محافل دولية.
هؤلاء ارتبكوا لأن الصورة لم تكن واضحة.. هل نحن أمام مرحلة جديدة من البراجماتية أم إعادة تدوير للإرهاب بربطة عنق دبلوماسية؟
لكن فى روزاليوسف لم نحتج إلى وقت طويل لتحديد بوصلتنا.. منذ اللحظة الأولى كان الموقف حاسما.. لا مجال للتصالح مع صعود الإرهاب إلى كراسى الحكم.
خرافة «نموذج الجولاني»
بعض الأصوات فى الداخل والخارج حاولت أن تروج لرواية ساذجة، وهى أن تحفظ القاهرة من الحكم الجديد فى دمشق سببه «الخوف من نجاح نموذج حكم إسلامي» فى المنطقة.
هذه الرواية، ببساطة، تُخفى أكثر مما تُظهر. فهى من ناحية تتجاهل التاريخ الدموى للجولانى وتنظيماته، ومن ناحية أخرى تصالح فى بدايتها مع وجود إرهابى على كرسى الحكم وكأنه أمر طبيعي.
فى روزا فندنا هذه الرواية منذ البداية.. فالخلاف لم يكن تكتيكا سياسيا أو مناورة بين العواصم، بل خلافا أيديولوجيا جوهريا. مصر تعرف جيدا ما يعنيه وصول تيارات الإسلام السياسى إلى السلطة، بما يمثله تهديد مباشر لبنية الدولة الوطنية، وانهيار لمفهوم السيادة لصالح مشروع عابر للحدود يستمد شرعيته من نصوص مشوهة وتأويلات متطرفة.
مسارات مفتوحة
من العوامل التى زادت الارتباك وجود مسارات دبلوماسية مفتوحة بين القاهرة ودمشق.. ما أغرى البعض بالاعتقاد أن كل شىء يتجه نحو «تطبيع» جديد مع النظام السورى بزعامة الشرع
لكن السياسة لا تُقرأ من الصور الفوتوغرافية.. بل تقاس بالمسارات الاستراتيجية، وبالمواقف الثابتة عند لحظات الاختبار الكبرى.
كان واضحا أن القاهرة لا تنخدع بسهولة. فالمسارات الدبلوماسية قد تفتح لأسباب عملية، لكن ذلك لا يعنى أبدا المصالحة مع نموذج حكم قائم على أيديولوجيا الإرهاب.
الاعتذار المزيف.. وتكرار الخطأ
أحدث فصول المشهد جاء مؤخرا اعتذار وزارة خارجية سلطة الأمر الواقع فى دمشق عن مظاهرات الجامع الأموى التى أساءت لمصر.
وبمجرد صدور الاعتذار، خرجت نفس الأصوات المرتبكة لتقول: «خلاص.. اعتذروا.. المسامح كريم».
لكن هل كانت الأزمة مظاهرة عابرة أو تصريحا طائشا هنا أو هناك؟ هل يمكن اختزال الخلاف بين مصر ودمشق فى مظاهرة عابرة؟ الحقيقة أن جوهر الخلاف أعمق بكثير.. خلاف أيديولوجى مع مشروع كامل، مشروع قائم على استدعاء الإرهاب كأداة للحكم وتطويع المجتمع.
الموقف الواضح
ما يجب أن نفهمه جميعا أن الخلاف لم يكن أبدا حول جزئيات صغيرة. فالقاهرة لا تتعامل بالقطعة، ولا تبنى موقفها على ردود أفعال لحظية. بل على العكس، كانت البوصلة واضحة منذ اليوم الأول.. بالنسبة للسياسة المصرية وبالنسبة لنا فى روزاليوسف؛ رفض قاطع لشرعنة الإرهاب أو التطبيع مع رموزه، أيا كانت اللافتة التى يرفعونها أو البدلة التى يرتدونها.
الاعتذار عن المظاهرات لا يغير حقيقة أن من يحكم دمشق اليوم صعد من خلفية دموية، وأن مشروعه ليس مشروع دولة وطنية بل إعادة تدوير لأجندة الإسلام السياسى فى ثوب جديد.
الاعتذار الصورى للخارجية السورية لا يمحو ما كتبوه فى مناهجهم الدراسية بأن حرب أكتوبر «انتصار وهمي» رغم أنها حرب مصر والعرب الأهم، وانتصار كسر شوكة الاحتلال واسترد الأراضى المصرية، وأعاد للعرب هيبتهم.
هذا الاعتذار لا يغير شيئا من كون الجولانى حول دمشق أرض عربية إلى حديقة خلفية آمنة للاحتلال الإسرائيلى، بل ويفخر بذلك ويطلب التواصل والتفاهم مع تل أبيب.. ليكون لسانا عبريا مبينا فى المنطقة، ومتحدثا باسم نتنياهو.
خصوصا أن سوريا ليست كيانا محليًا معزولا؛ ولكن ركيزة فى معادلة الأمن القومى العربي. أى تآكل فى سيادتها أو أى تسوية تُضعف موقفها أمام الاحتلال ليست خسارة سورية فحسب، بل خصمًا من رصيد العرب كلهم فى مواجهة مشاريع فرض الأمر الواقع.
هكذا، فإن ما يجرى فى دمشق اليوم لا يمكن اختزاله فى سجالات داخلية؛ بل شأن إقليمى تتقاطع فيه المصالح وتختبر فيه الانتماءات.
ما وراء المواقف
من الخطأ قراءة الموقف المصرى فى ضوء لحظة واحدة. مصر التى خاضت معارك فكرية وسياسية طويلة ضد جماعات الإسلام السياسى منذ الثلاثينيات، ليست دولة ترتبك من تصريح عابر أو تهتز باعتذار بروتوكولي.
التجربة المصرية علمتنا أن الإرهاب لا يُحتوى بالمسامحة ولا يمكن تقنينه عبر بوابة الشرعية. خصوصا أننا دفعنا ثمنا كبيرا فى مواجهة هذا الفكر، ولن نكرر الأخطاء التى وقعت فيها عواصم أخرى حين قررت المساومة مع جماعات متطرفة.
المعركة مستمرة
من يظن أن المسألة انتهت عند اعتذار بروتوكولى ينسون أن المعركة الحقيقية ما زالت مفتوحة. المعركة ليست مع خطاب أو مظاهرة، بل مع مشروع كامل يسعى إلى اختطاف الدولة الوطنية السورية وتحويلها إلى منصة إقليمية تخدم أجندات عابرة للحدود، سواء كانت تلك الأجندات مرتبطة بإيران أو بتركيا أو بأى قوة دولية تبحث عن ورقة ضغط جديدة.. ويخدم المصالح الإسرائيلية فى المنطقة.
هنا تكمن خطورة صعود الشرع.. أنه ليس مجرد زعيم جديد بل عنوان لتحالف مصالح إقليمية ودولية تستفيد من وجود «إرهابي» على رأس الحكم لتبرير تسويات كبرى على حساب الشعب السوري.
روزا.. البوصلة التى لم تنحرف
فى هذا السياق، تظل روزاليوسف واضحة الموقف.. لا مجال للتصالح مع صعود الإرهاب إلى السلطة، ولا لتسطيح الصراع فى صورة “سوء تفاهم” يمكن حله باعتذار دبلوماسي.
موقفنا هو موقف الدولة الوطنية المصرية.. لا نهادن مع مشروع الإسلام السياسى، ولا نغفل خطورته حتى لو ارتدى ثوبًا جديدًا. من يجلس على كرسى الحكم فى دمشق اليوم يمثل امتدادا لمشروع دمر أوطانا وأحرق مجتمعات.
ولهذا السبب، لم نتردد من اللحظة الأولى، ولن نتردد الآن.. وسنظل مستمرين فى المواجهة.