الأربعاء 8 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

دعم سياسى ودبلوماسى مصرى لا يتوقف

حائط الصد ضد التهجير وتصفية القضية

حين تتكالب الأطماع، وتُحاك المؤامرات خلف الأبواب المغلقة، لا يبقى فى الميدان إلا من امتلك الشجاعة ليقول لا.. فمنذ اللحظة الأولى لانفجار الأوضاع فى غزة فى السابع من أكتوبر 2023، حين دوت أصوات غارات العدوان الإسرائيلى فوق سمائها، كانت مصر أول من رفع صوته بالرفض، وأول من طرق أبواب العالم دبلوماسيًا، وسياسيًا، وإنسانيًا. 



لم يكن الموقف المصرى مجرد بيان شجب، بل كان تحركًا فعالًا، يعكس ثوابت قومية، ورؤية استراتيجية عميقة، حرصت فيها القاهرة على أن تكون بوابة الإنقاذ، لا المساومة، وصوت الضمير العربى فى وجه آلة الحرب الإسرائيلية.

وعلى مدار عامين كاملين.. جسدت مصر بكل أدواتها- من الحراك الدبلوماسى فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى رعاية القمم الطارئة والمشاورات العربية والدولية- التزامها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية؛ مؤكدة أن الأرض لا تُساوم، والحق لا يُسلّم، والتهجير جريمة لن تمر.

وعليه، طالبت الدولة المصرية- بصوت عال- بوقف فورى لإطلاق النار، ورفضت سياسة العقاب الجماعى التى تنتهجها إسرائيل، فى ظل حصار خانق، وقصف طال حتى المستشفيات والملاجئ فى كل أنحاء القطاع المكلوم.

كما كان الموقف المصرى مفصليًا؛ ليس فقط فى إفشال المخطط الإسرائيلى لاقتلاع غزة، بل فى تعريف دور مصر كفاعل إقليمى يحمى الثوابت الوطنية الفلسطينية من التلاعب السياسى.. حيث بذلت الدولة المصرية جهودًا مضنية، عبر تحركات دبلوماسية مكثفة عبر وزارة الخارجية وأجهزتها السيادية، لإعلاء صوتها فى جميع المحافل الدولية؛ فضلًا عن دورها المحورى فى حشد الأصوات لصالح القضية الفلسطينية؛ معتمدة فى تحركها الدولى على استراتيجية مزدوجة، وهى: كشف الجرائم الإسرائيلية من جهة، وتعبئة الرأى العام العالمى من جهة أخرى. 

فى ضوء هذه المواقف المتلاحقة التى تبنتها الدولة المصرية تجاه العدوان الإسرائيلى على غزة، من أجل حماية الشعب الفلسطينى، ووقف حمام الدم، اتفق محللون سياسيون، وخبراء فى الشأن الإقليمى والدولى على أن «مصر» لم تكتف بالدور التقليدى، بل خاضت معركة سياسية ودبلوماسية معقدة، دفاعًا عن الثوابت القومية، فى مواجهة محاولات فرض حلول كارثية.

جهود فعالة

أكد الدكتور إسماعيل تركى، أستاذ العلوم السياسية- فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- أن الموقف المصرى الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة، هو موقف راسخ، وثابت، ومرتبط بشكل أساسى بالإدراك المصرى لخطورة تصفية القضية الفلسطينية، ومخاطر ذلك على الأمن القومى المصرى بشكل مباشر، حيث تزداد فرص نقل الصراع داخل الأراضى المصرية، وبذلك تسقط (اتفاقية السلام)، التى حافظت عليها مصر عشرات السنوات؛ مضيفًا أن الرفض المصرى يحافظ- أيضًا- على  الحل السياسى القائم على أساس حل الدولتين. 

كما نوه تركى لرؤية الدولة المصرية التى تؤمن بأن أصل السلام والاستقرار، يتمثل فى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967؛ معتبرًا أن إحدى نتائج رفض مصر للتهجير، هو الزخم الكبير والاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية، ومسار حل الدولتين الذى أصبح مطلب دولى، بعد اعتراف ما يقرب من 160 دولة بالدولة الفلسطينية، من بينهم 4 دول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، تمتلك حق النقض (فيتو).

وفى هذا السياق، قال «تركى» إن تحذير مصر من محاولات تصفية القضية الفلسطينية يحمل رسائل سياسية قوية وموجهة إلى أطراف متعددة، من أهمها: وضع الدولة المصرية (خط أحمر) غير قابل للتفاوض، يخص رفض كل محاولات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، ونسف مسار حل الدولتين، وأن أى خطوات أحادية لن تقبل بها مصر مهما كانت الضغوط والمغريات.

وأضاف أنه يمكن وصف الجهود الدبلوماسية المصرية منذ (قمة القاهرة للسلام)، والمشاركة الفاعلة فى كافة المؤتمرات الدولية ذات الصلة، وخاصة (قمة القاهرة الطارئة) فى مارس الماضى، والتى عُرض- خلالها- الخطة المصرية لإعادة الإعمار، والتعافى المبكر بغزة، بأنها جهود «فعالة، استباقية، وواقعية»، وتواجه الرواية الإسرائيلية الكاذبة المزيفة للحقائق، مستندة لتراكم خبرة طويلة.

فى نهاية حديثه، قال «تركى» إن الموقف المصرى لا يهدف فقط لوقف العدوان الحالى، بل يندرج بوضوح ضمن استراتيجية بعيدة المدى لإحياء مسار السلام، يمكن تلخيصها فى ثلاثة أهداف، هى:

هدف قصير المدى، وهو وقف العدوان، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، لتثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وحماية الأمن القومى، ومنع التهجير، والعمل على التهدئة.

 هدف متوسط المدى، وهو لعب دور محورى فى ترتيبات اليوم التالى فى «غزة»، عبر إعادة الإعمار، إدارة المعابر، بهدف ضمان ألا تستغل إسرائيل فترة ما بعد القتال لتكريس وضع لا رجعة فيه.

 هدف بعيد المدى، وهو إحياء مسار حل الدولتين، والتوصل لسلام دائم، حيث يعتبر وقف إطلاق النار فرصة لإعادة طرح حل الدولتين بقوة، من منطلق أن لا استقرار إقليمى دون حل سياسى».

 قراءة مبكرة

قال الدكتور صلاح عبدالعاطى، رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن فلسطين- فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- إن الموقف المصرى الرسمى، منذ بدء العدوان الإسرائيلى، كان موقفًا رافضًا للعدوان ولحرب الإبادة؛ كما كان قارئًا للمشهد بشكل دقيق، حيث حذرت مصر من مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين، مؤكدة رفضها للمشاركة فى أى ظلم تاريخى، يمكن أن يقع على الشعب الفلسطيني؛ مشددة على أن التهجير خطًا أحمر.

وأوضح «عبدالعاطى» أن موقف مصر الرافض والحاسم، ساهم فى تعطيل وإفشال مشروع التهجير والضم، وذلك إلى جانب الموقف المصرى الداعم للثوابت الفلسطينية، القاضى بحماية الشعب الفلسطينى، والوصول إلى اتفاق، من أجل إعلان دولة فلسطين، ووحدة الفلسطينيين. 

وأضاف أن مصر تعكس توجهات معلنة لدى النظام، بدءًا من الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة، وصولًا إلى الشعب المصرى، والأخير شكل سياجًا وداعمًا إلى جانب الجهود الدبلوماسية التى بذلتها مصر مع كافة الجهات والأطراف الفلسطينية، من أجل التوسط لوقف حرب الإبادة الجماعية؛ ناهيك عن المؤتمرات والفعاليات الدبلوماسية المختلفة، التى شاركت فيها مصر، وصولًا إلى إعداد خطة الإعمار وإعادة التعافى، التى وفرت- حسب قوله- إطارًا بديلًا عن كل المخططات الإسرائيلية المعلنة. ما أكد أن مصر كانت- ولا تزال- داعمًا رئيسيًا لحقوق الشعب الفلسطينى، وتنظر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية أمن قومى مصرى، إلى جانب أنها تضامن مع الأشقاء. 

وشدد «عبدالعاطي» على أهمية البناء على المواقف المصرية، التى شكلت حائط صد، لمواجهة المخططات الإسرائيلية التى تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.

 فلسطين للفلسطينيين

أشار اللواء حابس الشروف، مدير معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومى- فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- إلى موقف مصر الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وتنديدها بالعدوان الإسرائيلى على غزة، ورفضها القاطع والحاسم للتهجير القسرى، انطلاقًا من الثوابت الاستراتيجية المصرية، التى تعتبر أن تهجير الفلسطينيين (خط أحمر)، وأمر مرفوض غير قابل للنقاش.

واعتبر «الشروف» أن الموقف المصرى جاء حاسمًا لإفشال أى مخططات لتصفية القضية الفلسطينية؛ إذ حذرت الدولة المصرية دول العالم من المشاركة فى تهجير الفلسطينيين، والتطهير العرقى، باعتباره ظلمًا تاريخيًا للشعب الفلسطيني.

كما أكد أن الموقف المصرى يتلاءم- تمامًا- مع الموقف الفلسطينى الداعى لحل الدولتين، ووقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار فى «غزة»، فضلًا عن الانسجام الواضح بين الجانبين، وهو ما ظهر فى تصريحات رئيس الوزراء الفلسطينى «محمد مصطفى»، الذى عبر عن تقديره للموقف المصرى الحاسم فى نصرة الشعب الفلسطيني؛ مشيدًا بالجهود المصرية فى الوساطة والإغاثة.

ورجح «الشروف» وجود تصور مصرى فلسطينى مشترك خلال الفترة المقبلة.

وأضاف أن مصر ما زالت تبذل جهودًا مضنية فى ملف الوساطة، واستضافة مؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة.

وفى نهاية حديثة قال، إن أعظم موقف سيُسجلة التاريخ لمصر أنها منعت تهجير الفلسطينيين، وأن الرئيس السيسى قال بوضوح إنه لا للهجرة، وأن فلسطين للفلسطينيين.. هذا الموقف الشجاع سيسجل لكل الأجيال الفلسطينية للأبد.

 استشعار الخطر

أوضح الدكتور «أيمن الرقب»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس- فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- أنه منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلى على «غزة»، تبنت الدولة المصرية الرواية السردية الفلسطينية؛ كما بذلت جهودًا حتى يتبنى العالم مواقف تدين أفعال الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى، انطلاقًا من استشعار مصر للخطر المقبل على قطاع غزة.

كما أعلنت الدولة المصرية موقفها بوضوح من رفض التهجير القسرى والطوعى، وقامت بإدخال كميات كبيرة من المساعدات لدعم الشعب الفلسطينى.

وأكد أن مصر عملت- أيضًا- على تثبيت حق الشعب الفلسطينى فى دولته، وتصدت لهذا المشهد، واستضافت مؤتمر القاهرة للسلام فى أول أيام الحرب على غزة، لتؤكد- من خلاله- رفضها القاطع لما يقوم به الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع «غزة»، وأصرت على حق الفلسطينيين لإنشاء دولتهم التى تعيش بسلام فى تلك المنطقة، ما أدى إلى حراك دولى على أوسع المستويات.

وأوضح «الرقب» أن الموقف المصرى متماشٍ مع الموقف الرسمى الفلسطينى، والشعب الفلسطيني؛ ومصر لها دور واسع وتجربة سابقة فى إعادة إعمار غزة بعد حرب 2021؛ كما أن مصر دولة مهمة لها دور كبير فى استشعار الخطر، ودور كبير فى وقف إطلاق النار.

 جهود دبلوماسية

قال نعمان توفيق العابد، الكاتب والباحث السياسى الفلسطينى- فى تصريحات لمجلة «روزاليوسف»- إن الموقف المصرى منذ بداية القضية الفلسطينية كان واضحًا باتجاه الحق الفلسطينى، وكان دومًا مساندًا للقضية الفلسطينية، ولإقامة الدولة الفلسطينية، وحق تقرير مصير الشعب الفلسطينى.

وأكد أن الموقف المصرى يرتكز على ثلاثة أسس رئيسية:

- وقف العدوان على الشعب الفلسطيني.

- إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر الدولية البرية.

- البدء فى الحل السياسى عبر وقف العدوان، وإقامة الدولة الفلسطينية. 

وأضاف أن مصر عملت عبر علاقاتها الدولية، وعبر المنابر الدولية فى سبيل طرح وجهة النظر تلك؛ والدبلوماسية المصرية قادرة على إقناع العديد من الأوروبيين.

وأشار «العابد» إلى الموقف المصرى الصامد والقوى فيما يخص وقف تهجير الشعب الفلسطينى، عندما رفضت خطط حكومة «بنيامين نتنياهو» بقوة وشجاعه، رغم سياسة التهديد والوعيد والترغيب التى استخدمتها الولايات المتحدة، وغيرها من الدول. 

وأكد أن كل ذلك كان منسجمًا تمامًا مع موقف الشعب والقيادة الفلسطينية، الذى يؤيد كل ما تقوم به الدبلوماسية المصرية التى تتحدث بصوت الشعب الفلسطينى، وكل هذه الجهود ساهمت فى تغيير التصور الأوروبى للقضية الفلسطينية ضمن حلقة متواصلة مترابطة تكللت بكل هذه الاعترافات التى شوهدت فى الأمم المتحدة.