الأربعاء 5 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

طوفان الاعترافات الدولية

فلسطين تدخل الأمم المتحدة من بوابة الشرعية الغربية

فى لحظة فارقة من التاريخ الدبلوماسى، ومع بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دوت صاعقة سياسية قلبت الطاولة على الجميع، اعترافات أوروبية تتوالى بدولة فلسطين. 



خطوة وصفتها صحيفة لوموند الفرنسية بأنها «أكبر هزة فى بنية الشرعية الدولية منذ نهاية الحرب الباردة»، فيما رأت شبكة بى بى سى أن هذا الاعتراف لا يمثل مجرد موقف رمزى، بل «زلزالًا سياسيًا يغير قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط».

 وبينما تشتعل غزة تحت نيران الحرب المستمرة، وجدت إسرائيل نفسها أمام عزلة دولية غير مسبوقة، فى وقت يتآكل فيه التماسك الداخلى لحكومة نتنياهو، ويحتدم النقاش فى واشنطن حول ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيواصل حماية تل أبيب أم يساوم على نفوذها مقابل مصالحه مع أوروبا.

هذا الاعتراف لم يكن مجرد ورقة دبلوماسية، بل تحول إلى قنبلة موقوتة تهدد بتغيير ميزان القوى، وإعادة تعريف معادلة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.

 

 

 

 ومن هنا تأتى أهمية قراءة هذا التحول عبر خمسة محاور رئيسية: هل لمصر دور فى هذا التحول؟ وما الذى جعل الغرب يتخذ هذه الخطوة الآن؟ وما هى حسابات واشنطن الآن؟، وما هو مستقبل السلطة الفلسطينية وحماس؟، وأخيرًا انعكاسات الموجة على النظام الدولي.

 المحور الأول: مصر

 الدبلوماسية الهادئة التى صنعت العاصفة

لم يكن الإعلان الأوروبى عن الاعتراف بفلسطين صدفة، بل نتاج جهود عربية قادتها مصر فى الكواليس. حيث أشار موقع «ميدل إيست آي» البريطانى إلى أن «القاهرة لعبت دور الوسيط الصامت الذى نجح فى إقناع الأوروبيين بأن الاعتراف بفلسطين قد يكون صمام أمان فى وجه انفجار أكبر».

مصادر دبلوماسية فى بروكسل أكدت أن وزير الخارجية المصرى سامح شكرى قام بجولات مكوكية خلال الأشهر الماضية، كما نقلت «رويترز» عن مصادر دبلوماسية، أن القاهرة لعبت دورًا رئيسيًا فى «تهيئة الأجواء» عبر جولات مشاورات رفيعة فى باريس وبروكسل وبرلين، ركزت على ضرورة إعادة الاعتبار لمعادلة «حل الدولتين» بعد أن تآكلت بفعل الحرب المتواصلة فى غزة، هذه الجولات نقلت فيها الإدارة المصرية تحذيرات من أن استمرار تجاهل الحق الفلسطينى سيقود المنطقة إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه. وبحسب تحليل لمركز تشاتام هاوس البريطانى، فإن «المقاربة المصرية اعتمدت على ربط الاعتراف بفلسطين بمصالح أوروبا الاستراتيجية: أهمها أمن الطاقة، وقف تدفقات اللاجئين، ومحاصرة تمدد التطرف.

ونجحت الدبلوماسية المصرية فى الدفع باعتراف جماعى أعطى زخمًا سياسيًا للقضية الفلسطينية، ويشكل فى الوقت ذاته رسالة ضغط على حكومة نتنياهو التى ترفض حتى اللحظة الدخول فى مسار تفاوضى جاد.

ويرى محللون فى Chatham House أن هذا الاعتراف كان «ترجمة لدبلوماسية متراكمة»، وأن القاهرة تحديدا قدمت نفسها كضامن إقليمى لأى ترتيبات مستقبلية.

وبينما لم يحضر الرئيس عبد الفتاح السيسى اجتماع «حل الدولتين» على هامش الجمعية العامة الذى عقد فى 24 سبتمبر الجارى، فإن إرسال وزير الخارجية كان رسالة مزدوجة: التزام مصر بالدور، مع الاحتفاظ بمسافة تتيح لها إدارة الملفات الأوسع مع واشنطن وتل أبيب.

 المحور الثانى 

الغرب وإسرائيل.. بداية الشرخ الكبير

لأول مرة منذ عقود، وجدت إسرائيل نفسها أمام جبهة أوروبية موحدة لم تعد تتبنى خطاب «التفهم المطلق للهواجس الأمنية» وإنما انتقلت إلى الاعتراف المباشر بدولة فلسطين.

ففرنسا الحليف التقليدى لإسرائيل فى أوروبا لم تكتف بالاعتراف، بل أعلن وزير خارجيتها أن هذه الخطوة هى «رفض قاطع لحماس» وفى الوقت نفسه رسالة إلى نتنياهو بأن الاحتلال لم يعد مقبولًا.

تحليل نشرته صحيفة Politico أشار إلى أن قرار ماكرون لم يكن مجرد مناورة داخلية، بل هو محاولة لإعادة صياغة المكانة الفرنسية فى الشرق الأوسط فى مواجهة الدور الأمريكى المنفرد. أما بريطانيا، فوجدت فى«الاعتراف» فرصة لإعادة تموضع سياسى بعد «بريكست»، خصوصًا فى علاقاتها بالعالم العربى، لكن اللافت أن ألمانيا نفسها –رغم تمسكها تاريخيًا بأمن إسرائيل– بدأت بمراجعة موقفها، حيث دعا نواب بارزون فى البوندستاغ إلى إعادة تقييم الدعم غير المشروط لدولة الاحتلال.

هذا التحول جعل إسرائيل فى وضع دفاعى، وأثار مخاوف داخل الحكومة الإسرائيلية من احتمالية فرض عقوبات اقتصادية أوروبية مشابهة لتلك التى وجهت لروسيا بعد غزو أوكرانيا. 

وفى تقرير لمعهد الدراسات الأمنية القومى فى تل أبيب (INSS) حذر من أن «فقدان الغطاء الأوروبى يعنى انكشاف إسرائيل أمام هجمات دبلوماسية أوسع فى الأمم المتحدة والمحافل الدولية».

 

 

 

لكن الأهم أن هذه المواقف تركت أثرًا مباشرًا على إسرائيل، التى تعيش أساسًا غليانًا داخليًا بسبب سياسات نتنياهو التصعيدية فى غزة والضفة. وقد كتبت وكالة AP News أن عزلة تل أبيب فى الجمعية العامة تعكس «تآكل الشرعية الأخلاقية» التى طالما استندت إليها، وأن صورة إسرائيل باتت مرتبطة بالحصار والحرب أكثر من أى وقت مضى.

 المحور الثالث

ترامب.. الغضب المكبوت

فى واشنطن، لم يكن وقع الاعترافات سهلًا. الرئيس دونالد ترامب، الذى يخوض ولايته الثانية متكئًا على دعم القاعدة الإنجيلية الموالية لإسرائيل، اعتبر الخطوة الأوروبية «خيانة لحليف تاريخى» بحسب تسريبات نشرتها صحيفة Politico.

المعضلة بالنسبة لترامب ليست فقط فى إسرائيل، بل فى العلاقة عبر الأطلسي؛ إذ أن بريطانيا وكندا وأستراليا شركاء واشنطن الأوثق كانوا فى مقدمة الدول التى اعترفت بفلسطين. وهو ما يعنى أن التحالف الغربى لم يعد على قلب رجل واحد فيما يخص الملف الفلسطيني.

الرئيس دونالد ترامب، اعتبر –بحسب تقرير لشبكة CNN– أن «أوروبا تمارس لعبة خطرة تهدد وحدة الموقف الغربى». لكنه فى الوقت ذاته يدرك أن مجابهة أوروبا فى هذا الملف قد تدفعها لتعزيز استقلاليتها عن واشنطن.

ويرى محللون فى Brookings Institution أن الموقف الأمريكى «يعكس عزلة استراتيجية»، وأن إصرار ترامب على الانحياز لإسرائيل قد يدفع أوروبا إلى بناء سياسة شرق أوسطية مستقلة.

علاقات ترامب مع إسرائيل معقدة؛ فبينما لا يزال حريصًا على إرضاء اللوبى المؤيد لتل أبيب، إلا أنه يسعى أيضًا لصفقات اقتصادية مع أوروبا، خاصة فى مجالات الطاقة والتجارة. تقرير لمعهد بروكينجز أشار إلى أن «ترامب قد يستخدم ورقة فلسطين للضغط على نتنياهو لتهدئة الحرب فى غزة، مقابل تحسين شروط التفاوض مع الأوروبيين».

لكن الأخطر هو أن بعض الأصوات فى الحزب الجمهورى بدأت ترى أن استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل أصبح عبئًا على صورة أمريكا العالمية، خصوصًا بعد تزايد صور الدمار فى غزة التى قلبت الرأى العام الدولى ضد تل أبيب.

هذه اللحظة تضع إدارة ترامب أمام معضلة دبلوماسية: هل تواصل السير خلف نتنياهو فى مشروعه لضم أجزاء من الضفة، أم تبحث عن صيغة توازن تحفظ وحدة المعسكر الغربي؟

 المحور الرابع

 حماس من الشرعية إلى العزلة

موجة الاعترافات تصب أولًا فى مصلحة السلطة الفلسطينية، التى وجدت نفسها فجأة فى مركز الضوء. الرئيس محمود عباس، بات يملك ورقة قوية يعرضها على شعبه: اعتراف دولى متزايد بالدولة الفلسطينية.

مركز كارنيجى للشرق الأوسط اعتبر أن «المكسب الأكبر للسلطة هو إعادة شرعنة خيار المفاوضات مقابل سلوك حماس العسكرى». فمع تزايد الاعترافات، تصبح حماس معزولة أكثر، وتدفع إلى الزاوية باعتبارها عائقًا أمام تجسيد الدولة.

لكن السؤال هو: هل يملك عباس القدرة على استثمار هذه اللحظة؟ مصادر أوروبية أكدت أن الخطوة التالية يجب أن تكون إصلاح البيت الفلسطينى الداخلى، وإعادة ترتيب منظمة التحرير لتكون أكثر شمولًا. من دون ذلك، قد تتحول الاعترافات إلى إنجاز رمزى غير قادر على الصمود.

 المحور الخامس

قلب موازين القوى الكبرى

الموجة الحالية لا تعنى فقط تحولًا فى الخطاب الدبلوماسى، بل هى جزء من إعادة رسم التوازنات العالمية.

فأوروبا التى بدت لعقود ملحقة بالسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، تحاول الآن - عبر الاعتراف بفلسطين - أن تقدم نفسها كقوة مستقلة قادرة على صياغة أجندة خاصة. وهو ما يفسر حدة رد فعل واشنطن، إذ إن الأمر يتجاوز فلسطين ليطال مكانة أمريكا نفسها فى النظام الدولي.

فى تحليل لمعهد Chatham House ذهب إلى أن الاعتراف «يعكس إدراكًا أوروبيًا بأن استمرار الحرب فى غزة يهدد الأمن الإقليمى والعالمى، وأن الحل السياسى بات ضرورة استراتيجية لا مجرد خيار أخلاقي».

أما روسيا والصين، فقد وجدتا فى هذا الانقسام الغربى فرصة لتعزيز حضورهما كداعم تقليدى لفلسطين، فى وقت تحاول فيه واشنطن الحفاظ على هيبتها كراع وحيد للعملية السياسية.

بهذا المعنى يصبح الاعتراف بفلسطين ساحة اختبار لصراع أوسع: هل يظل النظام الدولى رهينة الهيمنة الأمريكية، أم أننا أمام بداية عصر جديد تتعدد فيه مراكز القرار؟

اجتماع حل الدولتين الغائب الحاضر

فى أروقة الأمم المتحدة، تلاقى مساران متوازيان بعد طوفان الاعترافات الأوروبية: اجتماع رفيع المستوى لبحث مستقبل حل الدولتين، ولقاء خاص عقده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع ممثلين عن بعض الدول العربية، حيث حضر فى الأول ممثل عن الإدارة المصرية د. بدر عبد العاطى وزير الخارجية، وفى الاجتماع الثانى كان رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى ممثلًا، أما الرئيس عبد الفتاح السيسى فقد غاب عن الحضور، فى خطوة فسرها محللون أن القاهرة تفضل أن تظهر بمظهر الوسيط البراجماتى الذى يدير الملفات بعقلانية بعيدًا عن الاستعراض، ودون صدام مباشر مع واشنطن والأهم أن الاجتماعات منحته دفعة جديدة لفكرة حل الدولتين كخيار جاد على الطاولة، بعد سنوات من التجميد.

 وقد بدا المشهد وكأنه اختبار حقيقى لتوازنات القوى بين الاعترافات الدولية المتوالية بالدولة الفلسطينية من جهة، ومحاولة واشنطن الحفاظ على زمام المبادرة من جهة أخرى.

غير أن اجتماع ترامب مع الوفود العربية، رغم ما عكسه من محاولات لإبقاء واشنطن فى قلب المعادلة، أثار تساؤلات حول مدى قدرة الطرح الأمريكى على الصمود أمام موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وحول ما إذا كان هذا الحراك الدبلوماسى يفتح الباب أمام تفاوض جاد، أم مجرد محاولة لإعادة تدوير الأفكار القديمة بصياغات جديدة. وبين تلك الأسئلة ظل الحضور المصرى بمثابة عنصر توازن ضرورى فى مشهد دولى تتنازعه الضغوط، والرهانات، والمصالح المتشابكة.

  إسرائيل فى العزلة.. نتنياهو أمام خيار المواجهة أو التراجع

فى الجانب الآخر، يعيش نتنياهو واحدًا من أكثر مواسمه السياسية قسوة. فإلى جانب الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة ضد إدارته للحرب فى غزة، يواجه اليوم عزلة دبلوماسية خانقة.

تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن نتنياهو يفكر فى إعلان ضم أجزاء من الضفة الغربية كرد على الاعترافات الدولية، فى محاولة لاستعادة زمام المبادرة داخليًا، وابتزاز الغرب خارجيًا.

 لكن مصادر فى واشنطن نقلتها وكالة AP NEWS الأمريكية، تؤكد أن إدارة ترامب “لن تدعم علنًا أى خطوات ضم فى الوقت الراهن” خشية المزيد من الانقسام الغربي.

وهكذا تبدو إسرائيل محشورة بين ضغط خارجى متزايد وعاصفة سياسية داخلية، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة مفتوحة على سيناريوهات صدامية قد تغيّر جذريًا شكل الصراع.

 الفيتو الأمريكي.. الأمل الأخير

وبعد كل هذه الموجة القوية يبقى السلاح الأخير لدى إسرائيل وحليفها واشنطن «الفيتو» حيث يُنظر دائمًا إلى الفيتو الأمريكى باعتباره الأشد وطأة داخل مجلس الأمن، ليس فقط لأنه يعكس قوة دولة عظمى تمتلك أكبر اقتصاد وجيش فى العالم، بل لأنه أيضًا يتكئ على شبكة تحالفات ممتدة من أوروبا إلى آسيا. ويوضح الدكتور ريتشارد جوان، مدير برنامج الأمم المتحدة فى «مجموعة الأزمات الدولية»، أن واشنطن جعلت من هذا الحق درعًا دائمًا لحماية إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضى، حيث استخدمته أكثر من أربعين 40 مرة ضد مشاريع قرارات تتصل بالقضية الفلسطينية. لذلك، فإن الفيتو الأمريكى لا يقرأ فى المحافل الدولية كإجراء إجرائى فحسب، بل كرسالة قوة تحمل تهديدًا سياسيًا واقتصاديًا لأى دولة تتجاوز الخطوط الأمريكية.

 

 

 

غير أن موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية أدخلت عنصرًا جديدًا إلى هذه المعادلة. فبحسب تحليل صادر عن Chatham House فى لندن، فإن هذه الاعترافات لا تملك القدرة المباشرة على تعطيل الفيتو الأمريكى، لكنها تضعه فى مواجهة معزولة أمام إرادة دولية آخذة فى الاتساع. وكلما ازداد عدد الدول الغربية الكبرى التى تمنح فلسطين اعترافًا سياديًا، تضاءلت شرعية الموقف الأمريكى فى أعين الرأى العام العالمى، وتحول الفيتو من أداة ردع إلى رمز عزلة. ويشير تقرير لموقع Politico Europe إلى أن واشنطن قد تجد نفسها مضطرة لإعادة النظر فى كيفية استخدام حق النقض، حتى لا يظهر الأمر وكأنه تحد سافر لإجماع ديمقراطى يتشكل حول حق الفلسطينيين فى دولة مستقلة.

أما فى تل أبيب، فإن تآكل شرعية الفيتو الأمريكى يقرأ بصفته ناقوس خطر استراتيجي. فالمؤسسة السياسية الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، ترى أن أى اهتزاز فى صلابة الموقف الأمريكى داخل مجلس الأمن قد يفتح الباب أمام محاولات متجددة لتمرير قرارات دولية تقيد حرية إسرائيل العسكرية أو تدعو لوقف الحرب فى غزة بشروط غير مريحة للحكومة اليمينية. ويشير تقرير لمعهد Washington Institute for Near East Policy إلى أن نتنياهو يدرس تكثيف خطاب المواجهة مع الأمم المتحدة، بل وربما المضى فى خطوات تصعيدية مثل الإعلان عن ضم أجزاء من الضفة الغربية، لتثبيت معادلة ردع جديدة تقول إن إسرائيل لا تنحنى حتى لو تزايدت عزلة واشنطن الدولية.

وعلى الجانب الآخر من المعادلة، تقرأ القيادة الفلسطينية هذا التآكل المحتمل فى شرعية الفيتو الأمريكى باعتباره نافذة سياسية نادرة. فالرئيس محمود عباس، الذى طالما اصطدم بجدار النقض الأمريكى فى مساعيه داخل مجلس الأمن، يرى أن موجة الاعترافات الأوروبية قد تعيد إحياء مشروع تدويل القضية الفلسطينية بعيدًا عن مظلة واشنطن. ويشير تحليل صادر عن European Council on Foreign Relations إلى أن السلطة الفلسطينية قد تسعى فى المرحلة المقبلة إلى طرح مشاريع قرارات جديدة فى المجلس، حتى وإن كان مصيرها النقض، من أجل تكريس صورة أن أمريكا أصبحت الدولة الوحيدة التى تعطل إرادة المجتمع الدولي. هذه الاستراتيجية، وفق المجلس، قد تمنح عباس ورقة ضغط جديدة فى مواجهة إسرائيل، وتفتح له مجالًا أوسع لإعادة تقديم السلطة كالممثل الشرعى الوحيد، فى مقابل تقليص هامش حركة حماس التى تجد نفسها معزولة أمام موجة الشرعية الدولية المتنامية.

وأخيرًا فإن زلزال الاعترافات الأوروبية بفلسطين نجح فى فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، لا تقل خطورة عن المواجهات العسكرية فى غزة. فبينما وجدت السلطة الفلسطينية سندًا دوليًا جديدًا، غرقت إسرائيل فى عزلة غير مسبوقة. 

وبينما تسعى مصر إلى إدارة المشهد بذكاء، يقف ترامب أمام معادلة صعبة بين إرضاء تل أبيب أو الحفاظ على وحدة الغرب. وفى المحصلة، يبدو أن الاعتراف بفلسطين لم يعد مجرد حلم، بل ورقة سياسية تعيد تشكيل الشرق الأوسط، وربما تعيد رسم ملامح النظام الدولى كله.