الإثنين 29 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
فى الشعر الجاهلى!

كتب ممنوعة 4

فى الشعر الجاهلى!

فى سنة 1926م، صدر كتاب بعنوان «فى الشعر الجاهلى»، لمؤلفه د. طه حسين، وقتها أحدث الكتاب صدمة فكرية جديدة بعد صدمة كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، وذلك بسبب موضوع الكتاب، ولأن مؤلفه من خريجى الأزهر. 



وقد استخدم طه حسين منهج الشك للبحث عن حقائق الأشياء، ومنهج الشك يسمى بالمنهج الديكارتى نسبة للفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650م)، وهو رياضى وفيزيائى فرنسى، صاحب مقولة «أنا أفكر إذن أنا موجود»، ويلقب بـ «أبو الفلسفة الحديثة».

ومن خلال كتاب «فى الشعر الجاهلى»، طرح طه حسين أسئلة حول عدد من القضايا المتصلة بالتراث الجاهلى فى مجال الشعر، قائلاً: «أمّا أنا فلا أقدّس القدماء؛ وإنما أنظر إليهم كما أنظر إليك، وإلى نفسى، وأعلم أنهم مثلى ومثلك يجدون ويمزحون، يحسنون ويسيئون».

ويعتبر الكتاب دعوة ضد تقديس كل ما هو قديم فى الثقافة العربية، ومحاولة لتحرير الفكر من القيود التي تمنعه من طرح الأسئلة، فقد استنتج طه حسين أن أكثر الشعر الجاهلى منحول أى منسوب كذبًا لقائله، وأنه تمت كتابته بعد الإسلام ونسب لشعراء ما قبل الإسلام، وعارض الكتابَ الأزهرُ وبعض الأدباء فكتبوا مقالات ضده. 

وتم تقديم طه حسين للمحاكمة بتهمة إهانة الإسلام، وجاء الحكم ببراءته باعتبار أنه رأى أكاديمى لأستاذ فى الجامعة، ولا يوجد إجراء قانونى ضده لعدم توافر القصد الجنائى. 

أصدر د. طه حسين فى نفس عام مصادرة كتاب «فى الشعر الجاهلى»، كتابًا بعنوان «فى الأدب الجاهلى»، متضمنًا فصول الكتاب المُصادَر مع إضافة فصول جديدة عن فنون الشعر والنثر الجاهلى.

وقام بإعادة صياغة فصل بعنوان «الشعر الجاهلى واللغة»، الذي ينكر فيه الوجود التاريخى للنبيين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وبناءهما للكعبة وانتساب العرب المستعربة إليهما؛ حيث قال إن قريش ساقت تلك الأسطورة لتعزيز مكانتها بين القبائل ولتجعل من مكة قبلة العرب التجارية والدينية، وأنه ليس مضطرًا إلى تصديق الأحداث التاريخية لمجرد أن القرآن ذكرها.

ويرى البعض أن إعادة الصياغة لم يكن تنازلاً عن آرائه، فقد ضمّن د. طه آراءه فى ثنايا الصياغة الجديدة مثل استنكاره تقسيم العرب إلى بائدة وعاربة ومستعربة، وهو الاستنكار الذي ينفي ضمنيًا وجود عرب ينتسبون إلى النبى إسماعيل عليه السلام.

وترك الفصل الثالث من الكتاب وعنوانه «الدين وانتحال الشعر»، كما هو بما جاء فيه أن من الأغراض الدينية لانتحال الشعر: «تعظيم شأن النبى من ناحية أسرته ونسبه فى قريش»؛ لاقناع الناس بأنه من الصفوة البشرية لإثبات صحة نبوته.

وجاء الرد على كتاب «فى الشعر الجاهلى»، من خلال كتب مثل: «تحت راية القرآن» لمصطفى الصادق الرافعى، و«الشهاب الراصد» لمحمد لطفى جمعة، و«نقد الشعر الجاهلى» لمحمد فريد وجدى.

ورغم أن طه حسين أكد أن شكه بالشعر الجاهلى لا يعنى شكه بالدين، وكتب إلى مدير الجامعة بأنه: «مسلم يؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»؛ فإن المعركة ضد كتابه ازدادت، لذلك قامت السلطات بمنع الكتاب من التداول.

وتم تكفير طه حسين لقوله: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى، فضلاً عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعًا من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود، والقرآن والتوراة من جهة أخرى».

ومع أن الكتاب عن الشعر الجاهلى؛ إلا أنه تناول القصص القرآنى، وفيه رفض الاعتقاد بمن لا دليل على وجوده التاريخى مثل النبيين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبنائهما للكعبة، واستنتاج أن هذه المعتقدات هى أساطير شاعت بين العرب وأكدها الإسلام لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية. 

وقد أخطأ طه حسين فى الربط بين قصص القرآن وبين اكتشافات الآثار، وعدم وجود آثار للأنبياء مثل النبى موسى والنبى يوسف فى الآثار المصرية المكتشفة، وفى الكتابات العلمية فى علم المصريات.

فقد عاش النبى يوسف فى عهد احتلال الهكسوس لمصر، وكعادة ملوك مصر الفرعونية تم تدمير آثار من سبقهم من الهكسوس بعد رحيلهم، ومنها آثار كان يمكن أن تعطى تاريخًا للنبى يوسف.

والنبى موسى ارتبط عهده بغرق فرعون، وقد أكد الله تعالى تدمير آثار فرعون موسى، وليس من مصدر تاريخى إلا فى القرآن الكريم والتوراة، قال تعالى: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)، الأعراف 136.

ولذلك أمر الله تعالى بالسير فى الأرض للكشف عن آثار الأمم السابقة: (قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)، الروم 42؛ لتتحقق العبرة من وجود قصصهم فى القرآن الكريم.