من قصر فرساى إلى قلب لندن
«مارى أنطوانيت» أناقة لا تموت

ياسمين علاء
«دعهم يأكلون الكعك!».. جملة قصيرة أشعلت قرونًا من الجدل، وحكمت بالإدانة على الملكة الفرنسية «مارى أنطوانيت» حكمًا تاريخيًا لم يبرح الذاكرة الجمعية حتى اليوم، قيل إنها تلفظت بها بخفة حين شكا الفلاحون جوعَهم، فصارت منذ ذلك اليوم أيقونة لترفٍ لا يعبأ بآلام الناس، ووجهًا لمَلكة لم تعرف الفارق بين الرغيف والكرواسون. وأصبحت جزءًا من إرثها الأسطورى الذى يثير الإعجاب والجدل معًا حتى اللحظة.
واليوم، وبعد أكثر من مائتى عام، تعود الملكة التى حولتها المقولة الشهيرة إلى «عدو الشعب» لتطل من جديد فى (لندن) لا كحكاية فى كتب التاريخ؛ بل كوجه يطل من وراء الزجاج داخل قاعات «متحف فيكتوريا وألبرت» بلندن. ففى سبتمبر الجارى، يفتتح المعرض الأول من نوعه فى المملكة المتحدة ليكون مُكَرّسًا بالكامل لهذه الملكة الأسطورية؛ ليكشف عن عالمها بين الأزياء والمجوهرات والرسائل، ويعيد طرح السؤال الذى لم يخفت صداه: هل كانت أنطوانيت ضحية دعاية ثورية سوداء، أم رمزًا خالدًا للترف المفرط؟.
يأتى هذا المعرض بعد النجاح الكبير لمعرض «جابرييل شانيل» فى عام 2023، ومعرض كارتييه المتألق لهذا العام؛ إذ يستكشف معرض «أسلوب مارى أنطوانيت» قصة نشأة الأسلوب الذى صاغته أكثر الملكات أناقة على مر العصور، بالإضافة إلى إحياءاته المتعددة عبر الزمن؛ إذ تعتبر واحدة من أشهر رموز الموضة التى وُصفت بأنها من «مشاهير» العصر الحديث المبكر، حتى إنها أعادت تشكيل عالمىّ الموضة والتصميم فى القرن الثامن عشر خلال فترة حكمها التى امتدت لعقدين من الزمن. وفيما يأتى سنستعرض كل ما يتعلق بمعرض «مارى أنطوانيت» فى متحف(V&A) هذا الخريف؛ ليستكشف كيف ولماذا بقيت أنطوانيت أيقونة للأناقة حتى الآن.
فى أروقة المعرض، ستتجسّد حياة الملكة الفرنسية الأكثر أناقة على مر العصور، بدءًا من فساتينها الفخمة ذات الألوان الباستيلية المزخرفة، والشعر المستعار البودرى المرتفع، وصولاً إلى المجوهرات الفاخرة والأثاث الروكوكو؛ إذ سيتمكن زوار المعرض من استكشاف أكثر من 250 قطعة من إرث «مارى أنطوانيت» الشخصى والفنى، بما فى ذلك العديد من المعروضات الاستثنائية التى لم تُعرَض من قبل خارج قصر فرساى وفرنسا. كما سيُتاح لهم رؤية مجموعة من المقتنيات الشخصية النادرة التى امتلكتها وارتدتها «مارى أنطوانيت» بنفسها، بما فى ذلك نعالها الحريرية، ومقتنيات من أزياء البلاط المزخرفة، فضلاً عن آخر رسالة كتبتها فى حياتها، ومجوهرات من مجموعتها الخاصة الواسعة، إلى جانب قطع مستلهمة من إبداعات كبار المصمّمين العالميين مثل «شانيل وديور وفيفيان ويستوود».
لا يكتفى المعرض بإتاحة القطع التاريخية فحسب؛ بل يقدم تجربة غامرة تشمل مَشاهد مسرحية، وتجارب حسية وعطرية، وحتى إعادة تجسيد أجواء البلاط الملكى؛ لتجعل من الزائر شاهدًا على تأثير أسلوب «مارى أنطوانيت» الذى امتد من القرن الثامن عشر إلى السينما الحديثة؛ إذ تأثر به مصمّمو الأفلام مثل «صوفيا كوبولا» وفنانين عالميين؛ ليظل اسمها رمزًا للأناقة والفخامة والإبداع على مدى قرون.
كما سيلقى المعرض نظرة فاحصة على إرث «مارى أنطوانيت» الدائم والأثر الثقافى لأسلوبها، مستكشفًا سبب استمرار إعجاب المصمّمين اليوم بمظهرها الفريد من نوعه؛ إذ ستُعرض قطع أزياء معاصرة لمصمّمين مثل «شانيل، وديور، وفيفيان ويستوود، وفالنتينو، وموسكينو» فى أرجاء المعرض، إلى جانب أزياء صُمّمت خصيصًا للسينما. ربما تكون أشهَر هذه القطع هى تلك التى صُمّمت لفيلم «صوفيا كوبولا» الحائز على جائزة الأوسكار من بطولة «كيرستن دانست». سيتمكن الزوار من مشاهدة الفساتين الفاخرة من الفيلم، إلى جانب الأحذية التى صمّمها «مانولو بلانيك» خصيصًا للمشروع.
وتعليقًا على الحدث، قالت سارة غرانت، أمينة معرض «أسلوب مارى أنطوانيت»: «كانت مارى أنطوانيت أكثر المَلكات أناقة وإثارة للجدل فى التاريخ، ويستحضر اسمها صورًا للإسراف والجمال فى آن واحد. لقد كان للأرشيدوقة النمساوية التى أصبحت مَلكة فرنسا تأثير هائل على الذوق والموضة الأوروبية فى عصرها؛ إذ ابتكرت أسلوبًا مميزًا أصبح له جاذبية وتطبيق عالميان. ويستكشف هذا المعرض ذلك الأسلوب والشخصية المحورية فيه، من خلال مجموعة من القطع الرائعة التى تعود لمارى أنطوانيت، إلى جانب أجمل القطع الفنية والزخرفية التى ألهمها إرثها. إن الجمع النادر بين البهاء والعرض والمأساة الذى تمثله لا يزال ساحرًا اليوم كما كان فى القرن الثامن عشر».