روزاليوسف تسأل والخبراء يجيبون:
لمـــاذا تفشـل برامج تطوير التعليم على عتبة المعلم

نرمين ميلاد
تتغير أنظمة التعليم مع كل تغيير وزارى؛ وبخاصة فى الثانوية العامة، وقبل أن تُهضم المنظومة الجديدة نجد تغييرًا جديدًا، ويقف المعلم حائرًا ويعمل فى أحيان كثيرة كحائط صد ضد أى تغيير أو تطوير لا يفهمه، ولا نستطيع أن نلقى باللوم عليه لأنه بحسب خبراء ومختصصين يواجه ما يعوقه عن مواكبة التطورات والأنظمة الجديدة.
معوقات التغيير
فى هذا السياق يوضح سيد الحصرى، كبير معلمى اللغة العربية بإدارة الوايلى، أن المعلم هو حجر الأساس، وفى يده نجاح المنظومة أو فشلها لأنه من يقوم بالتطبيق، فأحيانًا النظام الجديد يكون غير واضح، والتدريب من خلال فيديو كونفرانس قد لا يأتى بثماره، حيث نواجه مشكلات فى الصوت مثلا، أو بعض المشكلات التقنية الأخرى، وأيضًا عند التدريب نجد مدربين غير مؤهلين لتوصيل المعلومة بشكل جيد، كما أن بعض المعلمين لا يرغبون فى التغيير، إما تخوفًا من الجديد، أو لأنهم على قناعة أن النظام القديم أفضل، لذلك فإنه من الأفضل قبل تطبيق أى نظام دراسته باستفاضة وأن يكون للمعلم دراسة توضيحية تقنعه بجدوى التغيير.
وأضاف: إن معظم التدريبات تكون أثناء العام الدراسى أو قبله بفترة قليلة، فلا يأخذ المعلم الفترة الكافية للتدريب، كما أن معظم التدريبات والتغييرات لا يؤخذ فيها رأى المعلم، رغم أن وزير التربية والتعليم قام فى الفترة الأخيرة بعمل لقاءات موسعة مع مديرى المدارس ومديرى الإدارة والمعلمين، وقد يؤتى ذلك بثماره فى المستقبل؛ لأن الحوار مع المعلم مهم للاقتناع بالنظام الجديد، وبالتالى تقديمه بشكل جيد.
تكدس الفصول والأجهزة الذكية
وأكد الحصرى، أن المعلم المصرى يثبت جدارته عند العمل بالخارج، لكن العوائق التى تقابله هنا تؤثر على كفاءته، ومنها ضعف الراتب، وعلى سبيل المثال فإن الرواتب لم تشهد زيادة منذ عام 2014، فى حين يجرى حساب الخصومات على أساس العام الحالى 2025، وهو ما يؤثر على نفسية المعلم ويصيبه بالإحباط، العامل النفسى فى عمل المعلم مهم جدًا، حتى يقبل على التدريبات بحماس.
وأضاف: إن بعض المدارس فى المرحلة الثانوية، موجود بها «السبورات» الذكية، ومهيأة تمامًا لدخول التابلت، وليس لديهم كتب، والبديل هو استدعاء المعلومة من دائرة المعارف فى وزارة التربية والتعليم، لكن الكارثة فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية؛ لأن بعض الفصول بها تكدس شديد، رغم أن الوزير نبّه فى العام الماضى بعدم وجود أكثر من 50 طالبًا بالفصل ونجحت الوزارة فى ذلك، كما أن هناك اتجاهًا لإلغاء الفترة المسائية، ولكن لا يزال هناك تكدس فى بعض المدارس، وأيضًا عدم توافر فى الأجهزة الذكية والوسائل التقنية التى تساعد على التطوير.
تهيئة المدارس
وشدّد «الحصرى» على ضرورة وجود المعلم بالفصل فى المراحل الابتدائية، والتعامل مع الطالب مباشرة وجهًا لوجه.. موضحًا أن بعض الدول المتقدمة مثل السويد، قامت بإلغاء التقنيات التكنولوجية فى الفصول الابتدائية بحيث يكون التعامل مع المعلم مباشرة ومن خلال الكراسات والأقلام.
بداية التطوير ونهايته
يؤكد الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوى وأستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، أن المعلمين هم الواقفون على خطوط الإنتاج البشرى، والمعلم هو القادر على صناعة التطوير، فالتطوير يجب أن يبدأ من المعلم وينتهى إليه؛ لأنه يحوِّل المناهج من كلام نظرى إلى واقع، ويجب أن يواكب تطوير المناهج تدريب المعلمين، وتبصيرهم بكيفية تحقيق أهداف التطوير وآلياته ووسائطه، وكيف يتحول إلى نواتج حقيقية.
وأضاف: إن وزارة التربية والتعليم على علم تام بأهمية ودور المعلم فى التطوير، وعليه تم استخدام الفيديو كونفرنس، وأكاديمية المعلمين فى مدينة أكتوبر، والتدريب عن بُعد، وتمت متابعة المناهج الجديدة من قبل المعلمين، ولأول مرة اشترك معلمون فى تأليف الكتب المدرسية ومراجعتها مع خبراء التطوير، ولأول مرة أيضًا يجلس وزير التعليم مع المؤلفين والمراجعين والمعلمين وينحاز لآراء المعلمين، باعتبارهم نبض الشارع التربوى، والقادرون على ترجمة المناهج إلى واقع عملى.. نعم هناك عجز فى بعض تخصصات المعلمين، وقد تمت الاستعانة بالمعلمين الذى بلغوا السن القانونية بالاستمرار فى التدريس، وكذلك الاستعانة بمعلمى الحصة المتخرجين فى كليات التربية، وللإنصاف نحن نحتاج إلى دعم سريع من أهل الخير ورجال الأعمال لتزويد المدارس بالمعلمين على نفقتهم الخاصة.
وقال «شحاتة»: إن وزارة التربية والتعليم، طورت المناهج الدراسية بالفعل من رياض الأطفال حتى الصف الثانى الإعدادى بتوجهات عالمية وبأيادٍ مصرية، وبمشاركة فاعلة من أساتذة كليات التربية من ذوى الخبرات الدولية والمحلية، وفى ضوء معايير قومية بنكهة عالمية.
حبر على ورق
ومن جانبه يقول د.مجدى حمزة، الخبير التربوى: إن المعلم لا يقيم ويطور ذاته بنفسه، ونادرًا ما تجد معلمًا يطور أدواته التكنولوجية ليواكب العصر، وتعد الدورات التدريبية التى تنظمها الوزارة حبرًا على ورق؛ لأنه لا يحدث تقييم لمدى استيعاب المعلم للأدوات التكنولوجية الجديدة بعد كل دورة، كما أن دخل المعلم منخفض جدًا، وإذا فرضنا اعتماده على الدروس فإن معظم أباطرة الدروس الخصوصية فى السناتر لا يعملون فى مدارس.
وأضاف «حمزة»: إن التابلت تحوّل مع الوقت لوسيلة للغش، وليس وسيلة تعليمية، وبالتالى فشل مضمون التكنولوجيا، ونظرًا لتوغل وتفشى الدروس الخصوصية، تراجع اهتمام المعلم بالتطوير التكنولوجى فى المدارس. وأصبح هناك تعليم موازٍ فى مصر، ساعد فى فشل دور المدرس التربوى والتعليمى، وبالتالى فشل المدرس فى توصيل رسالته.
التعليم المباشر
وتابع «حمزة»: التكنولوجيا وسيلة من وسائل التعليم، وهناك دول مثل اليابان وماليزيا عادت إلى التعليم المباشر فى الفصل؛ لأنه أفضل وسيلة تعليمية للطلاب، والدليل أن التعليم أونلاين لا يعطى نتائج جيدة مثل التعليم التقليدى، فالمدرس دوره أساسى مع استخدام التكنولوجيا كوسيلة، وأيضًا لدينا إشكالية كبيرة فى مصر وهى أن الطلبة لا تذهب للمدارس، وأنا أعلم أن بعض الطلبة لها 3 سنوات لا تذهب للمدرسة أصلًا.
اختبارات نفسية
وأكد «حمزة»، على ضرورة مشاركة الطلاب وأولياء الأمور وبعض المهتمين بالشأن التعليمى والخبراء وأساتذة الجامعات بكليات التربية؛ لتخطيط ووضع منظومة تعليم ملائمة وتطوير العملية التعليمية، ونقابة المعلمين ليس لها دور، رغم أنها تعد فى رأيى حَجَر عثرة أمام تطور المعلمين، فهى لا تطالب بحقوقهم ولا تدافع عنهم، وأخيرًا حتى تنجح المنظومة لا بُدّ من تطوير المناهج بما يتناسب مع قدرات المعلم وإشراك المعلمين فى وضع المناهج وعمل دورات تدريبية مكثفة لهم طوال العام، على أن تكون الدورة الأولى مجانًا، وإذا لم يجتازها المتدرب بنجاح يدفع ثمن الدورة الثانية، لكن ذلك مرتبط بتقدير المعلم ماديًا، مع إجراء اختبار نفسى له كل فترة؛ لمعرفة مدى قدرته على التدريس وعلى التطوير والإبداع، ولا بُدّ أيضًا من تدريس علم نفس تربوى للمدرسين، وليس لطلبة الكليات فقط.