«طاقة الصين».. هل تستطيع «بكين» التخلى عن الوقود الأحفورى؟

سمر العربى
الصين من أكبر الدول تحقيقًا للنمو الاقتصادى فى العالم؛ تعتبر أكبر مستهلك للطاقة فى العالم، يمثل استهلاكها ما يقدر بربع إجمالى الاستهلاك العالمى، يعود هذا الارتفاع الكبير إلى النمو الاقتصادى السريع والتوسع الصناعى الهائل الذى شهدته الصين على مدار العقود الماضية.
لا تزال الصين تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفورى، على الرغم من التوجه العالمى نحو مصادر الطاقة المتجددة، يشكل الفحم المصدر الرئيسى للطاقة فى البلاد، يليه النفط والغاز الطبيعى، تُستخدم هذه المصادر لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع وتزويد قطاع النقل بالوقود.
كتاب طاقة الصين الموارد والتحديات والمستقبل للكاتب الصينى «لى مينغ فو»؛ ترجمة دكتور يحيى مختار؛ الصادر عن دار نشر بيت الحكمة، يوضح لنا كيف أن دولة الصين بدأت تبحث عن بدائل لتأمين أمن الطاقة الخاصة بها؛ كما يتناول الكتاب بالتحليل العديد من المحاور منها تخطيط الطاقة؛ التنمية المستدامة؛ الابتكار فى الطاقة ودفع التنمية الخضراء والطاقة المتجددة ،حلم الصين فى أن تغدو دولة قوية فى مجال الطاقة وكيف يسعى الصينيون وراء تحقيق هذا الحلم.
بدأ الكاتب مقدمة كتابه بتوضيح؛ أنه لا ينفصل تطور المجتمع البشرى عن الطاقة؛ فهى المحرك الرئيسى لتقدم المجتمعات وقد أسهم استخدام تكنولوجيا الطاقة الحرارية فى بدء الحضارة الإنسانية؛ ذلك عبر استخدام المحركات البخارية فى نقل البشرية لعصر صناعة الفحم؛ كما غدا انتشار محركات الاحتراق الداخلى من النفط؛ بمثابة الدماء بالنسبة للصناعة واليوم يمر هيكل الطاقة العالمى بعصر من التحول المستمر.
استعرض الكاتب فى الباب الثانى للكتاب؛ الخصائص الجغرافية لمواد الطاقة فى الصين؛ يعد توزيع موارد الطاقة فى الصين متفاوتة للغاية؛ يتجلى ذلك بشكل عام فى كون الموارد وفيرة فى الغرب شحيحة فى الشرق ووفيرة فى الشمال وشحيحة فى الجنوب؛ يمثل إجمالى موارد الفحم 87% فى الشمال ؛52% فى الغرب، تمثل الاحتياطيات القابلة للاستخراج فى شمال وشمال شرق الصين 50% ؛ الشمال الغربى 32%؛ يبلغ إجمالى موارد الغاز الطبيعى البرية فى الشمال الغربى 43%؛ فى شمال وشمال شرق الصين 12%. قدم الكاتب شرحًا وافيًا عن أهم مصادر الطاقة فى الصين وكان أهمها:
الفحم
تتوزع موارد الفحم فى الصين على مساحة 600 ألف كيلو متر مربع؛ يبلغ احتياطى موارد الفحم المكتشفة 1.598 مليار طن خلال 2016؛ يبلغ احتياطى الموارد المكتشفة حاليا 60.68 مليار طن.
النفط
بلغت الاحتياطيات الجيولوجية الجديدة المؤكدة من النفط فى الصين 914 مليون طن؛ بلغت الاحتياطيات الجيولوجية التراكمية 38.102 مليار طن، أما عن أهم حقول النفط الصينى؛ فهناك حقل داتشينج النفطى؛ حقل شنغلى؛ حقل لياوخة؛ حقل كاراماى؛ حقل تشانجتشينغ وحقل نفط شمال الصين.
الغاز الطبيعى
الغاز الطبيعى يتم استخدامه بقوة فى الصين؛ زادت نسبة إنتاجه واستهلاكه؛ يبلغ إنتاج الغاز الطبيعى ما يقدر بـ10 مليارات متر مكعب ليصل إلى 148 مليار متر مكعب بزيادة سنوية قدرها 8.2% ؛ بينما بلغ إنتاج الغاز الطبيعى التقليدى 133.87 مليار متر مكعب؛ أما عن المناطق الأربع الرئيسية لإنتاج الغاز الطبيعى فهى «أوردوس، حوض سيتشوان، حوض تاريم والمنطقة البحرية».
أكد الكاتب، على أن الصين أكبر مستهلك للطاقة فى العالم وأهم مصدر لنمو الطاقة العالمية؛ مع تطور الاقتصاد الصينى قل اعتماد الصين على الفحم بشكل تدريجى، كما زادت نسبة الطاقة النظيفة تدريجيًا، مع ذلك لايزال اعتماد الصين على الطاقة الأحفورية مثل النفط والغاز الطبيعى كبيرًا للغاية.
يرى الكاتب أنه يجب على الصين البدء فى تخطيط خطوط أنابيب النفط والغاز؛ للربط مع آسيا الوسطى؛ روسيا؛ جنوب آسيا وصولا إلى بناء خطوط غاز فى الخارج، تقوم الصين حاليا بتوزيع آمن للطاقة على سلال مختلفة لضمان الأمن القومى ولا يمكن فصل مبادرة الحزام والطريق التى طرحتها الصين مؤخرا.
الباب الثالث من الكتاب يتحدث عن أمن الطاقة ورحلة الصين على طول الطريق، الباب الرابع يتحدث عن الابتكار فى مجال الطاقة؛ كيفية دفع التنمية الخضراء، الباب الخامس الطاقة والبيئة، هل الفحم هو الخطيئة الأصلية، الباب السادس عن التعاون الدولى فى مجال الطاقة؛ كيف تنطلق طاقة الصين نحو الخارج، الباب السابع عن استخدام الطاقة؛ كيفية تعزيز ثورة استهلاك الطاقة فى الصين، الباب الثامن يتحدث عن دولة قوية فى الطاقة؛ لماذا تحتل الصين المرتبة الأولى عالميًا فى مجال الطاقة الكهربائية.
لفت نظرى ككاتبة متخصصة فى شئون البترول والطاقة؛ تركيز الكاتب على الشبكات الذكية وإنترنت الطاقة العالمى، فإنترنت الطاقة العالمية حسب ما شرحه الكاتب الصينى «لى مينغ فو» هو إنترنت الأشياء الذى يدمج نقل الطاقة؛ تخصيص الموارد ومعاملات السوق والتفاعل المعلوماتى والخدمات الذكية، وهو نظام عملاق يتم بناؤه بشكل مشترك ومترابط ومفتوح؛ منصة سلمية تخلق قيمًا اقتصادية واجتماعية شاملة ضخمة.
تعد شبكة الكهرباء ذات الجهد الفائق؛ هى المفتاح والشبكة الذكية؛ الأساس والطاقة النظيفة، هى المركز ويمكن لإنترنت الطاقة العالمى ربط شبكات الكهرباء عبر القارات ذات الاختلافات فى المناطق الزمنية والموسمية.
ويعتمد المفهوم الاستراتيجى الصينى لإنترنت الطاقة العالمى؛ على الممارسات الناجحة لمؤسسة الشبكة الحكومية الصينية فى مجال التكنولوجيا؛ الجهد الفائق باعتباره علامة وطنية يرمز إلى مفهوم صنع فى الصين.
أعطى كتاب «طاقة الصين» للكاتب الصينى «لى مينج فو» نظرة متعمقة على تطورات الطاقة فى المشهد الصينى ورحلتها الشيقة فى مجال الابتكار، كيف نجحت الصين فى استغلال حاجتها لموارد الطاقة فى بناء علاقاتها الجيوسياسية مع جيرانها.