بين إنتاج سيناريو ليبيا.. والسير فى طريق التقسيم
فتنـة الحكومـة الموازية فى السودان

آلاء البدرى
يقف السودان الآن فى مفترق طرق؛ رغم التعافى الملحوظ الذى بدا واضحًا فى الفترة الأخيرة بالمناطق التى استعادتها القوات المسلحة السودانية، لكن تبعات التوترات السياسية باتت أكثر حدة وعمقًا؛ حتى أن الانقسام الدستورى والسياسى بين الخرطوم ونيالا وبين دقلو والبرهان، أصبح أكبر من مجرد خلاف على السلطة، بل صراع على الدولة نفسها مركزية أم كونفيدرالية؟ مستقرة أم هشة ؟ موحدة أم مجزأة؟
الشرق الأوسط الجديد
ما يحدث فى السودان، يعد نموذجًا مصغرًا لتطبيقات مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ حيث تتفكك السلطة وتتصاعد النزاعات، تعاد صياغة الشرعية من خارج المؤسسات الرسمية على أيدى الميليشيات الإرهابية المسلحة ووجود حميدتى فى مناطق حدودية؛ تلميحات عن علاقات إقليمية غير معلنة يعزز فكرة أن هناك دعمًا غير مباشر لإعادة تشكيل السودان بما يخدم مصالح خارجية والواقع أنها إعادة إنتاج لسيناريو ليبيا الذى تتصارع فيه حكومتان على السلطة.
فى الحقيقة، كل خطوة يخطوها حميدتي؛ لم تكن أبدًا ولا فى أى مرحلة رؤية سياسية بديلة، بل هى خطوة فى مشروع تفكيك فعلى للسودان؛ يتقاطع مع أهداف هندسة إقليمية تحول خلالها السودان إلى ساحة اختبار جديدة؛ لمشروع قديم يتجدد بأدوات محلية وشرعيات موازية وتحالفات عابرة للحدود.
تفتيت السودان
برز محمد حمدان دقلو مجددًا كلاعب رئيسى فى المشهد السوداني؛ لكن هذه المرة من بوابة حكومة موازية؛ أثارت جدلًا واسعًا، تحالف السودان التأسيسي؛ ينظر إليه من قبل مراقبين على أنه خطوة نحو تقويض السلطة المركزية، تعزيز فكرة الحكم الكونفيدرالى؛ الذى ينص عليه دستور التحالف الجديد، يقسم السودان فعليًا إلى 8 أقاليم شبه مستقلة؛ هذا التوجه وإن حمل شعارات مثل السلام والوحدة، يثير مخاوف من تفتيت السودان فعليًا؛ خاصة فى ظل سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من دارفور وكردفان؛ وسط تراجع نفوذ الحكومة المركزية فى تلك المناطق بعد معارك طاحنة؛ كما أن أداء اليمين فى مدينة نيالا، بعيدًا عن العاصمة الخرطوم؛ أمام رئيس قضاء موازٍ وبحضور قادة قبليين وسياسيين؛ يعد بمثابة إعلان انفصالى غير صريح وتأسيس لشرعية بديلة تتحدى الحكومة المعترف بها إقليميًا ودوليًا
خطاب حميدتى
ألقى «حمدتي» خطابه من مدينة نيالا؛ فى جنوب دارفور، ما يمثل خطوة رمزية تعكس القطيعة مع السلطة المركزية، تأكيدًا على شرعية موازية؛ تنطلق من مناطق نفوذ قوات الدعم السريع.
وطرح «حمدتي» رؤية لدولة سودانية جديدة؛ تقوم على نظام فيدرالى شامل مع تقسيم البلاد إلى أقاليم مستقلة إداريًا؛ دولة مدنية علمانية ديمقراطية تفصل الدين عن الدولة، تضمن الحريات مع إلغاء الوثيقة الدستورية لعام 2019، واستبدالها بـدستور انتقالى جديد.
بدأ الخطاب كأنه إعادة هندسة للدولة السودانية لا مجرد إصلاحها، ما يثير مخاوف من تفتيت السودان سياسيًا وجغرافيًا، لكن حمل الخطاب فى مضمونه نبرة تصعيدية ومضامين عسكرية تكاد تصل إلى كونها تهديدًا غير مباشر وإرهاب مبطن؛ حيث خاطب حميدتى قواته بلغة تعبئة واضحة متعهدًا بـالعودة بعزة وكرامة رغم اعترافه بخسائر ميدانية كبيرة، ما اعتبره المحللون السياسيون محاولة لاستقطاب مقاتلين جدد وتعزيز الروح القتالية فى صفوف ميليشيا الدعم السريع الإرهابية.
فيما يمثل ظهوره وسط حشد مسلح وتجمع كبير من المقاتلين؛ مشهدًا وصفه الخبراء بأنه استعراضى، يهدف إلى بث الرعب فى خصومه السياسيين والعسكريين، كما أن الخطاب افتقر إلى رؤية واضحة للعلاقات الخارجية، لم يتطرق إلى كيفية إقناع المجتمع الدولى بشرعية الحكومة الجديدة أو التعامل مع المؤسسات الأممية.
السيناريوهات المستقبلية
فى ظل الانقسام بين الحكومة المركزية فى الخرطوم وحكومة السلام والوحدة التى أعلنها محمد حمدان دقلو؛ نجد مستقبل السودان ينحصر بين أربعة سيناريوهات محتملة كالتالى :
السيناريو الأول
توحيد السودان وتسوية سياسية؛ من خلال نجاح جهود الوساطة الإقليمية والدولية، فى إعادة الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار، من خلال التوصل إلى اتفاق شامل يعيد هيكلة السلطة، يضمن تمثيلًا متوازنًا بين الجيش وميليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة؛ مع تعديل الوثيقة الدستورية لتشمل ترتيبات جديدة للحكم اللامركزى تدمج قوات الدعم السريع فى جيش وطنى موحد، تجرى انتخابات عامة تحت إشراف دولى، فرص نجاح هذا السيناريو، تعتمد بشكل أساسى على ضغط دولى قوى وتنازلات متبادلة.
السيناريو الثاني
يتمحور حول استمرار الانقسام السياسى والعسكري؛ حيث ستستمر حكومة حميدتى فى ترسيخ مؤسساتها فى المناطق التى تسيطر عليها؛ بينما تحافظ الحكومة المركزية على نفوذها فى العاصمة وبعض الولايات، يظهر هذا السيناريو نموذج دولتين داخل السودان واحدة فى الخرطوم وأخرى فى دارفور وكردفان، تتعامل بعض الدول والمنظمات مع الطرفين بشكل منفصل؛ مما قد يؤدى إلى المزيد من الأزمات الإنسانية التى يدفع ثمنها المواطن السودانى وهو مشهد يعيد إنتاج مشهد ليبيا فى السودان.
هذا بجانب تعطيل جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، بسبب الانقسام الإداري؛ بالإضافة إلى مخاطر تفكك الدولة وانهيار الخدمات وتصاعد النزاعات المحلية.
السيناريو الثالث
الحالة الأسوأ على الإطلاق؛ يحدث تفكك السودان إلى كيانات مستقلة؛ إذا استمر الانقسام وتوسع الدعم الإقليمى لحكومة حميدتى، فقد تتجه بعض الأقاليم إلى إعلان استقلال فعلي؛ خاصة فى ظل وجود حركات انفصالية تاريخية، مما يعيد رسم خريطة السودان سياسيًا وجغرافيًا للمرة الثانية فى التاريخ الحديث، مع ظهور كيانات جديدة ذات حكم ذاتى أو استقلال كامل؛ يؤدى لدخول البلاد فى دوامة من النزاعات الحدودية والعرقية التى لا نهاية.
السيناريو الرابع
الحسم العسكرى الكامل من طرف الجيش السودانى؛ هو الذى تسعى إليه السودان حكومة وشعبًا لفرض واقع سياسى جديد وترتيبات أمنية صارمة.