اغتيال تشارلى كيرك يثير صدمة فى المشهد السياسى الأمريكى
«تشارلى كيرك».. من نجم اليمين المتطرف إلى قنبلة موقوتة تهدد الشارع الأمريكى

داليا طه
فى المشهد السياسى الأمريكى الملىء بالتقلبات والجدل، برز اسم تشارلى كيرك كواحد من أكثر الوجوه إثارة للجدل، لم يكن مجرد ناشط شاب أو معلق سياسى، بل أصبح رمزًا صاعدًا لليمين المتطرف، وصوتًا مقربًا من الرئيس السابق دونالد ترامب، بل وحتى من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
كيرك لم يكن فقط متحدثًا باسم تيار، بل كان نجمًا جماهيريًا له حضور واسع بين أنصاره، يجمع الآلاف فى مؤتمراته، ويتابعه الملايين عبر منصاته الرقمية.. لكن رحلة الصعود السريع انتهت فجأة، وبصورة درامية، بعدما دوى صوت رصاصة حوّلته من «نجم سياسى» إلى «خبر عاجل» على شاشات العالم.
أشعل إعلان مقتل تشارلى كيرك الناشط الأمريكى المحافظ الموالى للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بطلق نارى أصابه فى رقبته خلال فعالية فى ولاية يوتاه، الأمر الذى أشعل ضجة واسعة تصدرت أبرز عناوين وسائل الإعلام حول العالم، وفيما يلى نبذة سريعة عنه:
تشارلى كيرك، هو مؤسس منظمة «نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية» المحافظة الموجهة للشباب، هو صوت مؤثر فى عالم حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا».
وبرز كيرك خلال الحملة الرئاسية الأولى للرئيس دونالد ترامب كصوتٍ مُحددٍ للحركة المحافظة الشابة الناشئة، منذ تأسيسها عام 2012، تقول «نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية» إنها أصبحت «أكبر وأسرع منظمة ناشطة شبابية محافظة نموًا فى البلاد».
ويظهر كيرك بانتظام على القنوات التليفزيونية، بما فى ذلك قناة فوكس نيوز، ليشارك آرائه حول قضايا مختلفة، بما فى ذلك ملفات إبستين، وإدارة ترامب، وحرية التعبير، وهو أيضًا الرئيس التنفيذى لمنظمة «نقطة تحول»، وهى فرع من منظمة «نقطة تحول الولايات المتحدة الأمريكية»، والتى تعمل فى مجال المناصرة السياسية.
كيرك كذلك مُقدم برنامج البودكاست الشهير «عرض تشارلى كيرك»، ومؤلف ثلاثة كتب، منها «عقيدة لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا: الأفكار الوحيدة التى ستفوز بالمستقبل».
صوت اليمين المتطرف
وُلد كيرك فى مناخ سياسى مشحون، وتمكن بذكاء إعلامى لافت من استغلال حالة الاستقطاب فى المجتمع الأمريكى، أسس حركته السياسية الخاصة، وجعل من نفسه متحدثًا باسم جيل جديد من اليمين، الذى يرى أن أمريكا «تضيع» بسبب الهجرة، والتعددية الثقافية، وحقوق الأقليات.
كان صوته عاليًا ضد المسلمين تحديدًا، فى خطاباته ومؤتمراته، كان يصفهم بـ”المتطرفين” الذين يجب التصدى لهم، وكان يروج لفكرة أن إسرائيل تقوم «بحرب مقدسة» ضد ما وصفهم بـ«الحيوانات والوحوش» فى غزة، هذه اللغة العنيفة لم تمر مرور الكرام، لكنها صنعت له قاعدة مؤيدين ضخمة من التيارات الأكثر تشددًا فى المجتمع الأمريكى.
السلاح كـ«حق مقدس»
من بين أكثر مواقفه المثيرة للجدل دفاعه المستميت عن حرية امتلاك السلاح، بالنسبة له، لم يكن مجرد بند فى الدستور الأمريكى، بل «حق مقدس» لا يمكن المساس به، فى أحد مؤتمراته الأخيرة، وأمام آلاف من الحضور، تم توجيه سؤال له:
«هل تعرف كم عدد جرائم إطلاق النار الجماعى فى أمريكا مؤخرًا»؟
رد كيرك بطريقة أثارت الغضب أكثر مما أوضحت: «بما فيهم عنف العصابات ولا لأ؟!»
كان جوابه إشارة واضحة إلى تبريراته المستمرة، وتغاضيه عن أزمة العنف المسلح التى تحصد أرواح الأمريكيين يوميًا.
طموح سياسى غير مسبوق
كيرك لم يكن مجرد معلق أو ناشط؛ بل كان مرشحًا محتملًا لمناصب عليا، ترددت أنباء قوية عن إمكانية ترشحه لمنصب نائب الرئيس بجانب المرشح الجمهورى جاى دى فانس فى الانتخابات المقبلة، لو تحقق ذلك، لكان أصغر من يشغل هذا المنصب فى تاريخ أمريكا. لكن طموحه السياسى لم يتوقف عند ذلك، فقد كان صريحًا فى دعواته لتغيير طبيعة النظام الأمريكى نفسه.
دعا علنًا لإلغاء قوانين الحريات والمساواة، قائلًا إن الولايات المتحدة يجب أن تكون دولة «للبيض المسيحيين اليمينيين فقط»، هذه الأفكار وضعت اسمه فى صدارة قوائم «المتطرفين الجدد»، لكنها أيضًا زادت من شعبيته بين فئات واسعة من اليمين.
غزة.. والموقف الأخطر
أخطر ما ارتبط باسم كيرك كان مواقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة، لم يكتفِ بتبرير الهجمات، بل كان من أبرز من وصف قتل المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، بأنه «حق مشروع». بالنسبة له، ما يحدث لم يكن جريمة بل «ضرورة لحماية العالم من الإرهاب».
هذا الخطاب العنيف، الممزوج بنبرة استعلائية، جعله عدوًا مباشرًا لملايين من المتابعين حول العالم، وخلق حالة غضب مستمر تجاهه.
وقبل أيام قليلة من اغتياله، أطلق كيرك عبارة صادمة أصبحت بمثابة نبوءة سوداء. قال:«لو عايزين أمريكا تبقى عظيمة، يبقى لازم يموت بعض الناس.. وده ثمن بسيط فى سبيل عودة العظمة».
الجملة انتشرت بشكل واسع على شبكات التواصل، وانتقدها كثيرون باعتبارها تحريضًا مباشرًا على العنف، لكن المفارقة المأساوية أن كيرك نفسه أصبح بعد أيام قليلة واحدًا من هؤلاء “البعض” الذين تحدث عنهم.
ومع ذلك، وفى خضم الصدمة التى أثارها اغتيال تشارلى كيرك، بدأت تتردد أحاديث غامضة بين بعض المقربين منه، هذه الأحاديث – التى لا يمكن التأكد من صحتها حتى الآن – تزعم أن كيرك كان مؤخرًا يعيد التفكير فى مواقفه من إسرائيل.
الرصاصة التى أنهت الصعود
فى مشهد لن يُمحى من ذاكرة السياسة الأمريكية، كان كيرك يجلس على كرسيه فى أحد المؤتمرات الحاشدة، يتحدث أمام الآلاف، بينما تنقل القنوات التليفزيونية وقائع المؤتمر مباشرة. فجأة، دوى صوت رصاصة واحدة.
اخترقت الرصاصة رقبته، لتتفجر دماؤه أمام أنظار الحاضرين وعدسات الكاميرات، سقط مضرجًا بدمائه، وسط صرخات أنصاره وذهول المشاهدين حول العالم.
من القاتل؟
فى الدقائق الأولى، أعلنت وسائل الإعلام أن الفاعل رجل مسن، ضابط سابق فى الجيش الأمريكى، محترف فى القنص، وُصف بأنه مؤيد للقضية الفلسطينية، لكن بعد وقت قصير، تغيرت الرواية، تقارير أخرى أشارت إلى أن هذا الرجل لم يكن القاتل الحقيقى، وأن مطلق الرصاصة نجح فى الهرب، تاركًا وراءه عشرات التساؤلات.
زاد الغموض أكثر حين خرج ترامب بنفسه مطالبًا بـ«إعدام القاتل فورًا»، دون محاكمة أو عفو، وهو ما أعطى الانطباع بأن القضية قد تتحول إلى ورقة سياسية ساخنة فى الحملة الانتخابية المقبلة.
وأطلقت الشرطة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI» عملية بحث موسعة عن قنّاص مجهول الهوية، أطلق النار على الناشط اليمينى «تشارلى كيرك» أثناء كلمته فى جامعة «يوتا فالى» ما أدى إلى مقتله على الفور أمام حشد يضم أكثر من 3000 شخص.
ووثقت الكاميرات اللحظات التى سبقت الحادث المأساوى، حيث ظهر شخص يرتدى ملابس سوداء مستلقيًا على سطح مبنى مقابل للمنصة.
وقُتل «كيرك» برصاصة واحدة أصابت رقبته، وشوهد المشتبه به وهو ينهض ويجرى عبر السطح قبل أن يختفى وسط الفوضى التى أعقبت إطلاق النار.
وكشفت التحقيقات الأولية عن ثغرات أمنية كبيرة فى فعالية «تشارلى كيرك» التى كانت تستقطب اهتمامًا جماهيريًا واسعًا وشخصيات معروفة.
وأفاد شهود عيان بأنهم لم يخضعوا لأى تفتيش أمنى، ولم يتم التحقق من تذاكر الدخول، بينما لم يتواجد سوى ستة ضباط شرطة فى محيط الحدث بأكمله.
وألقت الشرطة القبض على رجل مسن يدعى «جورج زين» بعد الحادث مباشرة، لكنه أُطلق سراحه لاحقًا بعد التأكد من عدم ضلوعه فى إطلاق النار، وأفاد شهود بأنه «ادّعى» مسئوليته فى لحظة ارتباك، لكن لم يكن بحوزته أى سلاح.
لاحقًا، تم احتجاز شخص آخر وصف بأنه «موضع اهتمام» لكن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى «كاش باتيل» أكد إطلاق سراحه هو الآخر بعد الاستجواب.
وقال باتيل فى بيان نشره عبر منصة إكس: «تم إطلاق سراح الشخص المحتجز، التحقيق مستمر، وسنواصل إصدار المعلومات حرصًا على الشفافية».
صدمة تفجر الشارع الأمريكى
اغتيال كيرك لم يكن مجرد حادث فردى، محللون يرون أنه قد يشعل شرارة اضطرابات واسعة فى الداخل الأمريكى، المجتمع هناك يعيش أصلًا حالة استقطاب حادة بين اليمين المتطرف والتيارات الليبرالية واليسارية.
مقتل شخصية مثل كيرك، بهذه الطريقة الدرامية، قد يتحول إلى وقود لصدام مدنى واسع، وربما إلى مواجهة مفتوحة بين المعسكرات السياسية.
وجاءت ردود الفعل سريعًا وعلى أعلى المستويات، فقد نعى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كيرك على منصة «Truth Social» ووصفه بـ «فقيد الحقيقة والحرية»، واتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خطاب «اليسار الراديكالى»، بالمساهمة فى اغتيال حليفه الوثيق المؤثر اليمينى تشارلى كيرك، معتبرًا إياه «شهيد الحقيقة والحرية».
بينما طالب الرئيس الأسبق باراك أوباما، بتنكيس الأعلام، مشيرًا إلى أن «الوحش الذى هاجمه كان يهاجم بلادنا بأكملها».
هكذا انتهت مسيرة تشارلى كيرك، كما بدأت: مثيرة للجدل، وصاخبة، ومشحونة بالغضب والانقسام، لم يكن مجرد ناشط سياسى، بل كان تجسيدًا لتيار كامل يرى فى الصدام والعنف طريقًا لاستعادة «العظمة الأمريكية».
لكن رصاصة واحدة، ثمنها أقل من دولار، حولت هذا الصوت العالى إلى صمت أبدى، وتركت وراءه أسئلة مفتوحة: هل سيصبح موته بداية مرحلة جديدة من الفوضى؟ أم أنه سيكون إنذارًا قاسيًا يعيد حسابات الأمريكيين قبل أن ينزلقوا أكثر نحو حافة الهاوية.