الخميس 20 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

المطلوب من قمة الدوحة

تتجه أنظار العالم هذا الأسبوع إلى العاصمة القطرية؛ حيث تنعقد القمة العربية الإسلامية، بعد أيام من العدوان الإسرائيلى على الدوحة، ومحاولة استهداف قيادات من حركة حماس. 



ما حدث لم يكن مجرد عدوان عسكرى على عاصمة عربية؛ بل رسالة خطيرة مفادها أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة مستعدة لتوسيع دائرة الصراع لتشمل كل مَن يدافع عن غزة، من هنا تصبح القمة وتوقيت انعقادها، محطة ضرورية ومهمة، ليس لإعادة تقدير الموقف؛ وإنما فى البحث عن مسارات وسُبُل الحد من الغطرسة الإسرائيلية فى المنطقة. 

وبالتأكيد، أول ما يُنتظر من هذه القمة هو إدانة صريحة وقوية للعدوان على قطر، فاستهداف دولة عربية لأنها تحتضن مسارًا تفاوضيًا يضع الجميع أمام اختبار الإرادة، والخروج منها ببيانات عامة لن يكفى؛ المطلوب موقف واضح يردع تل أبيب ويؤكد أن أمن أى عاصمة عربية خط أحمر.

لقد أعاد العمل العدوانى على الدوحة، والتحديات التى تواجهها دول عربية؛ الحديث مرة أخرى عن المقاربة المصرية التى تدعو الى تشكيل قوة عربية مشتركة؛ لمواجهة تحديات الأمن القومى العربى، وهى مقاربة سبق أن طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسي فى القمة العربية بشرم الشيخ عام 2015. 

والحديث عن مواجهة الغطرسة الإسرائيلية وممارساتها فى المنطقة دون حساب؛ لا يعنى الانجرار إلى مغامرات عسكرية «غير محسوبة»، وهنا تتجلى دروس القاهرة. فمنذ أن تولّى الرئيس عبدالفتاح السيسي المسئولية، حاولت أطراف إقليمية جر مصر إلى صراعات مسلحة تستنزف قوتها، بينما أطلقت أذرع إعلامية للتشكيك فى تحديث الجيش المصرى. إلا أن القاهرة اختارت الصمت الاستراتيجى والعمل الهادئ؛ بناء الداخل، تعزيز قدرات الجيش، وتحصين القرار الوطنى بعيدًا عن الانفعالات الساذجة.

هذا النهج أثبت نجاحه، فحين اندلعت حروب المنطقة واشتعلت جبهاتها، برزت مصر كأول المدافعين عن سيادة الدولة الوطنية فى كل جبهة صراع.

القمة المقبلة مطالبة بالاستفادة من هذا الدرس، المطلوب ليس فقط التضامن مع قطر؛ بل حماية دور الوساطة العربى الذى تحاول إسرائيل تقويضه. 

من المهم  أن يخرج الاجتماع بتفويض جماعى يحمى أى دولة تقوم بدور الوسيط، ويوفر غطاءً سياسيًا يردع الاعتداءات، فإضعاف قنوات الحوار يعنى منح حكومة نتنياهو المتطرفة مساحة أوسع للحرب.

إلى جانب ذلك، ينبغى أن تبحث القمة فى آليات أمن جماعى حقيقية، تشمل مسارات دبلوماسية وأمنية وسياسية وتنسيقًا مشتركًا، وهو ما نحتاج تطبيقه الآن والاتفاق عليه فى قمة الدوحة.

 فالاعتداء على قطر يطرح سؤالاً حول أمن المنطقة كلها: ما الذى يمنع تكرار السيناريو مع عاصمة عربية أخرى؟.. وبالتالى فإن إعادة تفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك، أو تطوير صيغة تعاون أمنى واستخبارى جديدة؛ لم يعد ترفًا؛ بل ضرورة عربية.

وهنا يبرز الدور المصرى كعنصر حاسم، فالقاهرة هى صاحبة أكبر ثقل عسكرى ودبلوماسى فى الإقليم، وهى الدولة التى تدرك إسرائيل جيدًا أن الدخول معها فى مواجهة ليس نزهة، حتى أكثر الساسة الإسرائيليين تطرفًا، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، يضعون فى حساباتهم أن أى صدام مع مصر له كلفة مختلفة. هذا الرصيد الاستراتيجى يمنح القاهرة قدرة على قيادة موقف عربى موحد، وتحويل قرارات القمة إلى خطة عمل واقعية.

كما أن الخبرة الدبلوماسية المصرية تجعلها شريكًا رئيسيًا فى صياغة خطاب عالمى جديد يواجه السردية الإسرائيلية. فمصر خلال العام الأخير كانت الأكثر حدة فى بياناتها ضد الاعتداءات الإسرائيلية، والصوت الأوضح فى الدفاع عن الحق الفلسطينى، مع احتفاظها بعلاقات تمكنها من التواصل مع القوى الكبرى لفرض وقف لإطلاق النار.

ولا يمكن إغفال البعد الفلسطينى؛ فالهجوم على الدوحة استهداف غير مباشر لغزة. القمة مطالبة بتبنى تحرك متكامل، ضغط فى مجلس الأمن، وتحرك قانونى أمام محكمة العدل الدولية، ودعم إنسانى عاجل للقطاع.

فى النهاية؛ نجاح قمة الدوحة لن يقاس ببلاغة البيان الختامى؛ بل بقدرتها على إنتاج خارطة طريق تترجم الغضب إلى أفعال، حماية الوسطاء، تأمين الدعم لغزة، وبلورة جبهة عربية وإسلامية تعلن أن أى استهداف لعاصمة عربية هو استهداف للجميع.