وزير الثقافة يفتح ملف هوية المهرجان من جديد:
القاهرة الدولى للمسرح التجريبى.. ثلاثة عقود من الجدل حول الاسم!

هبة محمد على
فى كلمته فى حفل افتتاح الدورة الثانية والثلاثين من (مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى) قبل أيام، دعا وزير الثقافة الدكتور «أحمد فؤاد هنو» جموع المسرحيين لمناقشة مقترح تحويل المهرجان ليصبح (مهرجان القاهرة الدولى للمسرح) مع الاحتفاظ بالعروض التجريبية كفرع ضمن فروعه، لتعيد هذه الدعوة حالة الجدل التى صاحبت المهرجان منذ انطلاق دورته الأولى، فهناك فريق يقوده الدكتور «سامح مهران» الرئيس الحالى للمهرجان يرى فى تغيير الاسم ضرورة حتى أنه اتخذ خطوات فعلية فى هذا الصدد عندما ترأس لجنة المسرح فى المجلس الأعلى للثقافة عام 2012.
حيث تقدم بمشروع إلى الدكتور «محمد صابر عرب» وزير الثقافة آنذاك لإلغاء المهرجان، واستبداله بمهرجانين، الأول (مهرجان القاهرة الدولى للمسرح) والآخر (مهرجان القاهرة العربى للمسرح) ورغم موافقة الوزير على المقترح إلا أنه لم ينفذ، أما الفريق الآخر فقد خاض حربًا شرسة عندما أضيفت كلمة (المعاصر) لاسم المهرجان فى 2014، حتى أعاد الدكتور «جابر عصفور» وزير الثقافة حينها المهرجان لاسمه الأصلى، حيث يرى هذا الفريق أن فى تغيير اسم المهرجان تخليًا عن الهوية التى ارتبط بها عبر تاريخه الممتد، والذى أصبح من خلالها علامة فارقة على خريطة المهرجانات المسرحية فى العالم.
وفى السطور التالية نلبى دعوة وزير الثقافة الدكتور «أحمد فؤاد هنو» ونعقد مناقشة جديدة حول مستقبل المهرجان، بين مؤيد لتغيير الاسم بما يتماشى مع تطورات الحركة المسرحية عالميًا، وبين متمسك بالهوية الراسخة التى صنعها المهرجان عبر أكثر من ثلاثة عقود.
الميزانية أولى بالنقاش
البداية مع المخرج المسرحى الكبير «عصام السيد» والذى شغل منصب عضو لجنة تحكيم فى المهرجان عام 2007، ثم عضو اللجنة العليا للمهرجان من 2016 إلى 2019، كما رأس لجنة التحكيم فى 2023، ويقول: «أعتقد أن كلمة (تجريبى) أصبحت علامة مسجلة بين المهرجانات، ولذلك عندما قمنا بإعادة المهرجان مرة أخرى عام 2016 بعد فترة توقف، وكنت أشغل منصب عضو اللجنة العليا للمهرجان آنذاك، أضفنا كلمة (معاصر) للاسم وأبقينا على كلمة (تجريبى) وفى رأيى أن هذا هو الحل الأمثل لتلك المعضلة، لأن التجريب فى المسرح كان فى السابق أمر متفرد، أما الآن فكل العروض المسرحية تخضع للتجريب، وكسر القواعد، بالإضافة إلى أن الدهشة فقدت لدى المتفرج، وقديمًا كانت العروض التى تحتوى على رقص وحركة مبهرة تلفت الأنظار، أما الآن، فما نشاهده على الإنترنت أجمل بكثير مما نراه فى المهرجان من عروض»، وعن فكرة إصرار القائمين على المهرجان على تغيير الاسم يقول:
«د.سامح مهران» يتعرض سنويًا لهجوم بسبب طبيعة العروض المختارة فى كل دورة، حيث يراها البعض ليست تجريبية، وبالتالى فإن سعيه لتغيير الاسم نابع من رغبته فى فتح مجال أوسع أمام العروض المشاركة دون أن يتعرض لأى لوم أو اتهام بالتقصير، وفى رأيى أن الأولى بالنقاش فى هذا التوقيت هو ميزانية المهرجان، فالفرق الجيدة تطلب من المهرجان تحمل تذاكر السفر والإقامة وهو ما يعجز المهرجان عن توفيره وبالتالى تعزف تلك الفرق عن المشاركة.
اسم راسخ فى أذهان كل المسرحيين
وترفض «د.سامية حبيب» أستاذ الأدب والنقد والدراما بأكاديمية الفنون طرح موضوع تغيير اسم المهرجان للنقاش مجددا بعد 37 عامًا من انطلاق المهرجان و23 دورة قدمت بهذا الاسم، حيث تقول: «هذا المهرجان يخاطب التجارب المسرحية الجديدة، وهذا هو فلسفة وجوده، وبالتالى متاح أمام «د.سامح مهران» أن يأتى بالعروض التى يرغب دون أن يسعى لتغيير اسم راسخ فى أذهان كل المسرحيين المصريين والعرب، لأنه حتى لو سعى إلى تغييره بشكل رسمى فلن يتغير على أرض الواقع، فشارع فؤاد تغير اسمه إلى 26 يوليو منذ سنة 1956، ومع ذلك نطلق عليه اسم شارع فؤاد حتى الآن، والحقيقة أن إصرار «د.سامح مهران» على هذا الطرح رغم إعلان رفضنا له سببه أنه لا يمتلك تاريخًا طويلًا مع المسرح التجريبى، لكن نحن من عملنا فى التجريبى منذ بداياته، ونعرف قيمته جيدًا، ولم نهبط على رئاسته بين يوم وليلة!».
تمزيق للهوية وعرقلة للمسار
ومن جانبها تقول الناقدة المسرحية «مايسة زكى» أن الإصرار على تغيير الاسم يعكس عدم فهم لهوية المهرجان أو طبيعته، وهو ما دفعنا للقيام بحملة (لا لإلغاء المسرح التجريبى) فى عام 2014، وقدمنا بيانًا موقعًا من عدد كبير من المسرحيين لوزير الثقافة «د.جابر عصفور» نشرح فيه أسباب تمسكنا بالاسم، لأننا نرى فى الاكتفاء بكلمة (الدولى) مع بتر (التجريبى) بمثابة تمزيق لهويته وعرقلة لمساره وتزييف لطبيعته، والحقيقة أن هذا الإلحاح يعكس عجزًا عن إدارته كما أداره الأساتذة السابقون وأنا أتساءل إذا كان رئيس المهرجان غير مقتنع به فلماذا لا يتركه لمن يعى أهميته ويحفظ له تاريخه؟ وإذا كانت المهرجانات تسعى إلى خلق طابع محدد لها يميزها عن غيرها فهل يعقل أن يكون لدينا مهرجان راسخ ونحوله نحن إلى مهرجان بلا ملامح، ومع ذلك فأى تنوع يريده القائمون على المهرجان الآن يستطيعون تحقيقه فالتجريب معناه ديمومة الإبداع».
إجراءات الرخصة الدولية معقدة
وترى الناقدة المسرحية «أمنية طلعت» أن المشكلة ليست فى فكرة تغيير الاسم فى حد ذاته، فالمهرجان حاصل على رخصة دولية منذ أكثر من 37 سنة، ولكى يتم التغيير لابد من إجراءات طويلة ومعقدة والدليل أن هناك نسخة من المهرجان أضيفت لها كلمة (معاصر) ثم عادوا للاسم القديم، وتضيف: «فى ظنى أن الجدل سببه أن كلمة تجريب كانت صالحة فى الوقت الذى ظهر فيه المهرجان فى عام 1988، لأن المسرح الدولى العالمى كان محاصرا بالأشكال التقليدية للمسرح، أما الآن فنحن قد تجاوزنا هذا الأمر، وأصبحت العروض المسرحية مجموعة من المدارس المختلطة وغير المقيدة بشكل معين، وأصبح المبدع المسرحى لديه حرية فى التعبير وقدرة على التجريب بلغات بصرية مختلفة وأشكال مسرحية متباينة، وبالتالى قد لا نحتاج إلى كلمة (تجريب) لأن الذائقة البصرية للمشاهد أصبحت قادرة على قراءة التجربة المسرحية التى تتضمن لغة مختلفة عن الكلاسيكية، ومع الإقرار بأن المهرجان راسخ، وله وضع مهم فى مصر والمنطقة العربية فأنا لا أجد غضاضة فى تحويله إلى مهرجان دولى شامل يكون التجريب جزء منه، لكن كيف سيتم التعامل مع الإجراءات الدولية فيما يتعلق بتغيير الاسم؟ الإجابة لدى المسئولين».