الإثنين 15 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

هل يعيد إعلان تيانجين صياغة خرائط النفوذ الدولى

الثالوث النووى يغير موازين القوى العالمية

فى قلب مشهد عالمى متقلب، تتقاطع الأزمات السياسية بالنزاعات المسلحة، والتحديات الاقتصادية، ارتسمت على أرض «تيانجين» الصينية لوحات سياسية تحمل فى طياتها الكثير، حينما اجتمع قادة الشرق فى قمة «منظمة شنغهاى للتعاون» السنوية، إلا أن مشهد هذا العام لم يكن مجرد مظهر بروتوكولى، بل إعلان عن تحولات سياسية واقتصادية، قد تعيد تشكيل النظام الدولى برمته.



فلم تقف القمة عند حدود الحوارات التقليدية، بل كانت مصحوبة برسائل دبلوماسية وأمنية حاسمة، ليس فقط من خلال التصريحات التى أطلقها قادة المنظمة، بل -أيضًا- عبر العرض العسكرى الضخم، الذى كان بمثابة إعلان ولادة عهد جديد، وسط ظهور تحالف ثلاثى بارز على الساحة، وهى «الصين، روسيا، وكوريا الشمالية»، ما دفع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» للانفعال، والاتهام، والتحذير من لعبة لا يعرف منها سوى أعين اللاعبين.

 

قمة فارقة فى مرحلة مفصلية

قبل الحديث عن قمة «منظمة شنغهاى» للتعاون هذا العام، يذكر أن «منظمة شنغهاى للتعاون» تأسست عام 2001، بمشاركة كل من دول: «الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان»، تحت اسم «مجموعة شنغهاى الخماسية»، ثم توسع نطاق عضويتها بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، لتصبح جزءًا أساسيًا من جهود «الصين» المتسارعة، لبناء نظام دولى جديد.

أما قمة 2025، التى انعقدت يومى 31 أغسطس الماضى، و1 سبتمبر الجارى، فلم تكن كسابقاتها.. فمن ناحية الحجم، شارك فيها قادة أكثر من 20 دولة، ورؤساء 10 منظمات دولية، لتكون الأضخم منذ تأسيس المنظمة، أما من ناحية المضمون، حملت القمة رؤى استراتيجية حول مستقبل النظام العالمى، وشهدت توافقًا غير مسبوق على تعزيز التعددية القطبية، ومواجهة -ما وصفه- بعض القادة بالهيمنة الأحادية، وسياسات الضغط الغربية. 

كما أتاحت قمة «تيانجين» للرئيس الصينى منصةً مهمةً، لتعزيز العديد من العلاقات الثنائية الصينية.. فعلى مدار يومين، عقد «شى جين-بينج» وحده اجتماعات منفصلةً مع ما لا يقل عن 15 قائدًا آخر، بما فى ذلك: لقاء ودى غير معتاد مع رئيس الوزراء «ناريندرا مودى»، ما سرع من وتيرة التقارب بين «الصين»، و«الهند»، الأخيرة التى توترت علاقاتها مع «الولايات المتحدة» -مؤخرًا- جراء التعريفات الجمركية التى فرضها «ترامب» على «نيودلهى».

التعددية القطبية.. رؤية تتحول لسياسة

فى كلمته الافتتاحية أمام مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاى، وصف الرئيس الصينى «شى جين بينج» الوضع العالمى الحالى بأنه يشهد حالة من التقلب، والفوضى، والتغيير، معتبرًا أن المنظمة قدمت نموذجًا جديدًا للعلاقات الدولية، يعتمد على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والأهم التعددية الواقعية. 

الرئيس الصينى الذى تحدث بلهجة هادئة ولكن حاسمة، قال إن المنظمة نجحت فى تقديم إسهامات حقيقية، لتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة، مؤكدًا معارضة بلاده -لما وصفه- بعقلية الحرب الباردة، وممارسات التنمر الدولى، مطالبًا بنظام عالمى أكثر عدالة وتوازنًا.

 قرارات حازمة فى (إعلان تيانجين)

رغم شمول البيان الختامى للقمة، الصادر تحت مسمى (إعلان تيانجين) العديد من التفاصيل، إلا أن أبرز ما جاء فيه، هو رفض العقوبات الأحادية، وتعزيز التعددية، وتكريس التوجه نحو بناء نظام عالمى متعدد الأقطاب، رافضًا -ما وصفه- بالتدابير القسرية الأحادية، التى تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، فى إشارة واضحة إلى رفض التحركات والقرارات الغربية، مثل: العقوبات المفروضة على «روسيا، وإيران»، ودول أخرى. 

كما أكد الإعلان ضرورة إنشاء مصرف للتنمية تابع للمنظمة، وتسريع العمل على اتفاقيات لتسهيل التجارة، وتطوير إجراءات بناء الثقة فى المجال العسكرى، داعيًا –أيضًا- لتعاون أوسع مع الأمم المتحدة وهيئاتها. 

ومع ذلك، اعتبرت النتيجة الأبرز لقمة منظمة شنغهاى للتعاون، هى قرار الأعضاء بإنشاء بنك تنمية تابع للمنظمة، مُخصص لتمويل البنية التحتية والبرامج الاقتصادية، وهو المشروع الذى سعت «بكين» إلى إنشائه لأكثر من عقد من الزمان.

علاوةً على ذلك، أعلنت «الصين» –خلال فترة انعقاد القمة- عن 6 منصات جديدة للتعاون بينها وبين منظمة شنغهاى للتعاون، مما يُرسخ ريادة «الصين» الفعلية للمنظمة، على أن تُركز هذه المنصات على الطاقة، والصناعة الخضراء، والاقتصاد الرقمى، والابتكار التكنولوجى، والتعليم العالى، والتعليم المهنى والتقنى، ولكن لم يتضح بعد كيف تنوى بكين تنفيذ هذه الالتزامات.

 عرض عسكرى يثير حفيظة الغرب

بعيدًا عن القاعات المغلقة، والمفاوضات الرسمية، كان الاستعراض العسكرى الضخم فى «الصين» الحدث الأكثر لفتًا للأنظار فى القمة، ليس لأنه يعيد صياغة مفردات الردع، بل أشرف عليه الرئيس الصينى بنفسه، بحضور نظيريه الروسى، والكورى الشمالى، فى مشهد نادر جمع قادة ثلاثة من أكثر الأنظمة تحديًا للغرب. 

فهذا العرض، الذى أُقيم فى ميدان «تيانانمين» بمناسبة الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، استمر 90 دقيقة، واستُعرضت فيه أنظمة تسليح غير مسبوقة، أبرزها (الثالوث النووي) الصينى، الذى ظهر علنًا لأول مرة. 

كما كشفت «بكين» عن طائرات مسيّرة شبحية تعمل بالذكاء الاصطناعى، وصواريخ قاتلة وحاملة طائرات قادرة على استهداف قواعد أمريكية فى المحيط الهادئ، وتحديدًا فى جزيرة «جوام»، حسبما ذكرت العديد من وسائل الإعلام الغربية، الأخيرة التى وصف هذه الترسانة بأنها (الورقة الرابحة) التى تضمن سيادة الأمة وكرامة «الصين».

وبعيدًا عن البعد العسكرى الذى يحمل رسائل ودلالات قوية، فكان وقع لقاء القادة الثلاثة (الصينى- الروسى- الكورى الشمالي) كبيرًا أخرج الغرب عن صمته، معتبرين أنه تحالف غير معلن.

 ردود الفعل الغربية

لم يتأخر رد الدول الغربية كثيرًا على لقاء القادة الثلاث، حيث غضبت «الولايات المتحدة»، بينما حذرت «أوروبا» من هذا التحالف.  فالرئيس الأمريكى اتهم القادة الثلاثة بالتآمر على «الولايات المتحدة»، وهو ما رد عليه (الكرملين) معتبرًا أن تصريحات «ترامب» أقرب إلى الدعابة، لأن الزعماء الثلاثة لم يناقشوا أى مؤامرة. 

أما «أوروبا»، فعبرت عن قلقها عبر تصريح واضح من مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى «كايا كالاس»، التى وصفت القادة الثلاثة بأنهم يمثلون تحالفًا استبداديًا يسعى لإعادة تشكيل النظام الدولى، معتبرة أن اجتماعهم فى «بكين» ليس مشهدًا عارضًا، بل تحدٍ مباشر للنظام القائم على القواعد الدولية».

فى النهاية.. ما خرج به قادة «منظمة شنغهاى للتعاون» من القمة الأخير، لم يكن مجرد حزمة قرارات إجرائية، أو بيانات ختامية روتينية، بل إعلان ضمنى عن انتقال العالم إلى مرحلة جديدة، لم يعد فيها الغرب وحده صاحب القرار، ولا يحق له فرض شروطه السياسية والاقتصادية على بقية الدول، وهو ما تجسد فى كل من: إنشاء بنك التنمية المستقل، المطالبة باستخدام العملات المحلية فى التبادلات التجارية، دعم اتفاقيات ثنائية، والدعوة إلى تطوير اتفاقات أمنية واقتصادية داخل المنظمة، بما فيها الاتفاقية المقترحة لبناء الثقة العسكرية، وغيرها.

باختصار.. شددت قمة «منظمة شنغهاى للتعاون» على أن التعددية القطبية لم تعد مفهومًا أكاديميًا، بل مشروعًا سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، يتبناه تكتل يضم ما يزيد عن نصف سكان الأرض، ويملك موارد ضخمة، وأسواقًا واعدة، ونفوذًا متناميًا على الساحة الدولية، وسط حالة إنهاك واضحة يعانى منها الغرب، بفعل الأزمات المتراكمة داخليًا وخارجيًا.