قضايا الدراما والإعلام خلف الستار
هل شاهد رئيس الوزراء مسرحية أشرف زكى؟!

عبدالله رامى
فى الأشهر الأخيرة، أضيف إلى جدول مهام الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مسئوليات جديدة بجانب مسئولياته الأساسية فى إدارة شئون الحكومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. فإلى جانب الملفات الثقيلة التى تضغط على أى رئيس حكومة فى العالم، أُوكلت إليه مهمات إضافية تحمل طابعا ثقافيا وإبداعيا، وهى تطوير الدراما المصرية، وتجديد الخطاب الإعلامى، ورسم ملامح مستقبل الصحافة. وهى مجالات تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن جداول الاجتماعات الحكومية التقليدية، لكنها فى الحقيقة على تماس مباشر مع وعى الناس وتشكيل الصورة الذهنية عن مصر فى الخارج والداخل.
هنا تبرز أهمية طرح سؤال مباشر: هل شاهد رئيس الوزراء العرض المسرحى «عندما انقطع التيار عن شارع جامعة الدول» الذى أخرجه نقيب المهن التمثيلية، الدكتور أشرف زكى، وقدمه طلاب المعهد العالى للفنون المسرحية مؤخرا على مسرح النهار ضمن مهرجان «On Stage» وقبلها على مسرح معهد الفنون المسرحية؟
العرض مأخوذ عن رائعة محمد الماغوط «كاسك يا وطن»، تلك المسرحية التى ارتبطت فى وجدان الجمهور العربى بمزيج نادر من السخرية السوداء والصدق السياسي. النص الذى خلد دريد لحام فى الذاكرة المسرحية العربية، يعود اليوم فى صياغة مصرية تحمل عنوانا طويلا وموحيا، ليكشف كيف يمكن لمسرح الشباب أن يضع الإصبع على التحديات والجراح؛ الإعلام.. المجتمع الدولى ونفاقه فى مواجهة المأساة الفلسطينية، وتحديدا ما يجرى فى غزة.
المفارقة اللافتة أن أشرف زكى سبق أن قدم نفس النص فى فترة حكم الإخوان، ليعيد اليوم إخراجه فى ظل مشهد سياسى مختلف تمامًا. وبين العرضين، تتأكد قيمة المسرح كأداة لمساءلة الواقع، لا باعتباره منبرا للمعارضة التقليدية، بل كمساحة فنية قادرة على كشف التناقضات وإعادة تعريف موقع الفن فى المجتمع.
ورغم أن العرض وقع فى فخ المباشرة والميلودراما، فإن قيمته فى إعادة الفن إلى وظيفته الأساسية؛ أن يكون شاهدا ومشاركا ومشتبكا مع قضايا الناس، لا مجرد وسيلة ترفيه عابرة.
طلاب معهد فنون مسرحية، بأدائهم العفوى أحيانا والحاد أحيانا أخرى، قدموا برهانا جديدا على أن المسرح لا يزال قادرا على تحريك الأسئلة الكبرى، حتى لو لم يملك إجابات نهائية.
من هنا، تصبح مشاهدة رئيس الوزراء للمسرحية، حدثا ذا معنى. ليس من باب المجاملة ولا من باب الظهور الإعلامى، بل لأن هذه هى المساحات التى يجب أن يختبر فيها المسئول بنفسه ما يُنتظر منه تطويره.
فالحقيقة أن المهام الجديدة الموكلة لمعالى رئيس الوزراء (تطوير الدراما والإعلام) لا يمكن التعامل معها كبقية الملفات الحكومية عبر الخطط الخمسية ولا من خلال اللجان وحدها، بل بالتجربة، بالحرية، وبالمساحة الممنوحة للخطأ والصواب معا. الدراما لن تجدد إلا إذا تركت لتتنفس خارج قيود البيروقراطية الصارمة أو الحسابات الضيقة. والإعلام لن يُحدث فرقا إذا ظل محكوما ببيانات رسمية صماء.
والصحافة لن تعود إلى عافيتها ما لم تستعد روح المغامرة والجرأة فى طرح الأسئلة.
وهذا ما يجعل من مسرحية «أشرف زكى» ربما أهم من أى تقرير يُرفع إلى مجلس الوزراء عن «خطط تطوير الدراما». لأنها ببساطة تجسيد لما يعنيه أن يحاول الفن، ولو بموارد محدودة وأدوات طلابية، أن يعكس الوجع الفلسطينى، أن يفضح صمت العالم، وأن يعيد صياغة علاقتنا نحن كمجتمع بقضايانا الكبرى.
الدعوة إذن ليست ترفا، بل ضرورة. على نقابة المهن التمثيلية أن تبعث بها رسميا إلى رئيس الحكومة، وعلى الأخير أن يلبّيها بجدية.
لأنه حين يجلس فى مقعد المتفرج بين الجمهور، سيكتشف أن «التطوير» لا يفرض من أعلى إلى أسفل، بل يُصنع من لحظة صدق على المسرح، من كلمة تجرؤ على أن تقال، ومن شاب يقف على الخشبة ليحلم.
فى النهاية، قد تبدو المسرحية مجرد تجربة تعيد نصا كلاسيكيًا إلى الخشبة، لكن رسالتها أوسع من ذلك بكثير. إذ تعد تذكيرًا بأن الفنون ليست هامشا، بل مرآة لوعى المجتمع، و«مختبرا للمستقبل». وإذا كان للحكومة أن تستثمر فى تطوير الإعلام والدراما، فعليها أن تبدأ من هنا.. من إتاحة الفرصة للتجربة والخطأ.
لذلك، يبقى السؤال مفتوحا: هل يشاهد رئيس الوزراء مسرحية أشرف زكى؟!