بين جهود الوساطة وعناد الاحتلال
معركة الدبلوماسية ونيران الحرب فى غزة

مروة الوجيه
القاهرة والدوحة تواجهان مطرقة التعنت الإسرائيلى وسندان الكارثة الإنسانية
تتصاعد طبول الحرب فى غزة، بينما تتحرك الدبلوماسية المصرية - القطرية بخطوات متسارعة لإطفاء ألسنة اللهب قبل أن تتحول المنطقة إلى حريق شامل، فى حين تصر إسرائيل على التمسك بخياراتها العسكرية متجاهلة نداءات العالم، ومتحدية أصوات الغضب الشعبى والرسمى التى تعالت من العواصم الكبرى. وفى ظل هذا المشهد المتوتر، يقف العالم بين مطرقة العناد الإسرائيلى وسندان الجهود الدبلوماسية العربية التى تحاول فتح باب الأمل وسط ضبابية الحرب.
صادق رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلى الخميس الماضى على خطط الجيش الإسرائيلى للسيطرة على مدينة غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلى الأربعاء استدعاء نحو 60 ألفا من قوات الاحتياط من أجل الهجوم على مدينة غزة، بعدما صادق وزير الدفاع «يسرائيل كاتس» مساء الثلاثاء على خطة الجيش للسيطرة الكاملة على المدينة وإجبار نحو مليون فلسطينى على النزوح إلى جنوب القطاع.. من جهة أخرى وبالتوازى مع هذا الإعلان أعلن نتنياهو البدء الفورى فى مفاوضات لإطلاق سراح جميع المحتجزين فى غزة وإنهاء الحرب هناك بشروط وصفها بأنها «مقبولة لإسرائيل».
وساطة لا تهدأ
منذ الأيام الأولى للتصعيد، كثفت القاهرة اتصالاتها مع الأطراف الدولية والإقليمية، واضعة ثقلها الدبلوماسى لإنهاء الأزمة، وأكد مسئول مصرى رفيع المستوى أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام نزيف الدماء فى غزة، مشيرًا إلى سلسلة لقاءات عقدتها القاهرة مع مسئولين أمريكيين وأوروبيين إلى جانب قيادات من الأمم المتحدة.
وتعمل القاهرة على تثبيت تهدئة مؤقتة تمهيدًا لاتفاق شامل، مستفيدة من ثقلها الجغرافى والسياسى وصلاتها التاريخية بالقضية الفلسطينية.
هدنة مشروطة واحتلال معلن
وفى ظل تصعيد عسكرى غير مسبوق على قطاع غزة، ومحاولات دولية حثيثة لاحتواء الأزمة المتفاقمة برزت المبادرة المشتركة لكل من مصر وقطر، كأحد أبرز المسارات الدبلوماسية المطروحة لتهدئة الأوضاع وفتح نافذة للحوار، ومع تعدد الأطراف المنخرطة وتضارب الأجندات، يطرح سؤال جوهرى حول مدى إمكانية التوصل إلى اتفاق يراعى الحسابات السياسية والأمنية المعقدة لكل الفرقاء.
ويقضى المقترح المصري- القطرى، بوقف النار لمدة 60 يومًا، وأكدت أطراف مختلفة أنه لا يختلف كثيرًا عن ذلك الذى طرحه المبعوث الأمريكى الخاص ويتكوف قبل أشهر قليلة، وعدَّله الوسطاء عدة مرات أملًا فى قبوله من الطرفين.
كما ينص المقترح المصرى – القطرى على العمل منذ اليوم الأول من الهدنة على بدء مفاوضات جادة لوقف دائم للحرب بين جميع الأطراف، كذلك قضايا إدارة القطاع واليوم التالى لانتهاء الحرب وسلاح «حماس» والفصائل الفلسطينية والقضايا المصيرية، ضمن شروط الصفقة الشاملة.
كما يشمل المقترح الجديد إطلاق سراح 10 إسرائيليين أحياءً على دفعتين فى اليوم الأول واليوم الخمسين، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، هو ما يقرب من 140 أسيرًا من ذوى المحكوميات المؤبدة والعالية، إلى جانب 60 ممن قضوا فى السجون أكثر من 15 عامًا، إضافة إلى النساء والقُصَّر، وآخرين اعتُقلوا من داخل غزة بعد السابع من أكتوبر 2023.
وسيتم تسليم جثث 18 رهينة اتفق على تسليمها على مرتين أيضًا، بدءًا من اليوم السابع وحتى اليوم الثلاثين، على أن يجرى فى المقابل تسليم عدد جثامين محدد من الفلسطينيين، وهو ما يقارب المقترح الأصلي: نحو 10 جثث مقابل كل جثة إسرائيلية.
كما ينص المقترح على إدخال المساعدات بشكل فورى منذ اليوم الأول وبكميات وفيرة، مع انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل اختراق وقف إطلاق النار فى مارس الماضى.
ضمانات ترامب
مصادر مصرية أكدت أن المقترح سيكون بضمانة أمريكية ورعاية مباشرة من الرئيس ترامب، هذه التغطية الأمريكية تعكس بوضوح رهانات دولية على تحقيق انفراجة إنسانية، على الرغم من أن ترامب نفسه أكد فى تصريحات متفرقة أن الرهائن لن يعودوا إلا عند مواجهة حماس وتدميرها.
غير أن مصادر مصرية أكدت وفق قناة القاهرة الإخبارية، أن الحكومة الإسرائيلية أمام اختبار حقيقى لإنقاذ الرهائن، وأنه لا سبيل لخروج المحتجزين إلا من خلال المفاوضات على أساس مقترح ويتكوف، ومع وجود ضمانات أمريكية، وهو الأمر الذى قبلت به جماعة حماس، ومع استمرار حكومة الاحتلال فى تعليق ردها مع انفجار الداخل الإسرائيلى بسبب قرارات نتنياهو وحكومته المتطرفة، حيث يصر نتنياهو على الحل بأن يُفرج جميع الرهائن دفعةً واحدة، مع نزع سلاح حماس، وتفكيك البنية العسكرية فى غزة، الأمر الذى يبدو أن التوتر بين خيار التفاوض أو المواجهة لا يزال محتدمًا على السطح السياسى.
عناد إسرائيلى
رغم تعدد القنوات المفتوحة، تصر حكومة نتنياهو على المضى فى عمليتها العسكرية، مبررة ذلك بـ«حماية الأمن القومى الإسرائيلى»، وذلك فى الوقت الذى تنتظر فيه الوسطاء بإعلان موقف إسرائيل من المقترح، أعلنت حكومة الاحتلال عن بدء المرحلة التمهيدية لاحتلال مدينة غزة بعملية «عربات جدعون 2»، وذلك بعمليات مكثفة فى حى الزيتون وجباليا، بعد موافقة وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس على السيطرة على المدينة، مستدعيًا عشرات آلاف الجنود، رغم جهود الوسطاء للتوصل إلى صفقة، مما لاقى انتقادات إسرائيلية.
ويرى مراقبون أن مبررات إسرائيل لضمان حماية أمنها القومى، ليست سوى غطاء لمخطط أوسع يستهدف فرض وقائع جديدة على الأرض فى غزة، وهو ما يفسر تعثر المفاوضات وإغلاق أبواب الحلول الوسط. وفى هذا السياق كتب المحلل الإسرائيلى عاموس هرئيل فى صحيفة هآرتس أن القيادة الإسرائيلية تتعامل مع الوساطات الدولية باعتبارها «تكتيكًا مؤقتًا» لا يغير فى جوهر أهدافها الاستراتيجية.
ضغوط عربية وإنسانية
الوسطاء مصر وقطر، يبذلون جهودًا دبلوماسية غير مسبوقة فى هذه اللحظة الحرجة، للتوصل إلى حل يمنع الانفجار الكارثى فى غزة. والجوع، والدمار، والتهجير الجماعى الذى تزيد وتيرته يومًا بعد يوم، يضع المدنيين الفلسطينيين فى قلب الليل الطويل بلا بصيص أمل.
ردود الفعل الدولية
على الضفة الأخرى، ارتفعت أصوات الإدانة فى العواصم الغربية والعربية. فقد دعت الأمم المتحدة إلى «وقف فورى لإطلاق النار»، فيما عبّر الاتحاد الأوروبى عن «قلق بالغ من الكارثة الإنسانية فى غزة».
أما واشنطن، فبينما تؤكد «تفهمها لمخاوف إسرائيل الأمنية»، فإنها فى الوقت ذاته تواصل الضغط عبر القنوات الدبلوماسية لمنع الانزلاق إلى حرب شاملة.
بين المطرقة والسندان
وعلى خط موازٍ، تجد القاهرة نفسها أمام معادلة شديدة التعقيد: فمن جهة تمارس ضغوطًا هائلة لوقف الحرب والحفاظ على الاستقرار الإقليمى، ومن جهة أخرى تصطدم بتصلب إسرائيلى يضعف فرص نجاح وساطتها. ومع ذلك، يرى خبراء أن إصرار مصر على مواصلة جهودها يعكس إدراكًا عميقًا بأن اشتعال غزة لن يتوقف عند حدود القطاع، بل سيمتد ليهدد الأمن القومى المصرى والإقليمى على حد سواء.
وبينما تتسارع الأحداث فى غزة، يظل السؤال الأبرز: هل تنجح القاهرة وجهود الوسطاء فى كبح جماح التصعيد الإسرائيلى وفتح نافذة للحل السياسى، أم أن العناد الإسرائيلى سيغلق الأفق ويدفع المنطقة إلى فوضى أوسع؟ المؤكد أن مساعى مصر مستمرة، وأن صوتها فى المحافل الدولية يزداد حضورًا، لكن مسار الحرب لا يزال مرهونًا بقدرة الوسطاء على اختراق جدار العناد الإسرائيلى.