استغلالا للأزمات الطائفية وبذريعة تأمين حدودها
إسرائيـــل ترسم خريطة تقسيم سـوريا

آلاء البدرى
تكثفت المؤشرات التى تؤكد سعى إسرائيل لتنفيذ مخطط تقسيم سوريا وتحويلها إلى فسيفساء طائفية مفككة لا تمت للدولة بصلة، إذ استغلت أزمة الدروز، وحاولت بناء تحالفات طائفية عابرة للحدود مع الأكراد فى الشمال، ومع المسيحيين والشركس والشيعة، لاستخدامها كأدوات ضغط على حكومة دمشق.
ولم يعد المخطط سرًا، حيث نشرت تايمز أوف إسرائيل مناقشة الحكومة الإسرائيلية عقد قمة دولية لبحث تقسيم سوريا إلى «كانتونات إدارية»، بهدف ضمان حقوق الأقليات مثل الدروز والأكراد، وتأمين حدود إسرائيل الشمالية.
كما كشفت صحيفة إسرائيل هيوم عن مداولات سرية ناقش فيها وزير الدفاع الإسرائيلى مستقبل سوريا، بما فى ذلك اقتراح تقسيمها إلى مناطق حكم ذاتى، وسط مخاوف من الجماعات الإسلامية التى تولت السلطة، لكن هناك مشاريع وخطط خطيرة تنفذ على الأرض فى سرية ولم يُعلن عنها بعد.
مشروع غرب سوريا
أكدت تقارير استقصائية نشرها موقع ذا كرادل، أن مخططًا سريًا مدعومًا من جهات خارجية يدار حاليًا لتفتيت سوريا بقيادة إسرائيل وبمشاركة ودعم غير مباشر من الولايات المتحدة، وتركز العملية بشكل أساسى على منطقة غرب سوريا، لكن نطاقها قد يمتد إلى لبنان.
وأكدت تصريحات أدلى بها فى وقت سابق من هذا العام السيناتور الأمريكى جيمس ريش، ومايكل سينغ من معهد واشنطن، على القيمة الاستراتيجية لغرب سوريا، وألمحا إلى إجراءات منسقة لمواجهة دمشق فى هذه المنطقة، ويبدو أن هذه الأفكار تتجلى الآن فى حملة عسكرية سياسية معقدة تهدف إلى تغيير معالم الحدود السورية اللبنانية، من خلال التلاعب بالأقليات الطائفية فى البؤر المشتعلة فى الداخل.
ويتضمن المخطط عملًا عسكريًا واسع النطاق ونشر وحدات سورية مسلحة فى المناطق الساحلية، ويشرف على هذا المشروع كبار المسؤولين فى الجيش الإسرائيلى، وبتمويل من الحكومة الإسرائيلية، ويصور علنًاً على أنه مهمة لحماية الأقليات الدينية المهمشة، لكن هدفه الحقيقى هو تأجيج التوترات الطائفية باستخدام الهجمات على المواقع الدينية والثقافية كاستفزازات لتبرير التدخل.
وقد ألقت السلطات السورية مؤخرًا القبض على خلية يزعم أنها كانت تخطط لهجوم على كنيسة مار الياس المارونية فى طرطوس، مما يسلط الضوء على التنسيق رفيع المستوى وراء هذه الأعمال، كما يتضمن المخطط أيضًا جماعات ضغط أمريكية وتأثيرات إعلاميًة، ففى 5 أغسطس الجارى وقعت شركة الاستشارات الأمريكية تايجر هيل بارتنرز اتفاقيةً بقيمة مليون دولار لمدة عام لتمثيل مؤسسة تنمية غرب سوريا التى تدافع عن المسيحيين والدروز والعلويين والأكراد والسنة المعتدلين، وتنسق مع صانعى السياسات الأمريكيين عمل هذه الاقليات، وروج لها إعلاميًا على نطاق واسع أنها الحل الأمثل لتهدئة الصراعات من خلال التنمية.
ورغم أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت خطة غرب سوريا ستبقى سرية أم ستصبح مناورة جيوسياسية مفتوحة، فإن الأدلة على الأرض تشير إلى حملة نشطة، وممولة بشكل جيد لتقويض الوحدة الإقليمية لسوريا تحت ستار حماية المجتمعات الضعيفة، خاصة بعد نشر عدد كبير من المقاتلين الأجانب فى مناطق الصراع السورى بتسهيلات إسرائيلية.
ظهور كيانات انفصالية
تداولت قنوات سورية أخبارًا عن تشكيل مجلس عسكرى مسيحى، وكان الهدف المعلن للمجلس وفقًا لبيانه الرسمى توحيد المقاتلين المسيحيين الذين قاتلوا سابقًا فى فصائل الجماعة المهيمنة هيئة تحرير الشام، الممثلة حاليًا فى الحكومة الانتقالية السورية، وضمان تمثيل المسيحيين فى أى تسوية سياسية مستقبلية.
كما تضمن البيان رسمًا لهيكلية القيادة فى المجلس تحت قيادة القائد العام إلياس صعب، وهو اسم غير معروف عنه أى بيانات، ونوابه فى كل المناطق التى يوجد فيها مقرات للمجلس، مثل محردة وصدد والسقيلبية ومعلولا وطرطوس، من دون الإعلان عن الأسماء التى تشغل تلك المناصب.
أما المقر العام للمجلس فيقع فى وادى النصارى بريف حمص، فيما يقع المكتب السياسى والإعلامى فى بيروت التى هى أيضا مقر مكتب التنسيق الخارجى، الذى ذكر أنه قيد التأسيس، فيما يقع مقر المكتب الحقوقى بدمشق، وفقًا لما ذكره البيان.
ووجه البيان نداءات ثلاثة، الأول للحكومة الانتقالية الحالية، وقال: لا نعترف بدولة الإرهاب والتطرف المتمثلة فى الجولانى وأتباعه، وندعو لقيام دولة مدنية بعيدة عن الإسلام السياسى والإيديولوجى، والثانى للكنائس السورية وطالبها بـتوثيق تضحيات المقاتلين المسيحيين وحمايتهم، أما الثالث فقد كان للمجتمع الدولى الذى قال إن واجبه محاكمة قادة الجماعات الإرهابية المتطرفة.
كما ظهر فصيل مسلح آخر يدعى رجال النور أو سرايا الجواد فى أواخر يوليو الماضى، وهو تطور لافت ضمن مشهد الصــراع فى الساحل السورى، وأعلن مسؤوليته عن عدد من العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن التابعة للنظام الحالى، وجاء الإعلان مصحوبًا بتسجيل مصور يوثق لحظات الهجوم فى ما يشير إلى مستوى عال من التنظيم والتخطيط.
وأصدر بيانات أخرى انتقد فيها العديد من قادة الشرق الأوسط، لكنه شكر الصحفى الإسرائيلى إيدى كوهين، وحتى الآن لم يتم التعرف على الأيديولوجية الخاصة بسرايا الجواد، مما يثير عدة احتمالات بشأن طبيعة هذا الكيان، إذ يحتمل أن الجواد يشير إلى الإمام محمد الجواد، مما قد يوحى بخلفية شيعية أو نسبة إلى العميد جواد عفارى، الملقب بجزار حلب الذى أرسلته إيران فى السابق إلى سوريا لقيادة عمليات الهجوم المضاد على هجوم الفصائل المقاتلة فى سوريا فى مناطق المواجهات، لكن دون تأكيد رسمى أو تبنى علنى لأيديولوجية مذهبية، فبعض الجماعات تتجنب الإفصاح عن ايديولوجيتها لتبقى مرنة فى تحالفاتها، خصوصًا فى بيئات النزاع التى تتغير فيها الولاءات بسرعة.
كما طرحت مؤخرًا فكرة إعادة توطين الشركس فى قراهم السابقة فى مرتفعات الجولان الخاضعة حاليًا للاحتلال الإسرائيلى، وقد عرضت إسرائيل بالفعل مساعدات على الشركس السوريين، والتنسيق معهم بهدف الانفصال عن سوريا، وضمنتهم ضمن الخطة المالية لمساعدة الأقليات، ورغم أن الشركس يقفون على أرضية هشة قابلة للانهيار فى أى لحظة، ولا يمكن مقارنة وضعهم بوضع العلويين الذين يواجهون التهميش مؤخرًا بسبب هويتهم المرتبطة بالنظام السابق، ولا بوضع الأكراد الذين يتمتعون بميزة التفاوض السياسى، ولا الدروز الذين لهم امتداد فى دول الجوار، إلا أنهم رفضوا وأصدروا بيانًا رسميًا يؤكد تمسكهم بوحدة سوريا.
استغلال أزمة الدروز
تستغل إسرائيل أزمة الدروز التى لاتزال الأكثر تعقيدًا فى سوريا حيث تقف الطائفة فى المنتصف بين إرثها التاريخى فى الحكم الذاتى وضغوط الدولة الانتقالية، وتدخلات إسرائيل التى تعتبرها أداة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمى، بل يتجاوز ذلك إلى أهداف استراتيجية أهم تهدف إلى تقسيم سوريا على أساس طائفى، خاصة بعد تأكيد إسرائيل وتكرارها استعدادها للتدخل العسكرى الكامل لحماية الدروز، وتوجيه ضربات مؤلمة ضد القوات السورية إذا اقتربت من مناطق الدروز، مشيرة إلى الروابط العائلية بين الدروز فى إسرائيل وسوريا، إلى جانب تبنى خطاب الحماية الأخلاقية والترويج لنفسها كـحامية للأقليات، وهو خطاب تستخدمه دائما لتبرير تدخلاتها العسكرية، كما حدث سابقًا مع الأكراد والمسيحيين، خاصة بعد أن رفضت ميليشيات درزية الانضمام إلى الجيش الجديد، مما خلق فراغًا أمنيًا استغلته إسرائيل، بالإضافة إلى وجود عدم توافق بين جميع الزعماء الدروز، فقد رفض الشيخ حمود الحناوى علنًا المصالحة مع دمشق والحماية الإسرائيلية، مؤكدًا على استقلالية الطائفة، ورفضها أن تكون أداة لأى قوة خارجية، ورغم ذلك الرفض أفادت تقارير إسرائيلية أن هناك اجتماعات سرية جمعت مسؤولين إسرائيليين وشخصيات من كبار الشيوخ الدروز، وقادة علويين منفيين للتحضير لـتحالف علوى درزى فى الولايات المتحدة.
وتزامنت هذه المحادثات رفيعة المستوى مع سلسلة من الأحداث المقلقة فى المنطقة الساحلية السورية، معقل الأقلية العلوية، مما زاد الشكوك حول محاولات متعمدة من إسرائيل لتأجيج التوتر الطائفى واستغلال الأقليات كسلاحٍ سياسى وعسكرى بهدف تقسيم سوريا على أسس طائفية، وتأمين ممرين استراتيجيين، أحدهما من السويداء إلى الحسكة، والآخر من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى عفرين.