الأربعاء 3 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

قمتان حاسمتان لتغيير المعادلات

سباق مع الزمن لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية

73 ساعة لم تكن مجرد فاصل زمنى عادى فى مسار الحرب الروسية-الأوكرانية، بل شكلت لحظة فارقة انعكست بوضوح فى قمتى ألاسكا وواشنطن يومى 15 و18 أغسطس الجارى.



التقى كبار القادة من روسيا، وأوكرانيا، وأوروبا فى اجتماعين مختلفين مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى محاولات دبلوماسية جادة لكسر جمود الصراع الذى استمر لأكثر من 3 أعوام.

ورغم المحاولات الحثيثة لإيجاد حلول وسط تنهى الحرب التى بدأت فى 24 فبراير 2022، كشفت القمتان عن مؤشرات صادمة فى رسم ملامح المرحلة القادمة؛ كما أعادتا إلى طاولة المفاوضات نقاشات حاسمة حول الأرض والسيادة وتوازن القوى والضمانات الأمنية، التى ستكون جوهر الاستقرار أو استمرارية النزاع.

بداية الطريق من آلاسكا

فى ولاية ألاسكا الأمريكية، حدث لقاء غير متوقع جمع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكى دونالد ترامب، وسط أجواء سرية أشعلت وسائل الإعلام بعد تسريبات عن تفاصيلها، فى قمة لم تكن فقط محاولة تقليدية لتبادل الآراء، بل حملت بعدًا استراتيجيًا مهمًا، حيث قدم «بوتين» خطة سلام، تتضمن شروطًا روسية صعبة على أوكرانيا.

المقترح الروسى، مثلما نقلته وسائل إعلام غربية، ركز على مطالب رئيسية، وهى: اعتراف أوكرانيا بسيادة روسيا على كل من «دونيتسك، ولوهانسك، وشبه جزيرة القرم»، بالإضافة إلى تجميد القتال فى الجنوب الأوكرانى، إلى جانب عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسى (ناتو)، مع تقديم ضمانات أمنية من الغرب. 

كما شملت الخطة رفعًا تدريجيًا للعقوبات المفروضة على موسكو مقابل تنفيذ مراحل الاتفاق.

ومثلت هذه المطالب -بحسب المحللين السياسيين- فرض واقع جديد على الأرض يصب فى مصلحة روسيا أولًا، باعتبارها تهدف لتكريس نتائج الحرب، وتضغط على كييف، من أجل تقديم تنازلات استراتيجية.

قمة واشنطن 

على الجانب الآخر، شهد (البيت الأبيض) اجتماعًا ثلاثيًا بين قادة «الولايات المتحدة»، و«أوكرانيا»، وحلف (الناتو).. إذ جاء هذا اللقاء ليؤكد على استمرار دعم الغرب لكييف، مع التركيز على تطوير ضمانات أمنية جديدة تمنح «أوكرانيا» بعض الحماية.

تمحورت النقاشات حول إمكانية تقديم (ضمانات أمنية) متقدمة لأوكرانيا، دون انضمامها رسميًا إلى الحلف؛ وذلك بهدف مراعاة الحساسيات السياسية والعسكرية، من أجل منع تصعيد الصراع إلى مواجهة مباشرة بين «روسيا» و(الناتو)، وهو ما أشار إليه -أيضًا- أمين عام الحلف «مارك روته»، حينما وصف هذه الضمانات بأنها تمثل خطوة نوعية لدعم كييف. 

من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء البريطانى «كير ستارمر» أن اجتماع (البيت الأبيض) حقق نتيجتين مهمتين تتعلقان بالضمانات الأمنية لأوكرانيا، والمضى قدمًا نحو إطار عمل ثنائى بين الرئيسين الروسى والأوكرانى؛ فيما قال المستشار الألمانى «فريدريش ميرتس» إن القادة الأوروبيين رحبوا بالضمانات الأمنية التى ستقدم لكييف.

ضمانات أمنية غير ملزمة

صارت الضمانات الأمنية، التى نوقشت فى قمة «واشنطن» الأخيرة، محورًا حاسمًا فى مستقبل النزاع الروسى الأوكرانى، حيث تسعى «كييف» إلى حماية دولية قوية، تُجنبها تكرار الهجمات الروسية. 

وفى هذا الصدد، أوضح الأمين العام لحلف (الناتو)، أن النقاشات تتجه نحو تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا على غرار (المادة الخامسة) من معاهدة الحلف، التى تُلزم الدول الأعضاء بالدفاع الجماعى عن أى دولة تتعرض لهجوم؛ مشددًا -فى الوقت ذاته- على أن هذا لا يعنى انضمام «أوكرانيا» رسميًا للناتو، لكنه يعنى حماية عسكرية ودبلوماسية ذات وزن دولى كبير. بدورها، نقلت «بوليتيكو» عن مسؤولين فى إدارة «ترامب» وبعض المحللين السياسيين، قولهم إن الضمانات الأمنية، التى قد تقدمها «أوروبا، والولايات المتحدة»، قد لا تشمل التزامًا مباشرًا بإرسال جنود أمريكيين أو أوروبيين للقتال، وإنما دعم عسكرى تقنى، وتدريبى، مع وجود رمزى للقوات الأوروبية، بهدف خلق حالة غموض وتوازن ردع فى «موسكو».

أبرز السيناريوهات المتوقعة

السيناريو الأول، والأكثر إثارة للجدل، هو ما عرضته «روسيا» فى قمة «ألاسكا»، ويتضمن اعتراف «أوكرانيا» بسيادة روسية على مناطق واسعة من الأراضى الأوكرانية التى تم السيطرة عليها، مقابل انسحاب جزئى روسى من بعض المناطق الحدودية، ما يشكل -عمليًا- تنازلًا كبيرًا من «أوكرانيا»، وسيُنظر إليه على نطاق واسع كتكريس لنتائج الحرب. ويذكر، أن هذا العرض الروسى لم يذكر أى بند يشير لاحتمالية نشوب الحرب مرة أخرى.

أما السيناريو الثانى، فهو الذى يسعى إليه الجانب الأمريكى والأوروبى، والذى يظهر فى التصريحات الصادرة عن (البيت الأبيض)، و(حلف الناتو)، فى رغبة منح «أوكرانيا» ضمانات أمنية.

وفى هذا الإطار، طرح رئيس الوزراء البريطانى فكرة تشكيل قوة منبثقة من (تحالف الراغبين)، تتمركز فى «أوكرانيا»، بعد وقف إطلاق النار، أو اتفاق سلام. ولكن، لم يفسر أحد -علنًا- شكل هذه القوة.

كما كان ضمن الأفكار المطروحة تشكيل (قوة حفظ سلام) متكاملة، تدعم وتكمل مهام الجيش الأوكرانى لأغراض دفاعية فقط؛ وهو ما علق عليه تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بوجود العديد من التحديات فى تقديم حماية حقيقية لأوكرانيا، عبر وجود قوات حفظ سلام مسلحة على الأرض، لأن ذلك سيتطلب آلاف الجنود من دول حلف (الناتو)؛ مؤكدًا أن ذلك يعد أمرًا معقدًا سياسيًا وعسكريًا، لأن الأوروبيين يخشون من تصعيد مباشر مع «روسيا» قد يفضى إلى حرب أوسع، والقلق الأوروبى -أيضًا- من الرأى العام الذى لا يسعى لحرب طويلة الأمد. 

وفى هذا الصدد، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى دراسة الغرب لعدة مقترحات، من بينها تشكيل (قوة فخ)، أى قوة أصغر بكثير من حيث العدد لقوات حفظ السلام، لا تتمكن من تدعيم القوات الأوكرانية بقوة مستقبلًا، لكنها قد تكون -من وجهة نظر الأوروبيين- عاملًا يدفع الروس للتردد فى المخاطرة بقتل جنود أوروبيين غير أوكرانيين فى أى مواجهة مقبلة.

من جانبها، اتفقت وسائل إعلام غربية، مثل: «أسوشيتد برس، ذا تايمز، فورين بوليسى» أن السيناريوهات الأبرز المطروحة أمام الأطراف -حاليًا- تتراوح بين: (تنازل «أوكرانيا» عن أجزاء كبيرة من أراضيها، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، وهو ما تسعى «روسيا» لتثبيته كواقع جيوسياسى جديد)؛ أو (استمرار الصراع مع تعزيز الدعم العسكرى لأوكرانيا من الغرب، مع احتمال وجود اتفاق سلام مؤقت، أو تجميد للنزاع كحل وسط يتم التفاوض عليه مستقبلًا).

فى النهاية، يمكن القول إن المشهد -حاليًا- تسوده أجواء من الترقب، والتفاؤل الذى يشوبه الحذر..فما يُصاغ -الآن- فى الغرف المغلقة، هو معادلة أمنية أوروبية جديدة، عنوانها «أوكرانيا»، وجوهرها منع تكرار الماضى دون أن تُحرق جسور المستقبل؛ وذلك عبر إيجاد سبيل يهدف إلى حماية دون عضوية، وردع دون إعلان حرب، وشراكة دون التزامات دائمة، ونهاية أزمة شرسة دون تجدد إشعالها.