لأننا ننتظر منه الكثير:
متى سيخرج «رامى صبرى» من عباءة «عمرو دياب»؟

محمد شميس
أعلم أن العنوان قاسٍ، وربما قاسٍ أكثر على قلب «رامى صبرى» نفسه قبل جمهوره. وأتوقع حالة الغضب والانفعال على السوشيال ميديا، لكن هذه هى طبيعة مهنتى: أقول ما يهرب الآخرون من قوله. و«رامى» يدرك جيدًا أننى من محبيه، بل سبق أن احتفظ بحلقة برنامجى «ربع تون» وشاركها بنفسه على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، وهذا ما يعطينى الحق أن أسأله بكل محبة: متى ستخرج يا «رامى» من عباءة «عمرو دياب»؟
لكن قبل أن يجيب رامى على هذا السؤال – الذى سيستغرق منه عملاً شاقًا على مدار الشهور القادمة إن أراد ذلك – دعونى أشرح لكم، وله أيضًا، لماذا يربط الجمهور «العام» بينه وبين «عمرو دياب».
هذا الأمر ليس جديدًا، بل بدأ منذ الأغنية الأولى الصادرة عام 2006 (حبيبى الأولانى)، وظهوره على بوستر الألبوم وهو يرتدى نظارة «ريبان» شمسية، وهى نفس النظارة التى ارتداها «عمرو دياب» فى كليب (ليلى نهارى) عام 2004، وبنفس قصة الشعر القصيرة، وبالقميص الأبيض نفسه، وحتى بطريقة فتح الأزرار من الأعلى.
الكليب ذاته كان من إخراج «طارق العريان»، وهو صاحب أهم النجاحات المصوّرة فى مشوار «عمرو دياب»، مثل (نور العين) و(راجعين)، وغيرهما من الأعمال الخالدة.
وما زاد من هذا الربط التقارير الصحفية التى صدرت وقتها، مؤكدة أن الفنان الشاب «رامى» درس الموسيقى قسم التأليف، وهو نفس تخصص دراسة «عمرو دياب». حتى الشكل الموسيقى فى (حبيبى الأولانى) وتقديم قوالب الـLatin Pop ،كان «عمرو» قد سبقه إليها، بل هو أول من قدّم هذا القالب فى الوطن العربى بتلك الجودة.
كل هذه العوامل جعلت الجمهور يربط بين «عمرو دياب» و«رامى صبرى»، حتى أصبح يقال فى الأوساط الفنية إن «رامى» هو النسخة المصغّرة من «الهضبة».
ما حدث كان كافيًا لانطلاقة «رامى» فى البداية، خاصة أنه موهبة عظيمة. وهذه هى أيضا عادتنا كمجتمعات عربية: دائمًا ما ننتظر خليفة لكل ناجح، حتى اليوم نجد أصواتًا تنادى بـ«جمال عبد الناصر» جديد و«أم كلثوم» جديدة، وآخرون يبحثون عن «شيخ مثل الشعراوى» من جديد!
هكذا هى عادتنا: البحث عن خليفة لكل شخصية مؤثرة فى وجداننا. ولذلك حدث ما حدث مع «رامى صبرى» فى البداية.
لكن الأزمة أن «رامى صبرى» لم يحارب هذا الشعور، بل استسلم له. ربما فرح بهذا الربط، وربما – كونه من محبى «عمرو» – سار على النهج نفسه. لا أدرى حقيقة، كى لا «أفتى» بما كان يدور فى عقله آنذاك، ولكنى متأكد أنه ساهم بأعماله الغنائية فى تكريس هذه الصورة الذهنية عنه.
أضف على أدلتى أيضا، اعتماده بشكل رئيسى على صنّاع نجاحات «عمرو دياب» فى أغانيه، بداية من «طارق توكل» الذى عرفناه من خلال تعاونه مع «عمرو دياب» فى أغنية (خلينا نشوفك) 2004. و«رامى» ظهر أصلًا بعد هذا الألبوم، وحتى الآن يعتبر «طارق توكل» من الأعمدة الرئيسية فى مشوار «رامى صبرى».
كذلك «تامر حسين»، الذى كتب لـ«عمرو دياب» أكثر من أى كاتب آخر فى مشواره، كان عنصرًا أساسيًا فى صناعة أعمال «رامى صبرى»، وكذلك «عزيز الشافعى» كملحن وككاتب. بل وصل الأمر إلى خلاف محتدم بين الثلاثى الأخير، بسبب أغنيات ضمها «عمرو دياب» إلى ألبوم (سهران)، بينما قال «رامى» إنها كانت مخصصة له، مثل (زى ما أنتى). وقتها حدثت وقيعة بين «تامر حسين ورامى صبرى وعزيز الشافعى»، لكنهم عادوا للعمل معًا فيما بعد.
كل ما أقوله هنا يبدو «بديهيًا»، ولا يحتاج إلى تخصص حتى يفهم الجميع لماذا يوجد هذا الربط الدائم بين «عمرو دياب ورامى صبرى».
لكن على المستوى الموسيقى المتخصص، هناك عوامل كثيرة تؤكد ما أقول، وأرجو أن يتأنى القراء فى هذه السطور التى قد تبدو «معقدة»، لكنها شر لا بد منه.
أنا بحبك أنت
فى ألبومه الأخير بدأ «رامى صبرى» بأغنية (أنا بحبك انت)، وهى أغنية تصنّف كـLatin Pop، بل تبدأ بـ«Loop» بركاشن مستخدم فى «Intro» أغنية (قمرين) التى تنتمى إلى القالب نفسه. حتى الكليب به مشاهد تكاد تتطابق مع مشاهد كليب (الليلة) لـ«عمرو دياب».
وبعيدًا عن استعادة الروح الموسيقية التى سبق أن قدّمها «دياب» فى (قمرين)، وقع «رامى صبرى» – كملحن – فى خطأ لم يلتفت إليه أحد، وهو اهتمامه بالتقطيعات النغمية لخدمة الإيقاع، على حساب معانى الكلمات.
فعندما نقرأ كلمات الأغنية بمعزل عن اللحن نجدها مفهومة، مثل:
«بلاش تمشى.. لسه عايز نص فرصة».
لكن تقطيعات «رامى» اللحنية جعلتها تُغنّى: «بلاش تمشى لسه.. عايز نص فرصة». فما معنى «بلاش تمشى لسه»؟ كلمة «لسه» هنا بلا معنى، إذ جرى اجتزاؤها وتقطيعها ولصقها فى موضع غير موضعها.
وللمفارقة المضحكة أن هذا الخطأ نفسه وقع فيه «عمرو دياب» فى أغنية (برج الحوت)، عندما اهتم «عمرو مصطفى» بتقطيع اللحن على حساب معنى الأغنية. فبعد أن كانت الكلمات: «ياللى انت عيونك بحر.. ليل ونهار فيها سحر»، أصبحت تُغنّى: «ياللى أنت عيونك بحر ليل ونهار.. فيها سحر فيها قلبى داب واحتار». فما معنى «عيونك بحر ليل ونهار»؟ لا معنى لها، إذ أفسد اللحن النص.
هذا يفضح حالة «الاستنساخ» عند «رامى صبرى» لمنهج «عمرو دياب»: الاهتمام بالجرس الموسيقى وتنغيم الكلمات على حساب المعنى.
تيجى نتصور
فى (تيجى نتصور) نجد أيضًا استنساخًا للهوية الموسيقية الخاصة بـ«عمرو دياب». كم مرة اعتمد «الهضبة» فى «سينيو» أغنياته على كلمات تعتمد على حروف الـ«أ» والـ«ى»، وكلمات مثل «يلا» و«الله»، مع تقطيع الجمل إلى مقاطع قصيرة تتشابك فيها الحروف، مثل «هالله هالله هالله» فى (العالم الله).
نجد «رامى صبرى» يكرر المشهد ذاته: «يالا يالا يالا»، مع جيتارات إسبانية تلعب على أسلوب «الفلامنكو».
وهذا المنهج هو فى الأصل «براءة اختراع» لـ«عمرو دياب» قبل أن يشرع «رامى» أساسًا فى دراسة الموسيقى، لا قبل أن يغنى فقط.
لا أريد أن أطيل أكثر بالأمثلة، فالمعنى صار واضحًا. وما أود قوله: لماذا أغنيات مثل (بين الحيطان) و(حياتى مش تمام) هى الأنجح فى مشوارك من حيث الجماهيرية؟
الإجابة بسيطة: لأنها لا تشبه أى فنان آخر.
إذن يا «رامى»، أثبتت التجربة أنك كلما ابتعدت عن المألوف فى السوق، وعن ما قُدّم من قبل – خاصة إن كان من تقديم النجم الأنجح والأكثر استماعًا، «عمرو دياب» – أصبحت مميزًا وامتلكت هويتك الخاصة وبصمتك المتفرّدة. وهذا ما يجب أن تراهن عليه فى أعمالك المقبلة.
وفى الختام، هل أنت راضٍ بغياب ألبومك الأخير عن صدارة قوائم الأكثر استماعًا رغم صدوره منذ شهر فقط؟! هناك ارتباط شرطى بين خصوصية ما تقدمه وبين الانتشار الجماهيرى.. والأرقام خير شاهد، ونحن ننتظر منك الكثير!