حين يتحول وجع التاريخ إلى ملحمة سينمائية:
«فلسطين36» الفن يقاوم أيضـًا

آلاء شوقى
لا شىء أكثر بلاغة من عدسة السينما حين تلتقط وجعَ التاريخ، وتحوله إلى صورة نابضة بالحياة.. وهذا ما تفعله المخرجة الفلسطينية «آن مارى جاسر» فى فيلمها الجديد (فلسطين 36)، الذى اختارته دولة «فلسطين»- رسميًا- لتمثيلها فى سباق جوائز (الأوسكار) الـ98 ضمن فئة (أفضل فيلم دولى)، والذى من المقرر أن يقام فى مارس 2026.
الفيلم الفلسطينى المقرر أن يُعرَض لأول مرة- عالميًا- فى مهرجان (تورنتو السينمائى الدولى) فى 5 سبتمبر المقبل، يروى تفاصيل الثورة العربية الفلسطينية الكبرى التى اندلعت عام 1936، هو عمل درامى تاريخى يستحضر لحظة مفصلية فى الصراع الفلسطينى مع الاستعمار البريطانى، ويتناول عبر سرد إنسانى عميق ومشحون بالعاطفة، قصة «يوسف» ذلك الشاب القروى، الذى يجد نفسَه ممزقًا بين هدوء قريته، وتقلبات مدينة «القدس» المشتعلة بالاضطرابات، والمقاومة، والتحولات الكبرى.
فبذكاء بصرى وتوازن سردى، تُعيد مخرجة الفيلم إحياء لحظة 1936، حين بدأ الفلسطينيون انتفاضتهم الكبرى ضد الانتداب البريطانى، ومشاريع التهجير والاستيطان اليهودى.
فالثورة، التى استمرت حتى عام 1939، شهدت مقاومة شعبية شرسة، واجهت خلالها «بريطانيا»، فى مشهد يعكس بداية الاصطدام العنيف بين حلم الفلسطينيين بالتحرر، ومصالح القوى الاستعمارية.
وبصناعة فنية عالية، وطاقم عمل دولى مميز، يضم أسماء لامعة، مثل «جيريمى آيرونز، وظافر العابدين، وهيام عباس، وصالح بكرى»، إضافة إلى مواهب شابة مثل «كريم داوود عناية» فى دور البطولة، يبدو أن «آن مارى»على وشك النجاح فى تقديم عمل ملحمى بأسلوب سينمائى متقن، بعيد عن الاستعراض البصرى، لكنه عميق فى قصته، دقيق فى توقيته.
ورغم النطاق الإنتاجى الواسع، وتمويل الفيلم من مؤسّسات عدة عالمية وعربية؛ فإن المشروع واجَه العديد من التحديات القاسية، أبرزها توقف التصوير بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، وانتقال بعض المَشاهد إلى «الأردن» المجاورة، قبل العودة الجريئة للتصوير فى بعض أراضى «فلسطين».
من جانبها، قالت مخرجة الفيلم، إن: «إنجاز (فلسطين 36) أصعب مشروع، وأكثره تحديًا فى حياتى... حلمت لسنوات بصنع فيلم عن ثورة 1936، لكننى أردته إنسانيًا، حميمًا، شخصيًا، من خلال الخيارات التى تغير الإنسان للأبد».
وانطلاقًا من فكرة أن التاريخ لا يُروَى فقط من الكتب أو انتصارات القادة، قررت «آن مارى» أن تركز على قصص الناس العاديين، وتفاصيل الحياة اليومية داخل «فلسطين» وسط الصراع، عبر عرض مَشاهد لجدة تحاول طمأنة حفيدتها، وعامل ميناء يغرق فى همومه، وشاب يبحث عن معنى الحياة فى خضم الفوضى، فى مشهد سينمائى لا يختلف عن الواقع الذى تعيشه الأراضى الفلسطينية المحتلة، سواء فى قطاع «غزة» أو «الضفة الغربية» فى الوقت الحالى.
ورغم كل ما مرّت به مراحل صناعة الفيلم، يبدو أن (فلسطين 36) يَخرج فى هذا التوقيت- ذى الدلالات الكبيرة- ليحمل رؤية سينمائية فريدة لفترة قلما تناولتها السينما العربية، فى سرد يجمع بين الحميمية والملحمية، وبين السياسة والوجدان، وبين الأرض وهوية الإنسان.
باختصار.. لا تسعى «آن مارى جاسر» بهذا الفيلم لتمثيل «فلسطين» فى المحافل الدولية فقط؛ بل لتثبت مرة أخرى أن السينما يمكنها أن تكون أداة مقاومة، ومصدرًا لذاكرة لا تموت.