الخميس 28 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
معركة مصر حتى تظل الخريطة عربية لا عبرية!

معركة مصر حتى تظل الخريطة عربية لا عبرية!

فى زمن يُدار فيه الوعى عن بُعد، وتُختطف فيه الحقيقة من الشاشات قبل أن تُقتل فى الميدان، تظل مصر وحدها واقفةً على حافة اللهب، تُقاوم ما لا يُقال، وتُفشل ما يُدبَّر فى الخفاء.



لم تكن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، سواء فى المؤتمر الصحفى مع رئيس فيتنام، أو فى كلمته اليوم التالى بالأكاديمية العسكرية، سوى جرس إنذار يُدق على أبواب الغافلين، وكشف حساب مبكر لمَن راهنوا على صمت القاهرة أو انحنائها أمام عاصفة التصفية الكبرَى.

إن ما يُرتكب فى غزة اليوم ليس فقط جريمة حرب؛ بل محاولة مُعلنة لإعادة رسم خريطة الإقليم، تبدأ من تذويب القضية الفلسطينية وتنتهى بتفكيك مفهوم الدولة الوطنية ذاتها.

الاحتلال لا يُخفى نواياه؛ اجتياح شامل، تطهير سكانى، تهجير من الجنوب، ثم «تصدير للأزمة» إلى سيناء بوصفها «مخرجًا إنسانيًا» لغزة التى يُراد دفنها بلا جنائز!  

لكن مصر، التى لم تتنازل يومًا عن دورها، لم تقف متفرجة؛ بل رفضت منذ اليوم الأول كل سيناريوهات التهجير، ورفضت أن تُقايض السيادة بالسلام، أو الإنسانية بالخديعة السياسية.

قالها الرئيس بوضوح: «مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية.. ولن تسمح بوقيعة بينها وبين الأشقاء الفلسطينيين».

بهذا الموقف، تضع القاهرة نفسها- مرة أخرى-  على خط النار، تقاتل لا فقط من أجل فلسطين؛ بل من أجل أن تظل الخريطة عربية لا عبرية، والذاكرة حية لا مُعادة التدوير.

وفى مواجهة هذا الموقف الشريف، تحضر جماعة الإخوان بأقنعة قديمة وخطاب أعيدت دبلجته.

بمنصات تعمل بالريموت من عواصم إقليمية ودولية، راحت تبث الأكاذيب؛ مصر تغلق المعابر، مصر تمنع المساعدات، مصر تتحالف سرًا مع الاحتلال…!

والحقيقة؟ أن مصر فتحت معبر رفح لأكثر من 250 يومًا متواصلاً منذ أكتوبر، واستقبلت أكثر من 40 ألف جريح، وأرسلت ما يزيد على 48 ألف طن من المساعدات الطبية والغذائية، وأقامت 3 مستشفيات ميدانية، وشاركت فى مفاوضات وقف إطلاق النار على كل المسارات.

لكن الجماعة، التى باعت القدس فى الظلام، لا تتحمل أن ترى مصر فى الضوء. فدورها- المعهود-  هو تشويه كل موقف وطنى، كلما تعارَض مع أجندة «تل أبيب بلغة عربية».

لقد اختارت مصر أن تكتب موقفها بالحبر والدم: لا للتهجير، لا لتذويب الهوية، لا لدفن فلسطين فى رمال سيناء.

ولم تُساوم على ذلك، رغم الضغوط الغربية، والضجيج الإقليمى، والابتزاز الإعلامى الرخيص.

إنها ليست حرب غزة فقط؛ بل حرب على الدور، على الدولة، على الثوابت.

ومصر؛ إذ تصمد فى هذه المعركة، لا تُدافع عن حدودها فقط؛ بل عن فكرة العدل حين يوشك العالم أن ينساه.

فما لا يقوله الإعلام، تقوله المواقف. وما لا تَقدر عليه الجيوش، تصنعه الكلمات الصلبة حين تصدر من عواصم تملك شرف التاريخ.

وهكذا تقاتل القاهرة وحدها- باسم الأمة كلها-  فى وجه مشروع تذويب الكرامة وتصدير الخراب… وتنتصر، لا لأنها الأقوى؛ بل لأنها الأصدق.

لكن المعركة لم تبلغ منتهاها بعد.

فالأسابيع المقبلة، كما تُلمح الوقائع وتُفصح بعض المواقف، ستكون ساحة اختبار حقيقى لمَن تبقى له ضمير فى هذا الإقليم. سيُطرح على الطاولة من جديد ذلك «الخيار المسموم» بتهجير الفلسطينيين تحت لافتات «الممر الآمن» أو «المنطقة الإنسانية»، وستُستدعى مصر- من جديد-  للعب دور الحائط الأخير، والدولة التى تقف بين ما يُخطط فى الغرف وما يُراد فرضه على الأرض.

لكن القاهرة، التى أدركت منذ اللحظة الأولى أن العدوان على غزة هو مقدمة لعدوان أكبر على الهوية والسيادة؛ لن تكون شاهد زور، ولن تسمح بتهريب الكارثة عبر حدودها، مَهما اشتد الحصار وتكاثر المُحرّفون.

فى ختام المشهد، ستتباين الأصوات، وتتعدد الروايات، لكن التاريخ- كما هو شأنه دائمًا-  سيكتب مَن وقف، ومَن ساوم، ومَن صمَت، ومَن خان.

ومصر، التى تحمل عبء الدفاع عن ما تبقى من فلسطين، ستظل تقاتل لا لتمنّ على أحد؛ بل لتقول للأجيال القادمة إن الكرامة لا مساوفة عليها، وإن الهوية لا تُمنح؛ بل تُنتزع، وتُحمَى، وتُدفَع فى سبيلها ضريبة الشرف