السبت 20 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

ما تأثير الدعم الفرنسى والبريطانى للقضية على مشروع حل الدولتين

زلزال الاعترافات الدولية بدولة فلسطين

بعد ليلٍ طويل من المأساة، بدا وكأن بصيصًا خافتًا من النور بدأ يشق طريقه وسط الركام، وإن جاء متأخرًا، ومتردد الخُطى.. فغزة، التى لا تزال تنزف تحت وطأة الحصار والقصف والخذلان، وجدت فجأة من يكسر الصمت الدولى باعتراف طال انتظاره، وكأن العالم بدأ يصحو على جريمةٍ ظنّ أنها ستُنسى تحت أنقاضها؛ وذلك بعد أن خرج صوت دبلوماسى من قلب «أوروبا»، يحمل ما يشبه الاعتذار المتأخر، حين أعلنت «فرنسا» ومن بعدها «بريطانيا» ثم «البرتغال» و«كندا» و«مالطا» للإعلان عن نيتهم بالاعتراف الرسمى بدولة «فلسطين»، هذه الخطوة التى اعتبرتها مصر والأشقاء العرب خطوة تاريخية تساهم فى تنفيذ حل الدولتين، وبما يكفل إقامة دولة فلسطين المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.



 خطوة تاريخية

فى موقف وصف بالتاريخى، أقدمت «فرنسا» على خطوة قلبت معادلات المشهد الدبلوماسى الأوروبى والعالمى على حد سواء، بإعلانها- الأسبوع الماضى- نيتها الاعتراف الرسمى بدولة «فلسطين» فى سبتمبر المقبل، لتصبح بذلك أول دولة غربية كبرى، وعضو فى مجموعة السبع (G7)، ومجلس الأمن الدولى، تُقدِم على هذه الخطوة. 

واتخذ القرار الفرنسى بالتوازى مع انعقاد (مؤتمر نيويورك الدولى) حول حل الدولتين، الذى انعقد بدعم مشترك من «فرنسا، والسعودية، والأمم المتحدة» فى 24 يوليو الماضى، وشارك فيه أكثر من 125 دولة، وهو المؤتمر الذى أعلن البيان الختامى للمؤتمر الاتفاق على اتخاذ خطوات ملموسة، ومرتبطة بإطار زمنى ولا رجعة فيها، من أجل تسوية قضية «فلسطين»؛ مشيرًا إلى دراسة إنشاء بنية أمنية إقليمية، فى سياق قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، توفّر ضمانات أمنية للجميع؛ داعيًا لإنشاء لجنة إدارية انتقالية فورًا، بعد وقف إطلاق النار، لتولى إدارة شئون «غزة» تحت مظلة السلطة الفلسطينية.

وما لبث أن مرت ساعات قليلة حتى أعلنت «بريطانيا»- أيضًا- أنها ستعترف بدولة «فلسطين» فى سبتمبر المقبل، إلا أن رئيس الوزراء البريطانى «كير ستارمر» ربط هذا الاعتراف بخطوات ملموسة من الاحتلال الإسرائيلى، إذ قال إن بلاده ستعترف بفلسطين ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات لإنهاء الوضع المروع فى «غزة»؛ معتبرًا أن هذا الاعتراف يأتى لحماية حل الدولتين.

وفى 31 يوليو أعلنت كندا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2025، تليها دولة البرتغال ومالطا؛ حيث وصل عدد الدول الغربية التى أعلنت نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى 15 دولة، هى: «فرنسا، وكندا وأستراليا، وأندورا وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورج ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا».

 دعم مصرى للخطوات الغربية

وجاء الدعم المصرى للحراك الغربى الأخير ليؤكد على أهمية الخطوة التاريخية للاعتراف الغربى بالدولة الفلسطينية والذى يسهم فى تجسيد الدولة الفلسطينية التى طالما نادت مصر والدول العربية بتحقيقها. 

وجددت مصر دعوتها لجميع الدول التى لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية على الإسراع باتخاذ تلك الخطوة للوقوف على الجانب الصحيح فى التاريخ، وكإسهام نحو تنفيذ حل الدولتين، وبما يكفل إقامة دولة فلسطين المستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

 «باريس».. وكسر الجمود السياسي

وفى ظل واقع دولى باتت فيه القوى الكبرى تفرض سياساتها بأدوات الهيمنة، جاءت الخطوة الغربية التى بدأت بخطوات فرنسية- بالاعتراف- كمحاولة لإعادة الاعتبار لفكرة القانون الدولى، وتوازن القوة بالدبلوماسية، لا بالأسلحة.

فخلال إعلان نية باريس الاعتراف بفلسطين، قال الرئيس «إيمانويل ماكرون»، إن: «الحاجة مُلحة اليوم لإنهاء الحرب فى غزة وإنقاذ المدنيين... علينا فى نهاية المطاف بناء دولة فلسطين»؛ معتبرًا أن انتظار حل شامل ليس حلًا بحد ذاته.

هذا الاعتراف لم يكن فقط دافعًا من السياسة الخارجية الفرنسية فحسب؛ بل كان ثمرة ضغوط داخلية متراكمة- أيضًا- بعد ضغوط شعبية داخلية، شملت احتجاجات جماهيرية، وحملة برلمانية من نواب اليسار والخضر، إلى جانب دعوات لدفع «فرنسا» إلى اتخاذ موقف ملموس فى دعم القانون الدولى، وحق الشعوب بتقرير مصيرها.

التأرجح الغربى بين الانقسام والتردد

رغم مشاركة معظم دول «الاتحاد الأوروبى» بمؤتمر نيويورك؛ فإن مواقفها من قضية الاعتراف بدولة «فلسطين» لا تزال متباينة بين مؤيد، ومُعارض، ومتردد. 

ففى الوقت الذى رحبت كل من دول: «إسبانيا، وإيرلندا، والنرويج» وغيرها بالاعتراف الفرنسى؛ أكدت «ألمانيا» - فى المقابل- أنها تفضل بقاء القرار فى إطار مفاوضات سلام مباشرة، ورفض المبادرات أحادية الجانب؛ حيث قالت الحكومة الألمانية، إن «برلين» لا تزال تدعم حل الدولتين، لكنها لن تعترف بدولة فلسطينية فى الوقت الحالى.

كما أوضح وزير الخارجية الإيطالى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يعنى- أيضًا- الاعتراف بإسرائيل كدولة.

أمّا فيما يخص الموقف المتردد؛ فبرز أكثر فى الدول خارج «الاتحاد الأوروبى»، ومن بينها، حكومة «أنتونى ألبانيزى» فى «أستراليا» التى أكدت أنها تدعم- من حيث المبدأ- حل الدولتين، لكنها أكدت أنها تدرس بعناية تداعيات أى اعتراف رسمى فى هذه المرحلة، خشية أن يُعتبر ذلك تقويضًا لفرص التفاوض.

أمّا اليابان فلا يزال الموقف هناك يتسم بالحذر حتى الوقت الراهن.

 «بريطانيا» من التردد لتأييد مشروط

بعد اعتراف «فرنسا»، عبرت «بريطانيا»- فى البداية- عن دعم مبدئى لقيام دولة فلسطينية، لكنها اعتبرت أن الاعتراف الرسمى يجب أن يكون بالتوقيت المناسب، دون الإشارة إلى هذا التوقيت. 

ومع ذلك؛ فبعد عقد رئيس الحكومة البريطانية «كير ستارمر» اجتماعًا طارئًا لمجلس الوزراء الثلاثاء الماضى؛ لمناقشة الوضع فى «غزة»، وخطة سلام مقترحة، فى وقت يتعرض فيه لضغوط متزايدة من حزبه وأحزاب أخرى للاعتراف بدولة فلسطينية، أعلن «ستارمر» قرار الاعتراف بفلسطين، ما قد يسمح بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، ويؤدى إلى تعيين سفير فلسطينى (بدلًا من رئيس بعثة) فى «لندن»، وسفير بريطانى فى «فلسطين». 

 مجلس الأمن وتوازن القوى الجديد

فى سابقة غير معهودة ستكون «فرنسا» الدولة الغربية الوحيدة بين الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن، التى تعترف رسميًا بدولة «فلسطين»، لتنضم بذلك إلى «الصين، وروسيا»؛ بينما تبقى «الولايات المتحدة» وحدها داخل المجلس.. بينما تدرس «المملكة المتحدة» موقفها بعناية حتى لا تصبح أقلية فى المجلس.

وعليه؛ فإن هذا التحول فى ميزان المواقف، يُنظر إليه على أنه قد يؤثر على طبيعة النقاشات المستقبلية فى الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وربما يفتح الباب أمام مقترحات جديدة؛ لتوسيع نطاق الاعتراف الدولى بدولة «فلسطين»، أو منحها عضوية كاملة فى الهيئة الأممية. ومع ذلك؛ فهو أمر لا يزال رهين (الفيتو) الأمريكى التقليدى.

 الاعتراف قد يبدأ معركة دبلوماسية مع الاحتلال

من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور «أيمن الرقب» إن الاعتراف الفرنسى يأتى فى توقيت مهم جدًا، فى ظل فقدان الأمل فى «غزة» مع استمرار الاحتلال فى ممارساته ضد الأراضى والشعب الفلسطينى، باعتبار أن فرنسا إحدى دول (G7).. مرجحًا أن الاعتراف الفرنسى سيفتح المجال أمام اعترافات دولية أخرى.

كما توقع أن هذا الاعتراف قد يبدأ معركة دبلوماسية قد تكون طويلة مع الاحتلال؛ لأن الاعتراف لا يعنى إقامة دولة فلسطينية بالمستقبل القريب ولكنه يعطى دفعة كبيرة جدًا للشعب الفلسطينى، وتؤهل لمتغيرات مهمة فى المشهد القادم.

 ما الذى قد يحدث بالمسقبل القريب؟

رغم ضبابية المشهد بنسبة كبيرة؛ فإن عددًا من المحللين السياسيين حاولوا دراسة الموقف الأوروبى للاعتراف بدولة «فلسطين»؛ حيث رجح البعض أنه من بين الدول التى قد تسير على خُطى «فرنسا» قد تكون «بلجيكا»؛ خصوصًا بعد إعلان «مالطا» بمنتصف الأسبوع الماضى أنها ستعترف- أيضًا- بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر سبتمبر المقبل؛ وذلك باعتبار أن الدولتين من أقرب الحلفاء السياسيين لفرنسا. 

فى النهاية؛ قد تكون «فرنسا»، ومن بعدها «بريطانيا» أطلقتا الشرارة الأولى لإحداث زلزال فى الموقف الأوروبى والغربى، والتأثير على حلفاء رئيسيين آخرين. ومع ذلك؛ يكمن التحدى- الآن- فى ترجمة الاعتراف إلى ضغط دبلوماسى موحد، وآليات متماسكة فى مجلس الأمن، إلى جانب دعم مالى وسياسى لفلسطين، وتجاوز فكرة الأداء الخالى من التزامات ملموسة.