ما بين مخططات الأحتلال وتعنت حماس
لماذا تفشل مفاوضات الهدنة؟

مروة الوجيه
فى ظل تعثر مفاوضات التهدئة وانسحاب الوفدين الأمريكى والإسرائيلى من جولة الدوحة الأخيرة، تتجه الأنظار نحو مستقبل قطاع غزة الذى يواجه خيارات مصيرية.
وما بين إمكانية الضم الجزئى، والخطط الأمنية للسيطرة على الشريط الحدودى، وملاحقة قادة المقاومة، تسعى إسرائيل لإعادة رسم خارطة سيطرتها على القطاع.
هذا المشهد يثير تساؤلات حول الدور الذى ستلعبه واشنطن والدول العربية، ومدى قدرة الدبلوماسية على إيجاد مخرج للأزمة التى تهدد بتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة.
خطط الضم
فى تطور مفاجئ، أعلن المبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يوم الرابع والعشرين من يوليو، إنهاء جولة مفاوضات التهدئة فى الدوحة وسحب فريقه التفاوضى، متهمًا حركة حماس بعدم التصرف «بنية حسنة». وكتب ويتكوف فى منشور على منصة «إكس»: «رغم الجهود الكبيرة من الوسطاء، فإن حماس لا تتصرف بنية حسنة. سنبدأ الآن فى دراسة خيارات بديلة لإعادة الرهائن وخلق بيئة أكثر استقرارًا لسكان غزة».
منذ إعلان واشنطن ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الانسحاب من مفاوضات الدوحة، تواترت الأحاديث الأمريكية والإسرائيلية على مدار ستة أيام عن خطط بديلة. تشمل هذه الخطط احتلال أراضٍ جديدة فى غزة حال فشلت المفاوضات، بالإضافة إلى التلويح باغتيالات لقادة حماس أو ملاحقتهم بالعقوبات المالية.
كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن اتجاه نتنياهو لعرض خطة على المجلس الوزارى المصغر (الكابينت) لـ«ضم أراضٍ فى قطاع غزة، فى محاولة للإبقاء على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فى حكومته». ووفقًا لـ«هآرتس»، فإن نتنياهو ذكر أنه حصل على «ضوء أخضر» من إدارة دونالد ترامب لهذه الخطة، التى تقضى بمنح حماس عدة أيام للموافقة على وقف إطلاق النار، وفى حال عدم موافقتها، ستبدأ إسرائيل فى ضم أراضى القطاع.
كما ذكرت شبكة «إيه بى سى نيوز» الأمريكية أن نتنياهو يدرس ضم أراضٍ فى غزة إلى بلاده إذا لم توافق حماس على خطة لوقف إطلاق النار، نقلًا عن مصدر قوله: إن «ضم أراضٍ فى غزة هو واحد من عدة خيارات يدرسها نتنياهو فى حال لم توافق حماس على وقف إطلاق النار». فى المقابل، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من الضم التدريجى لقطاع غزة، معتبرة إياه مقدمة للتهجير وتقويضًا لفرصة تجسيد الدولة الفلسطينية.
البدائل الإسرائيلية
مع إعلان المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف انتهاء الجولة التفاوضية فى الدوحة وعودة الوفد، مؤكدًا أن «رد حماس الأخير لا يظهر رغبة حقيقية فى التوصل لاتفاق هدنة»، دفع ذلك بإسرائيل والولايات المتحدة للنظر فى «خيارات بديلة» لتحقيق أهدافهما الأمنية وإعادة محتجزيهما. ووفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، تدرس تل أبيب ثلاثة خيارات بديلة حال فشل المفاوضات:
1- غزو شامل أو عمليات محدودة: ناقشت المحافل العسكرية والدائرة الأمنية الإسرائيلية عمليات برية واسعة لاستعادة الرهائن والسيطرة على البنى التحتية لحماس فى غزة، رغم المخاطر العالية على المدنيين والأسرى المحتملين.
2- ضم أراضى غزة: وفق تصريحات لمصدرين مطلعين لـ«وول ستريت جورنال»، فإن نتنياهو يدرس خطة لضم أراضٍ فى قطاع غزة، فى حال لم توافق حركة حماس على مقترح لوقف إطلاق النار.
3- الاحتضان السياسى الدولى: يطرح معارضون إسرائيليون خطة وسطية واقعية، قائمة على تبادل المحتجزين مقابل تبنى حكم مدنى مؤقت فى غزة برعاية عربية وأممية، وانسحاب جزئى للجيش مع إشراف دولى على الحدود.
الخطوط الحمراء
كانت وزارة الخارجية المصرية بقيادة الدكتور بدر عبد العاطى مستعدة للخطوة الأمريكية الإسرائيلية. سرعان ما طرحت القاهرة مبادرة لإطلاق مساعدات عاجلة وضمانات لإنهاء القتال، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وفى إطار هذه الجهود، أشار عبد العاطى إلى أن القاهرة تستعد لعقد مؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة عبر صندوق عالمى، شريطة تبنى وقف شامل لإطلاق النار وإرادة أوسع من طرفى النزاع. وأكد أن القاهرة ترفض الاقتراحات القاضية بـ«تهجير كلى» أو «ضم مباشر»، وتطرح بدلًا من ذلك «حوكمة انتقالية» يشارك فيها الوسطاء الدوليون.
شهدت مفاوضات الدوحة فترة ثبات، وربما ليس انهيارًا كاملًا رغم إعلان واشنطن انتهاءها. فحماس، على الرغم من التدهور الإنسانى، لا تزال متمسكة بـ«وقف دائم مقابل تبادل كامل»، خشية الوقوع فى صفقة مؤقتة تتكرر لاحقًا. وإسرائيل ترفض التخلى عن هدفها الأساسى الذى سمته «تفكيك حماس»، وتصر على حصول ضمانات أمنية تحول دون استنساخ الحركة مجددًا.
من زاوية واشنطن، يرى المحللون أن إدارة ترامب تتعاطف مع مطالب إسرائيل الأمنية، بينما الدول الأوروبية ترفض الضم وتطالب بحل سياسى على أساس حدود عام 1967. كما أن الإدارة الأمريكية فقدت الإرادة الحقيقية لإرغام إسرائيل على قبول نتائج تفاوضية مقبولة للطرفين.
الخيارات الكبرى
تتمحور الخيارات الكبرى لمستقبل غزة حول عدة سيناريوهات:
• خيار الضم التدريجى: إذا رفضت حماس التوصل إلى توافق خلال أيام، قد تبدأ إسرائيل ضم أجزاء استراتيجية تدريجيًا من غزة، بدءًا بمناطق قرب السياج، ثم التوسع نحو المركز، وهو سيناريو قيد المناقشة مؤخرًا.
• خيار «المدينة الإنسانية»: هذا المشروع الذى وضع قيد التجميد، يرتكز على إسكان مئات الآلاف من الفلسطينيين فى منطقة مراقبة برفح الفلسطينية تحت سيطرة كاملة لإسرائيل. أدركه النقاد كمشروع للإبعاد الديموغرافى.
• خيار التهدئة المشروطة: ما زال هذا الخيار مطروحًا من خلال تبادل المحتجزين ووقف محدود، ثم تخفيض تدريجى للتصعيد مع إعادة إعمار بإشراف دولى، لكنه مرفوض من قبل حماس.
فى المشهد الراهن، غزة تمر بحالة كابوسية، وهى الضحية والرهينة المعنوية لخيارين متوازيين: أحدهما تفاوضى مشروط، والآخر احتلال توسعى، عبر ضم جزئى أو احتلال كامل، أو مشروع تهجير، أو استمرار الحصار، وهو ما قد يؤدى إلى إعادة رسم الخرائط جغرافيًا وسياسيًا لصالح إسرائيل. الموقف الدولى يتجه نحو قلق متزايد، والتضييق الأوروبى والدولى يتزايد، لكن أيضًا معاناة المرضى فى غزة والمحتجزين فى إسرائيل دفعت بعض صناع القرار إلى البحث عن مخرج لهذه الأزمة.
فى النهاية، قد يُبقى التفاوض والتهدئة غزة على الخارطة، لكن الضم والتطهير يعيدان الكتابة الجغرافية لمشهد إقليمى لم يكن أحد ليتخيله قبل عامين.