الأحد 20 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الدولة تحت النار.. اشتباكات فى السويداء وغارات إسرائيلية على دمشق

سوريا أكبر من الشرع!

تعيش سوريا منذ منتصف يوليو الجارى تصعيدا دراميا جديدا، أعاد إلى الأذهان مشاهد العنف الطائفى والمعارك العسكرية التى طبعت سنوات الحرب الأهلية، رغم مضى أكثر من ستة أشهر على سقوط نظام الأسد.



 

فى قلب هذا التصعيد، تقف محافظة السويداء، المعقل التاريخى لطائفة الموحدين الدروز، مسرحًا لاشتباكات دامية بين القوات الحكومية السورية وفصائل محلية، فى ظل تدخل عسكرى إسرائيلى مباشر زاد من تعقيد المشهد.

وبعد أشهر قليلة من تسلمه السلطة، يثبت أحمد الشرع (الجولانى سابقا) القادم من صفوف الإرهاب أنه ليس أكثر من نسخة جديدة للفوضى فى سوريا، لكن هذه المرة بغطاء دينى وبتوقيع حكومة تدّعى «التمثيل الثوري».

نار تحت الرماد تنفجر

اندلعت شرارة الاشتباكات فى محافظة السويداء، جنوب سوريا، صباح الأحد 13 يوليو، إثر حادثة اعتداء على أحد أبناء الطائفة الدرزية من قبل مسلحين ينتمون لعشائر بدوية موالية للحكومة، على طريق عام، وفق ما أعلنه «المرصد السورى لحقوق الإنسان».

ما تشهده محافظة السويداء ليس إلا نتيجة مباشرة لسياسات التطهير الطائفى والمذهبى التى مارسها الشرع وفريقه منذ أن سيطر على دمشق فى ديسمبر 2024، عقب سقوط نظام الأسد. فقد رفضت الطائفة الدرزية، تاريخيا، الانخراط فى مشاريع الطغيان سواء كانت بعثية أو دينية، وهو ما جعلها هدفا لمخطط إقصائى بدأت فصوله تتكشف اليوم.

حملات الإقصاء والتهميش

منذ وصوله إلى الحكم، بدأ الشرع بتنفيذ موجات من الإقصاء ضد الأقليات، مستبدلًا مؤسسات الدولة بأذرع مسلحة عقائدية موالية له. ورغم وعود «المصالحة الوطنية» التى أطلقها فى خطاب تنصيبه، إلا أن الواقع كشف عن نوايا تطهير مذهبى بحت، تجسدت فى استبعاد أبناء الطائفة الدرزية.

تدهور الوضع سريعًا، ليتحول إلى مواجهات مسلحة شاملة بين مجموعات درزية مسلحة، تمثل قوى محلية دافعت عن المحافظة طيلة سنوات الحرب، وبين قوات من الجيش السورى، حيث اعتبر أبناء المحافظة التحرك العسكرى تدخلًا عدائيًا هدفه تقويض استقلاليتهم الإدارية.

وخلال أربعة أيام فقط، ارتفعت حصيلة القتلى إلى أكثر من 200 قتيل، معظمهم من المدنيين والمقاتلين المحليين، بحسب المرصد.

اتفاق هش لوقف النار

فى 16 يوليو، وبعد وساطات دينية من دار طائفة المسلمين الموحدين، وقّع شيخ العقل يوسف جربوع اتفاقًا مع الحكومة السورية لوقف إطلاق النار، تضمّن بنودًا متعددة، من أبرزها:

ـ وقف شامل للعمليات العسكرية وعودة الجيش إلى ثكناته.

ـ تشكيل لجان مراقبة مشتركة بين الدولة ومشايخ الطائفة.

ـ دمج عناصر الأمن المحليين من أبناء السويداء ضمن مؤسسات الدولة الأمنية.

ـ تنظيم وضع السلاح الثقيل خارج إطار الدولة.

ـ إعادة تشغيل المؤسسات العامة وتأمين الخدمات الأساسية.

لكن الاتفاق لم يحظَ بإجماع داخلى، إذ رفضه الرئيس الروحى الآخر للطائفة، الشيخ حكمت الهجرى، معتبرًا أنه «لا تفاوض مع الحكومة قبل محاسبة المتسببين فى إراقة الدماء».

إسرائيل على الخط

ما رفع وتيرة التوتر أكثر هو تدخل جيش الاحتلال الإسرائيلى المباشر فى مسرح الأحداث. ففى 15 و16 يوليو، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات على مواقع للجيش السورى فى محيط السويداء وفى قلب العاصمة دمشق، فى ضربة نادرة تستهدف مقر رئاسة الأركان العامة ومحيط القصر الجمهورى.

وصرّح وزير الدفاع الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، فى بيان علنى، أن الجيش «لن يتهاون فى حماية الدروز داخل سوريا»، مهددًا بمزيد من التصعيد إذا لم تنسحب القوات السورية من السويداء.

أزمة حكم

تأتى هذه التطورات بعد أشهر من سقوط حكم الأسد فى ديسمبر 2024 على يد تحالف الميليشيات المسلحة التى سيطرت على العاصمة، وتعيين الجولانى، رئيسًا انتقاليًا للبلاد، بعدما تبدل إلى أحمد الشرع طبعا.

لكن الحكومة الجديدة تواجه تحديات جسيمة فى فرض سيطرتها الكاملة، لا سيما فى الجنوب الغربى من البلاد، حيث ترفض الطائفة الدرزية الاندماج الكامل تحت سلطة مركزية لا تطمئن إلى نواياها.

ووفق تقرير منشور فى نيويورك تايمز، فشلت الحكومة الجديدة فى استيعاب الميليشيات الدرزية ضمن الجيش الوطنى، وهو ما أضعف ثقة السويداء بالسلطة المركزية، وأبقى التوتر قائمًا، حتى انفجر أخيرا.

الموقف العربى والدولى

توالت الإدانات العربية للغارات الإسرائيلية، حيث أصدرت وزارات خارجية مصر والعراق والأردن والسعودية وقطر والكويت بيانات شديدة اللهجة.

وصفت مصر الهجمات بأنها «انتهاك خطير للقانون الدولي»، محذّرة من تصعيد يقوّض الاستقرار الإقليمى.

والأردن أعرب عن تضامنه الكامل مع سوريا ووحدة أراضيها. فيما اعتبرت الخارجية السعودية الغارات الإسرائيلية خرقا لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974.

وضع كارثى 

تفاقمت الأزمة الإنسانية فى السويداء بشكل لافت. فقد تعرّض المستشفى الوطنى فى المدينة لخمس قذائف ورشقات نارية صباح الأربعاء 16 يوليو، ما أدى إلى تعطل قسم الإسعاف بالكامل، وتسرب المياه إلى غرف العلاج بعد تضرر خزانات المياه، بحسب تصريحات مدير صحة السويداء أسامة قندلفت. الذى أشار إلى نقص حاد فى المستلزمات الطبية والكوادر، وتحول بهو المستشفى إلى غرفة عمليات طارئة.

حرب جديدة

تتزايد المخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية جديدة ذات طابع طائفى، خصوصًا مع تصاعد الاحتقان بين الطوائف، ودخول أطراف خارجية مثل إسرائيل على خط النزاع.

يزيد من تلك المخاوف ما شهدته سوريا فى مارس الماضى من مذبحة طائفية راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص من الطائفة العلوية فى الساحل، وتبع ذلك أحداث عنف مماثلة فى محيط دمشق خلال مايو.

تؤكد أحداث السويداء الأخيرة أن سوريا ما بعد الأسد لم تجد طريقها بعد نحو الاستقرار الحقيقى. فالدولة التى شهدت واحدة من أكثر الحروب دموية فى القرن، لا تزال غارقة فى صراعات الهوية والثقة، وساحة مفتوحة للتدخلات الإقليمية والدولية.

 تكتب الصراعات السورية رسالة بالدم بعلم الوصول.. مفادها أن الإرهاب لا يقدر على إدارة الدول.. حتى لو جاء محمولا على أكتاف الثائرين.. وحتى لو تحول الجولانى إلى «شرع»..  وأن الجيوش الوطنية الحقيقية لا تبنى بالميليشيات والمتطرفين والمتجنسين. 

نحن أمام دوامة عنف جديدة قد تكون أكثر تعقيدا.. تؤكد أن الدولة أكبر من أن يحكمها «الشرع».