
هاني لبيب
مصر أولا.. من الفاشية الدينية إلى الدولة المدنية المصرية.. 3 يوليو انتصار المصريين على وهم الشرعية الإلهية
تمر هذا الأسبوع.. ذكرَى فاصلة فى التاريخ المصرى الحديث، حينما اجتمع فى 3 يوليو سنة 2013 كل من: الكنيسة المصرية والأزهر الشريف والقوات المسلحة المصرية مع رموز وطنية أخرى فى مشهد غير مسبوق بين المواطنين المصريين والدولة.. لتحديد مصير وطن بدا كأنه يتجه إلى طريق التفكك والانقسام والحرب الأهلية باسْم الدين وتوظيفه واستغلاله بعد عام واحد فقط من حكم جماعة الإخوان الإرهابية.
ما حدث بعد ثورة 30 يونيو العظيمة، وبلغ أقصاه مع صدور بيان 3 يوليو، لم يكن مجرد لحظة سياسية فارقة فى تغيير السلطة الحاكمة؛ بل كان لحظة وطنية وسيادية بالدرجة الأولى، قاد فيها المواطنون المصريون المواجهة الحاسمة من أجل استعادة الدولة الوطنية المصرية المختَطَفة.
كانت لحظة مواجهة وصدام بين مشروع الدولة المدنية المصرية ومشروع الجماعة الدينية الفاشية. وهى لحظة كاشفة بين تيار وطنى.. يرى الشرعية بمثابة عقد وميثاق بين الحاكم والمحكوم، وبين تيار إقصائى واستبعادى.. يرى الشرعية بمثابة تفويض إلهى ومحصن ضد الإرادة الوطنية والشعبية.
تجاوز صندوق الانتخاب
بعد فوز محمد مرسى برئاسة الجمهورية سنة 2012، تفاقمت مخاوف قطاعات واسعة من المواطنين المصريين بدرجات غير مسبوقة. كما أن وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى السلطة لا تعنى إدارة الدولة بل تفكيكها وتقسيمها، وإعادة بنائها بشكل مشوَّه.. وفق عقيدتهم التنظيمية والدينية.. لقد اختزلوا مؤسّسات الدولة.. فى جماعتهم، وبدأت عملية إعادة هيكلة كواليس الدولة المصرية بشكل خفى؛ لاستبدال الولاء الوطنى بولاء أيديولوجى فاشٍ.
كان الإعلان الدستورى الذى صدر فى شهر نوفمبر سنة 2012.. نقطة الانفجار، بعد أن منح محمد مرسى نفسَه سلطات مطلقة فوق القضاء والدستور ومحصنة ضد أى اعتراض. لقد سقطت حينها كل أقنعة «الديمقراطية»، واكتشف الشعب المصرى.. أن هدف مشروع الجماعة الإرهابية هو الاستيلاء الكامل على السلطة، وليس المشاركة.. فبدأ الشعب فى تنظيم موجات احتجاج جديدة، وتصاعدت تلك الاحتجاجات حتى انفجرت فى 30 يونيو 2013، حينما نزل ملايين المصريين فى أكبر حشد شعبى فى تاريخ مصر للمطالبة بإسقاط حكم الجماعة الإرهابية.
3 يوليو 2013.. اصطفاف وطنى بين الدولة المصرية العريقة وبين الدولة العميقة الشعبية.. إن تدخُّل الجيش لم يكن رغبة فى الحكم؛ بل ضرورة لوقف انزلاق الدولة نحو انهيار حتمى.
المسمار الأخير
لا يمكن لأحد أن ينكر أن أخطر ما واجهته مصر بعد قيام ثورة 30 يونيو.. ليس الفقر والبطالة؛ بل مواجهة ما حدث من اختطاف الدولة من داخلها، بعد أن استطاعت جماعة الإخوان الإرهابية أن تروّج عن نفسها خطاب المظلومية الذى ثبت كذبه وفشله خلال عام واحد فقط فى الحكم، وهو العام الذى أثبتت فيه أنها جماعة فاشية.. لا تؤمن بكيان الدولة الحديثة، ولا تؤمن بفكرة التعددية.
استهدفت جماعة الإخوان الإرهابية خلال عام حكمها السيطرة على الإعلام، وعزل القضاة، وتأميم المجتمع المدنى، وربط السياسات الخارجية بأجندات دولية.. جاوزت مصالح الدولة المصرية، وعلى سبيل المثال: تلك العلاقة المشبوهة مع التنظيم الدولى للإخوان، ومثلها تلك العلاقة المشبوهة مع جميع تنظيمات وتيارات الإسلام السياسى بما فيها المتطرفة والمتشددة والمتعصبة والسلفية والإرهابية.. وكأن مصر قد تحولت فى غفلة من الزمن إلى فرع محلى من كيان عالمى إرهابى غامض.
هذا السلوك الإقصائى الإخوانى.. لا يُعبر فقط عن سوء إدارة؛ بل أيضًا عن فشل واضح فى فهم معنى الوطن.. فكريًا ومؤسّسيًا. ومن هنا، لم يكن خروجهم من السلطة مجرد هزيمة سياسية؛ بل نهاية لمشروع أيديولوجى لا يعيش إلا فى الظل، ويسقط عند أول مواجهة مع المجال العام.
مفاجأة حزب الكنبة
حزب الكنبة هو الكتلة الصامتة من المواطنين.. التى بقيت هكذا لسنوات طويلة حتى أثبتت التجربة العملية العكس.. وتحركت الكتلة الصامتة فى اللحظة الحرجة؛ دفاعًا عن الهوية المصرية والدولة، وليس عن مصالح شخصية أو فئوية أو دينية.
الملايين التى خرجت فى ثورة 30 يونيو.. كانت تملك وعيًا سياسيًا وطنيًا، وهى نفسها التى استشعرت خطرًا على وجود كيان الدولة، فقررت أن تتدخل بشكل مباشر.
لم تكن ثورة أحزاب أو نخب فى أبراج عاجية؛ بل ثورة شعب استعاد إحساسه بالمسئولية، تحت شعار «لا لحكم الجماعة».
وهْمُ الشرعية
لا يمكن أن نختزل الشرعية فى صندوق الاقتراع حسب المفاهيم السياسية الحديثة؛ ولكن يتم بناؤها والحفاظ عليها من خلال الأداء السليم، والتوافق فى الأهداف، والاحترام المتبادل بين الدولة ومواطنيها. غير أن الإخوان اختزلوا الشرعية فى عملية انتخابية واحدة، وكأنها شيك على بياض.. على المواطنين المصريين دفْعه. وهو التصور الافتراضى المشوّه الذى رفضوه.. مما تسبب فى إسقاط شرعيتهم الشكلية والوهمية التى افتقدت لمحتوى سياسى حقيقى.
والنتيجة؛ هى أن جماعة الإخوان الإرهابية التى وصلت بالانتخاب ونتيجة الصندوق.. هى نفسها التى سقطت بصوت الميادين.
مصر تعود لأبنائها
بعد 3 يوليو 2013، فتح باب النقاش الواسع عن المواطنة باعتبارها إحدى ركائز النظام السياسى، وكان من الواضح، أن مشروع جماعة الإخوان الإرهابية قائم على إقصاء كل ما هو مختلف عن توجهاتها، كما ترفض الاعتراف بالتنوع الثقافى والدينى والسياسى فى المجتمع المصرى.
فتح سقوط هذا المشروع.. المجال أمام خطاب سياسى جديد.. يمثل المواطن فيه الأولوية الأولى.. دون أن يمتلك أحد صكوك الوطنية أو التفويض الإلهى. ولذا تمت استعادة المطالبات بعودة الدولة المدنية المصرية.. التى تحتكم إلى الدستور؛ وليس للنصوص الدينية، كما أنها تساوى بين المصريين دون وسطاء أيديولوجيين من أصحاب التوجهات المزعجة.
إعادة بناء
فى مرحلة ما بعد الإخوان، واجهت الدولة المصرية تحديًا مزدوجًا.. خلال مرحلة ما بعد سقوط جماعة الإخوان الإرهابية. بداية من إعادة بناء مؤسّسات الدولة، مرورًا بحماية السيادة، ووصولاً إلى رفض تفكيك الدولة الذى بدأ بالفعل خلال وصولهم للحكم على المستويين السياسى والمؤسّسى.
بعد 3 يوليو 2013، تم اتخاذ عدة إجراءات، على غرار: كتابة دستور جديد، وانتخاب رئيس جديد، ثم برلمان منتخب.. وهى جميعها مبادرات لاستعادة شرعية الدولة الوطنية من مصدرها الحقيقى من الشعب والمؤسّسات وليست الجماعة والتنظيم. توجيه رسالة بأن الدولة ليست مجرد سلطة؛ بل تحافظ على التنمية، وتشجع المشروعات الكبرى فى الاقتصاد والبنية التحتية.
أمن قومى مصرى
لم تكن جماعة الإخوان الإرهابية حزبًا سياسيًا فقط؛ بل تنظيم دولى عابر للحدود، وله علاقاته السرية وميليشياته الإعلامية والمالية.. لذا كان من الطبيعى، أنها حين وصلت إلى السلطة، حاولت بشتى الطرق.. إنشاء «دولة ظل» موازية لمؤسّسات الدولة الرسمية.
استعادة الأمن القومى المصرى.. لم يكن مجرد عملية أمنية؛ بل كان تأكيدًا على أن مصر دولة لا تدار من الخارج، ولا يمكن اختراقها من تنظيمات ذات أجندات دولية.
لم ولن تكون
ظلت مصر على مدار السنوات.. دولة بيروقراطية، مركزية، مدنية، ولم تُحكَم يومًا حسب منظومة «الحكم بالحق الإلهى».. وقد كانت محاولة جماعة الإخوان لفرض دولة دينية؛ تمثل قطيعة مع هذا التاريخ، وانقلابًا على مفهوم الدولة المدنية الحديثة التى أسّسها محمد على، وكرّسته ثورة 1919، حتى أعادت 3 يوليو تأكيده.. مصر للمصريين، لا لجماعة، ولا لمشروع دينى فوق الدولة.
نقطة ومن أول السطر..
يجب ألا نختزل الأحداث فى صراعات الماضى؛ بل نقرأها فى ضوء تحديات المستقبل وأزماته.
الشرعية تولَد من الإرادة الوطنية، وتحصَّن بالمواطنة، وترتكز على المؤسّسات.
مصر.. دولة وطنية مدنية، تحترم شعبها، وتحمى هويتها، وترفض السقوط فى براثن الفاشية المغلفة بالدين.