
د. أحمد الياسرى
الثورة المصرية والتصدع الإقليمى المحيط
بعد أن أتم الشعب المصرى مهمته التاريخية بنجاح بشكل يفوق استيعابى فى عام 2013، سميت «30 يونيو» بـ«الثورة الاسترجاعية» التى أزاحت حكم «الإسلام السياسي» ممثلا فى أحد أصوله جماعة «الإخوان»، وسط حالة عكست الترابط بين الجيش المصرى والقواعد الشعبية التى رأيناها فى مدن مصر التى نرتبط بها فى قصص أديب نوبل نجيب محفوظ والمخرج العالمى يوسف شاهين، من الإسكندرية إلى نجوع الصعايدة.
هى ثورة استراتيجية مرتبطة بحالة تصدع للمربع الإقليمى، تم العمل على تعطيلها من جانب أعداء مصر، الذين حاولوا تمزيق النسيج الداخلى المصرى والعمل على خلق تجمعات وطوابير خارج سياق الوطنية.
فى الحقيقة، إن ثورة 30 يونيو زلزال استراتيجى ضرب المنطقة وهذه الثورة كانت جدارًا وضعه المصريون لحماية بلدهم والمنطقة العربية فى ظل محطات صعبة أبرزها استهداف سيناء عبر «داعش» وخلايا حركة «الإخوان»، ومن يقول غير ذلك فهو يخدم مصالح الدوائر الدولية التى أرادت تفكيك مصر.
يحسب لهذه الثورة، أنها مزجت بين الخيار الأفقى والاختيار العمودى معادلة «النخبة والشعب» و«الرعاية والحماية المتبادلة» وكان العنوان الأبرز لهذه الصفقة الثورية هو «أمن مصر».
ما جرى فى مصر، فى 30 يونيو حاولت شعوب عربية استنساخ نفس المشهد بقدر المستطاع، ولكن ثبت أن ما فعله المصريون وجيشهم ليس بإمكان الجميع القيام به، أمام نفس السيناريوهات التى عمل عليها الإخوان والمتشددون فى بلدان عربية، وهناك من الشعوب من حالفه الحظ عندما التزم بخارطة طريق الشعب المصرى فى 30 يونيو واستطاع حماية بلده، وهناك من كانت الظروف أو التصميم الخارجى على هدم الدولة أقوى منهم.
مهمة صعبة وقفت عليها وأنا سعيد عندما رغبت فى الحديث عن 30 يونيو «ثورة شعب»، وهى أكبر من الجميع ولذلك تقديمها فى صورتها الحقيقة وبجميع أبعادها الحميدة، أمر لا يستطيع أحد التمكن فى وصفه الصحيح لا سيما فى ظل بعدها الاستراتيجى وتجنب تصدعات نالت من دول أخرى، وأعيد وأكرر أن من نجا من هذه التصدعات بعون الله، كان لديه شارع ذكى بالالتزام بخارطة الشعب المصرى فى يونيو 2013، وما جاء من تكليف وطنى قام به الجيش المصرى عندما لبى النداء كل قياداته وهيئاته ورجاله، وكان حجر أساس لحماية هذا البلد فى مرحلة تتأرجح فيها المنطقة العربية.
أتحدث من بعيد ولست ممن شاركوا ولكن تعايشت من الخارج مع ما هو معلوم أن تجربة الشعب المصرى باستبعاد الإخوان هو ليس رغبة إزاحة لفريق سياسى بقدر ما هو استدراك لمسار إبقاء الدولة على قيد الحياة.
وضع سكين الفوضى على رقبة الشعب المصرى وتسليم قرار الدولة وصلاحيات الرئاسة لمكتب مصغر يطلق عليه «مكتب الإرشاد» جعل سؤال الشعب المصرى الأبرز، «هل نحن فى دولة داخل دولة تديرها مجموعة خارج نطاق الدستور والدولة؟» ولا يمكن اقتطاع هذه الثورة من سياق التفاصيل المصاحبة والمؤثرات الموضوعية حين يشعر الشعب بالخطر على الدولة ينحاز لمؤسسات الدولة لإخراجها من دائرة المجهول وصراع شعب الدولة مع الجماعة.
مصر حمت نفسها عبر جيشها وشعبها، يد واحدة وهذا النموذج إذا كان تواجد فى سوريا لكان له شأن آخر وكانت ستسقط عن أكتاف شعوبنا كارثة انقسامات وضياع كتل الميزان والتى من بينها سوريا والعراق، فكانت المهمة ناجحة من أهل وشعب مصر وكان وقتئذ للمشهد شأن آخر فى حماية العالم العربى إذا كان كتب هذا النموذج فى سوريا الشقيقة.
حمى الله مصر من التصدعات الاستراتيجية وتحولات منطقة الشرق الأوسط التى تأخذ الحاجة الأمنية فيها الجزء الأعمق من مسار ديمومة الدول وصناعة حضورها بهذه المنطقة الخطرة.
سيدنى – رئيس المركز العربى الأسترالى للدراسات الاستراتيجية