التحليل العسكرى لأسماء «الهجمات » المتبادلة إيران VS إسرائيل

أحمد عبدالعظيم
فرض الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران العديد من الأسئلة، منها: لمن القوة العسكرية، ولمن تكون الغلبة، وما هى السيناريوهات المحتملة خلال الفترة المقبلة؟.. وهى تساؤلات تغذيها العديد من التحليلات السياسية، ولكن يبقى التحليل العسكرى والاستراتيجى فصل الخطاب فى جعل صورة الصراع أكثر وضوحًا.
فى هذا التحليل نرصد حجم العسكرية لكلا القوتين المتحاربين، مع الوضع فى الاعتبار أن إيران تتمتع بتفوق عددى، إذ يبلغ عدد سكانها 88 مليون نسمة، ومساحتها 1.6 مليون كيلومتر مربع، فى حين يبلغ عدد سكان إسرائيل 9 ملايين نسمة، ومساحتها 22 ألف كيلومتر مربع، ولكن عسكريًا قد يختلف الأمر.
القوات النظامية
تنقسم القوات الإيرانية بين القوات المسلحة النظامية، المكلفة عمومًا بحراسة حدود إيران وتنفيذ مهام عسكرية تقليدية، و«الحرس الثوري» شبه العسكرى الذى يتضمن «فيلق القدس» النخبوي، وقيادة الصواريخ الاستراتيجية، والقوة السيبرانية.
ويبلغ عدد أفراد القوات النظامية نحو 600 ألف رجل، بينما يضم «الحرس الثوري» نحو 200 ألف فرد موزعين على فرق مختلفة، أما المعدات العسكرية الإيرانية فهى متنوعة، فبعضها أخذته من الاتحاد السوفيتي، والبعض الآخر من الولايات المتحدة قبل الثورة الإيرانية عام 1979، بالإضافة إلى ما تلقته طهران من روسيا حديثًا.
القوة الجوية
تمتلك إيران نحو 350 طائرة قديمة فى سلاحها الجوي، وبذلك فإنها تتخلف كثيرًا عن إسرائيل من حيث الكمية والنوعية، ومع ذلك تمتلك إيران القدرة على إنتاج مجموعة واسعة من الطائرات المُسيَّرة والمعدات المماثلة، ومن أبرزها طائرات «شاهد» الهجومية.
إنفاق إسرائيل
وتنفق إسرائيل 23.41 مليار دولار سنويًا على جيشها متفوقة على إيران التى تنفق 6.86 مليار على جيشها، وتستمد قوات إسرائيل البرية والبحرية والجوية قوتها من الدعم الأمريكى والأوروبي، وتمتلك القوات البحرية 19 غواصة، بينما لا يملك الجيش الإسرائيلى سوى 5 غواصات. كما أن لديها 7 فرقاطات، فى حين لا تمتلك إسرائيل أى فرقاطات.
وتمتلك إيران 319 مطارا، مقارنة بـ42 مطارا فقط فى إسرائيل، مع الأخذ فى الاعتبار الفارق الكبير فى المساحة الجغرافية بين البلدين.
قوات الاحتياط، وتمتلك إسرائيل إمدادًا كبيرًا من القوات؛ حيث يبلغ عدد القوات العاملة نحو 170 ألف جندى، بالإضافة إلى 400 ألف جندى احتياطي، وتتفوق إسرائيل جويًا بعدد الطائرات (339 طائرة إسرائيلية مقابل 334 إيرانية)، وتمتلك إسرائيل دفاعات صاروخية متعددة المستويات، وهذا النظام المتطور الذى طُوِّر على مدى عقود بدعم أمريكى كبير.
شعار العملية الإسرائيلية
وتوضح طبيعة الصراع القائم بين إسرائيل وإيران يكمن فى اختيار أسماء العمليات العسكرية الأخيرة بينها.. فمنذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الإسرائيلى على الأراضى الإيرانية، الذى استهدف منشآت نووية باستخدام الطائرات الحربية، اتخذت الجولة الجديدة من التصعيد بين طهران وتل أبيب بُعدًا غير تقليدي، فبعيدًا عن التوتر العسكرى المألوف، حملت العملية الإسرائيلية اسمًا دينيًا ذا دلالة رمزية عميقة: «عام كلافي»، وهو تعبير توراتى يعنى بالعربية «شعب كالأسد»، الاسم المستوحى من نبوءة بلعام بن بعور فى سفر العدد: «هوذا شعب كالأسد يقوم، وكالليث يرتفع، لا يضطجع حتى يأكل فريسة ويشرب دم القتلى»، ما عكس رسالة واضحة تجسد القوة المزعومة للشعب الإسرائيلى واستعداده للهجوم والانتصار فى وجه أعدائه.
الوعد الصادق
ردّ إيران على العملية لم يتأخر، فجاء بعد ساعاتٍ باسم لا يقل دلالة دينية ورمزية تلهب النفوس، وهو «الوعد الصادق 3»، فى إشارة مباشرة إلى المفردات القرآنية، ففى الآية (97) من سورة الأنبياء، ورد قوله تعالى: « واقترب الوعد الحق فإذا هى شاخصةٌ أبصار الذين كفروا»، الآية التى استمدت منها اسم العملية تحمل فى طيّاتها الوعيد الإلهى لمن لا يؤمنون بعبادة الله يوم القيامة، ما يبث فى صدور المؤمنين مزيدًا من الثبات واليقين فى النصر والغلبة على أعداء الدين.
ويعكس هذا الاسم المستلهم من الخطاب الشيعى بدوره إصرار طهران على ترسيخ المواجهة فى إطار عقائدي، لا يقتصر على البعد الجغرافى أو السياسى فقط، بل يتعداه إلى معركة رموز دينية تتجدد فى كل جولة لتكسب الجيش الإيرانى شرعيةً وتأييدًا داخليًا على مستوى الشعب وخارجيًا على مستوى العالم الإسلامي، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعدو الصهيونى الذى يستهدف جميع المسلمين بشكل عام وجميع العرب بشكل خاص فى أى مكان يتواجدون فيه على الأرض.
السيناريوهات المقبلة
السيناريو الأول – حسب الخبراء – هو أن تتجه إيران لتنفيذ عدد من الضربات البارزة داخل إسرائيل، لتسوّق داخليًا أنها ردّت و«أدمَت» الخصم، بعدها، وبضغط من وساطات أمريكية ودولية، تقبل طهران بوقف إطلاق النار.
السيناريو الثاني، أن تُقاوم إيران لفترة أطول، وتنجح فى توجيه بعض الضربات المحدودة، سواء عبر هجمات إلكترونية، أو عمليات خارجية، أو صواريخ تخترق القبة الحديدية لإسرائيل، ومع تصاعد الضغوط الدولية، تبدأ الولايات المتحدة وأوروبا بالضغط على تل أبيب لوقف العمليات.
السيناريو الثالث هو التلويح بإغلاق مضيق هرمز، وهذا السيناريو الأخطر، إذ يعطل معظم صادرات النفط العالمية، ويضر بحلفاء إيران قبل خصومها، كما أنَّ التلويح به مجرد دعاية إعلامية، ولا يمكن تنفيذه نظرًا للمخاطر التى ستترتب عليه فى الداخل الإيرانى.. والسيناريو الرابع هو ضرب منشآت النفط وحقول الغاز، وهنا أقول الذى لا يجرؤ على ضرب مفاعل ديمونا كما فعلت إسرائيل فى منشأة نطنز لن يجرؤ على قصف وتعطيل مفاعل ديمونا.
ضربات جوية واستخباراتية
وأوضح اللواء سمير فرج الخبير الاستراتيجى أن إسرائيل نفذت خطة خداع استراتيجى محكمة، استمرت لعام ونصف، تحت اسم «قوة الأسد»، شملت خمس مراحل منها ضربات جوية وعمليات استخباراتية دقيقة داخل إيران.
وأشار «فرج» إلى أن إسرائيل تمكنت من زرع عناصر داخل إيران لتنفيذ مهام عسكرية، بما فى ذلك تصفية رئيس أركان الجيش الإيرانى داخل شقته بطريقة محترفة.
وأكد فرج أن إيران وقعت فى فخ الخداع الإسرائيلي، حيث لم تكن القيادة العسكرية فى حالة تأهب كافية، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى أوحت بعدم وجود تحركات عسكرية وشيكة.
وقال إن الولايات المتحدة تقتصر حاليًا على دعم دفاعى لإسرائيل دون المشاركة فى عمليات هجومية ضد إيران، وأشار إلى أن السلاح النووى يمثل تهديدًا حقيقيًا لدول الشرق الأوسط، مؤكدًا ضرورة نزع الأسلحة النووية من إسرائيل لضمان الاستقرار الإقليمى.
الخطوط الحمراء
وكشف اللواء سمير راغب الخبير العسكرى والاستراتيجى، أن إسرائيل قد تجاوزت جميع الخطوط الحمراء بهجماتها الأخيرة على إيران واستهداف المنشآت النووية وكبار المسئولين الإيرانيين مما جعل النظام الإيرانى لا يملك إلا الرد.
وأضاف اللواء راغب، أن النظام الإيرانى الذى قام من الأساس على فكرة العداء مع إسرائيل والقدرة على مواجهتها كان لا يملك إلا الرد بقوة على الهجمات الإسرائيلية للحفاظ على الكتلة المؤيدة له داخل إيران.
وأشار إلى أن إيران تسعى إلى رفع تكلفة الحرب وليس كسب الصراع وذلك بضرباتها على المطارات والمراكز الاستراتيجية وبث الذعر بين سكان المدن الإسرائيلية الذين لم يعتادوا على مثل هذه الهجمات القوية.
وأكد أن الوضع قد يستمر لفترة حتى تتدخل أطراف خارجية ممن لا يريدون تحمل تكلفة من جراء هذه الحرب للتهدئة.
تعليمات أمريكية
وعلق اللواء نصر سالم، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، على قيام إسرائيل بتوجيه الضربة الاستباقية ضد إيران موضحا أن أمريكا ضالعة بنسبة ١٠٠٪ بالمعلومات والعلماء وكل ما أدى إلى نجاح الضربة الإسرائيلية وبدعم كامل لإسرائيل مع توجيه إسرائيل فى المقدمة أى أن أمريكا قامت بعملية خداع كبيرة لإيران، وخاصة مع الإشارة إلى أنه ستكون هناك محادثات فى عمان أو أن أمريكا ترفض الاشتراك مع إسرائيل، كل هذا كان تكتيكًا لتخدير إيران.
وأضاف أنه فى نفس التوقيت كان هناك عملاء فى طهران من الموساد وأمريكا، وهم مَن جهزوا الأهداف فى الداخل على الأقل بالنسبة للقادة والعلماء النوويين الذين تم ضربهم فى توقيت واحد، وهو ما نسميه عملية شل وإرباك وضربة للدفاع الجوى الإيرانى لإحداث ثغرة فى الدفاع الجوى لتستطيع ضرب المنشآت النووية.
وأضاف أن إسرائيل ستحاول الضغط على إيران وإجبارها على اللجوء إلى مائدة المفاوضات مع أمريكا لكى تفرض عليها أمريكا شروطها.