الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

القانون الدولى يمنع تملك الآثار ويجيز الانتفاع بها دير «سانت كاترين» فتنة أشعلها الإخوان

فى قلب صحراء جنوب سيناء، وتحديدًا عند سفح جبل موسى، تتجسد واحدة من أقدم وأهم معالم التراث الدينى والإنسانى فى العالم، دير سانت كاترين، الصرح العريق الذى يقف شامخًا منذ أكثر من 15 قرنًا، لم يكن يومًا مجرد مبنى أثرى؛ بل رمزًا للتعايش بين الأديان، وجسرًا يربط بين الماضى والحاضر.



عاد اسم الدير إلى واجهة الجدل وذلك بعدما صدر فى مايو المنصرم، حكم قضائى يقضى بترسيخ مِلكية الدولة للأراضى التابعة لدير سانت كاترين، مع منح الرهبان حق الانتفاع بها.  أثار الحكم قلقًا فى اليونان؛ حيث يُعتبر الدير جزءًا من هويتها الروحية والثقافية، وأعربت الحكومة اليونانية عن قلقها من حكم المحكمة المصرية، وأكدت على أهمية الحفاظ على العلاقات التاريخية والدينية بين البلدين.

وفيما شدّد الجانب اليونانى على ضرورة احترام حقوق الدير وأهمية دوره الدينى والثقافى؛ أكدت الحكومة المصرية أنها ستواصل التفاوض مع الجهات المختصة لحل أى قضايا عالقة وضمان حقوق جميع الأطراف. ولا يزال الوضع تحت المتابعة، والجهود مستمرة للوصول إلى حل يحترم جميع الأطراف.

ويتبع دير سانت كاترين كنيسة الروم الأرثوذكس بالقدس الخلقيدونية أو الملكانية، ويقع فى وادٍ محاط بجبال شاهقة ضمن محمية طبيعية تحمل الاسم نفسه، عند التقاء ثلاثة جبال مقدسة فى العقيدة المسيحية والإسلامية جبل موسى، جبل الصفصافة، وجبل سانت كاترين. تم تأسيس الدير فى القرن السادس الميلادى، بناءً على أمر من الإمبراطور البيزنطى جستنيان الأول، ويُعد أحد أقدم الأديرة المسيحية التى لا تزال مأهولة حتى اليوم ويضم كنيسة التجلى، التى بُنيت فوق موقع يُعتقد أن النبى موسى تلقى فيه الوصايا العشر، إلى جانب مكتبة ضخمة تحتوى على ثانى أضخم مجموعة مخطوطات دينية فى العالم بعد الفاتيكان، ومجموعة نادرة من الأيقونات.

يتميز دير سانت كاترين بطابعه المعمارى الفريد، الذى يجمع بين الطابع البيزنطى والتحصينات العسكرية؛ حيث تحيط به جدران حجرية ضخمة كانت تحمى الرهبان من غزوات الصحراء.

ورغم أن الدير يتبع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية؛ فإنه كان على مدار قرونٍ طويلة موضع تقديس للمسلمين أيضًا، لما له من علاقة بنبى الله موسى عليه السلام. ولعل من أبرز رموز التسامح فيه وجود مسجد صغير داخل أسوار الدير، شُيّد فى القرن العاشر الميلادى لخدمة الحجاج المسلمين وزوار المنطقة.

 بدأت الأزمة خلال فترة حكم جماعة الإخوان الارهابية؛ حيث تربصوا بالدير شأنه شأن تربصهم بالكنائس بشكل عام، ونتج عن هذا صدور قرارات من الوحدة المحلية ومحافظة جنوب سيناء، تضمنت تحرير ٧١ محضرَ تَعَدٍّ على المواقع الأثرية والزراعية والكنسية التابعة للدير، مما أدى إلى صدور ٧١ قرار إزالة.

وشملت هذه القرارات جميع الكنائس الأثرية الممتدة من أسفل جبل سانت كاترين وصولًا إلى الكنيسة التاريخية الواقعة أعلى الجبل، والتى يُقال إن سيدنا موسى عليه السلام تحدَّث فيها مع ربه. وشكّل هذا الإجراء أول تصعيد خطير ضد الدير خلال عهد الإخوان؛ حيث تصاعدت التهديدات، وتم تحرير المَحاضر المشار إليها ضد رئيس الدير الحالى.

ويقول الدكتور إيهاب رمزى المحامى وعضو مجلس الشعب: إن المشكلة الأساسية حاليًا أن هناك سوء فهم بين الطرفين، فالأديرة الأثرية بصفة عامة مِلك الدولة ومِلك العالم كله لأنها مسجلة بمنظمة اليونسكو، فهى مِلك للدولة ولا يجوز تملكها بل يجوز السكنى وإقامة الشعائر الدينية فيها ويجوز إدارتها، ولكن لا يجوز امتلاكها لأن الأثر بصفة عامة ووفقًا لقانون الإثار والاتفاقيات الدولية أو القانون الدولى لا يجوز لأحد أنه يتملك أثرًا وفقًا لقانون الآثار، ومن هنا ظهر الخلاف لأن اليونانيين يعتقدون أنهم متواجدون منذ القرنين الرابع والخامس الميلادى فيحق لهم التملك وأن لا أحد غيرهم له الحق فيه سواء كانت الحكومة المصرية أو العالم بصفته أثرًا عالميًا، وهذا هو الجدل بين الحكومة المصرية والحكومة اليونانية، فالحكومة المصرية تؤكد أنهم من حقهم الإقامة به وإقامة الشعائر الدينية إلى أبد الآبدين لكن لا يجوز التملك.

ويضيف رمزى إن المشكلة استمرت منذ عهد الإخوان وحتى هذه اللحظة بالرغم من أن الأوضاع اختلفت تمامًا حاليًا، وذلك يرجع إلى أن الرهبان لم يقوموا بتقنين أوضاع الدير فى الوقت الذى كان من المفترض أن يفعلوا ذلك مما دفع المحافظ لرفع هذه القضية لأنهم لم يقوموا بتقنين أوضاع الدير والأراضى المحيطة به؛ خصوصًا أن الدير أثر وتجاوره محميات طبيعية مسجلة كذلك وبالتالى لا يجوز فى المحمية الطبيعية أن يتم تغيير شىء، وهو ما خالفه بعض الرهبان حيث قام البعض بالزراعة داخل المحمية بما يخالف القانون لأن المحمية كالأثر لا يجوز استغلالها أو تملكها، وتدار المحميات عن طريق جهاز شئون البيئة ولذلك لا يجوز تملكها.

ويرى رمزى، أن هناك سوء تفاهم وعدم ثقة بين الرهبان والحكومة المصرية؛ حيث ترى أن مصر تريد وضع يديها على الدير وهو مخالف الواقع تمامًا بدليل الواقع الذى نعيشه اليوم جميعًا بالإضافة إلى أن هناك مجمعًا يونانيًا كاملاً بالإسكندرية لم تستهدفه الدولة بأى شكل من الأشكال، بالإضافة إلى أن الحكم القضائى أعطاهم حق المِلكية لبعض الأراضى التى قاموا بشرائها خارج حيز الآثار والمحميات الطبيعية.

ويؤكد رمزى، من منطلق أنه كان محامى الدير عام 2012 فى أزمته الأولى، أن حل هذه الأزمة يكمن فى خطوات مهمة فى مقدمتها إلغاء الحكومة الـ 71 قرار إزالة الصادرة فى عهد الإخوان، وهو الأمر الذى سيهدئ الأمور كثيرًا بين الجانبين، وبعد ذلك يتم وضع بروتوكول يسمح لهم بالإقامة والسكنى والعبادة للروم الأرثوذكس، ثم تقنين بعض الأراضى الزراعية التى ليس لها أى سند وليست أثرًا أو محمية من دون مقابل مادى، منحة لهم بعد وضع بروتوكول واضح بين الطرفين.

وأشار رمزى إلى أنه كان هناك وضع مشابه حدث فى وادى الريان وتم حله بوضع بروتوكول واضح للجميع، ولا بُد أن يكون هناك وسيط بين الحكومة والرهبان لتوضيح وجهات النظر المختلفة حتى يطمئنوا وهم فى الأساس معهم كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية أنه لا مَساس بالدير.

ومن جانبه؛ كشف الباحث باسم الجنوبى زميل سابق لمكتب الأمم المتحدة - ملف الأقليات، أنه لا يوجد مساس من الدولة بالدير، فقد قامت الدولة عام 2015 برفع قضيتين الدعوى 226 ضد ديمترى ساماتريس دميانوس (المطران)، وتخص 29 عقارًا والدعوى 228 ضد شخص آخر وتخص 42 عقارًا ولكنه توفى، وبالتالى تم رفض الاستئناف الخاص به.

أمّا الـ 29 عقارًا فهى كنيسة (وادى الأربعين)، غرفة (جبل موسى)، كنيسة القديسة تريزا (جبل موسى)،غرفة (رمحان)، كنيسة القديسة آنا (جبل موسى)، كنيسة القديس يورجوه، كنيسة القديس يوأنس بروذروميوس يوحنا (جبل موسى)، مخزن ومنزل القنطرة (وادى الأربعين)، منزل التلميذ (قرية الطرفة)، مبنى (قرية الطرفة)، كنيسة القديس إسطفانوس (جبل موسى)، كنيسة العذراء كولومبيا (جبل موسى)، مقبرة (وادى إطلاح)، منزل (وادى إطلاح)، كنيسة القديس باندليمو، كنيسة الصليب، منزل النبى إيليا (جبل موسى)، كنيسة القديسة كاترينا، منزل (رمحان)، كنيسة النبى إيليا (مقام النبى هارون)، كنيسة، كنيسة (وادى إطلاح)، غرفة، كنيسة القديس زونى، مخزن، كنيسة (مقام النبى هارون)، استراحة (مقام النبى هارون)،  غرفة (جبل موسى).

ويشير «الجنوبى» إلى أن الأماكن السابقة تقع فى مناطق جبل موسى، وادى إطلاح، وادى الأربعين، قرية الطرفة، الواطية، رمحان، وهى من أملاك الدولة الخاصة.

وأوضح أن  الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بنت منشآت على هذه الأراضى، مخالفة المواد 924 (البناء على أرض مملوكة للغير) و970 (البناء على أرض مملوكة للدولة) من القانون المدنى.

كما أن ما قام به المطران من استيلاء على أراضى الدولة، حرّم الدولة من الانتفاع بها بالمخالفة لنص المادة 804 من القانون المدنى، وتم توجيه إنذار للمطران فى 30 نوفمبر 2014، وتم متابعة الأمر مع لجان فضّ المنازعات، وعند فشل التوصل لصياغة توافقية تم إقامة الدعوى المستأنف حكمها.

فى جلسة 23 مايو 2015 قضت محكمة أول درجة بندب خبير فى الدعوى، وباشر الخبير المأمورية المنوطة به وأودع تقريره الذى انتهى فيه إلى أنه انتقل وعاين 10 قطع أراضى من الواردة بصحيفة الدعوى البالغة 29  وانتهى الخبير إلى نتيجة مؤداها:

أولًا: إنه لم تتم معاينة 19 قطعة أرض من الواردة بصحيفة الدعوى لعدم إمكان الوصول إليها.

ثانيًا: القطع 14 و15 و21 و23 و28 تقع فى ولاية وزارة الآثار.

ثالثًا: إن الحائز للأراضى التى تمت معاينتها هو المدعى عليه بصفته [مطران اليونان الأرثوذكس] وإن مظاهر الحيازة هى المبانى والمنشآت المقامة عليها، ولم يتوصل الخبير إلى تحديد تاريخ بداية الحيازة ثم أعيد نظر الدعوى فى 5 ديسمبر 2016 حيث تم إدخال وزير الآثار بصفته رئيس المجلس الأعلى للآثار، ورئيس مجلس إدارة جهاز شئون البيئة، بصفتهما، ليصدر الحكم فى مواجهتهما.

أيضًا تم تعديل قيمة مقابل الانتفاع من خمسة ملايين جنيه إلى عشرة ملايين جنيه، وتضمنت الصحيفة إضافة طلب جديد مع البقاء على الطلبات الأصلية وهو طلب طرد المدعى عليه [المطران] من 42 قطعة أرض أخرى خلاف الـ29 الواردة بأصل صحيفتها، وأوضح بصحيفة التصحيح المودعة فى 5 ديسمبر 2016.

وأضاف «الجنوبى»: إن حكم الاستئناف قضى بعدم قبول الدعوى فى [ 11 موقعًا] لعدم ثبوت الاستيلاء أو الحيازة ورفض الدعوى المتعلقة بالمنشآت فى المواقع الدينية [29 موقعًا] لكونها مُستقلة دينيًا وكنسيًا.

كما تم رفض الدعوى المتعلقة بالقطع المُحرر عليها عقد بيع ابتدائى [17 موقعًا] وطرد المُدعى عليه بصفته [المُطران] من باقى قطع الأرض غير الواردة بالبنود وتسليمها للدولة بما عليها من مبان وغرس ومزروعات باعتبارهم تعويضًا عن عدم الانتفاع.

ويشير «الجنوبى» إلى أن مطران دير سانت كاترين تم تعيينه فى هذا الموقع بالقرار الجمهورى رقم 306 لسنة 1974، ومُنح الجنسية المصرية بالقرار الجمهورى رقم 731 لسنة 1974، أى أنه من ذلك التاريخ هو المُكلف من الدولة بحسن إدارة دير سانت كاترين، والمسئول عن الحفاظ للدولة على كل ما لها من حقوق بالأماكن التابعة للدير أمام الدولة، وعن أى مخالفة لأحكام القوانين المصرية التى من المفترض علمه بها كمواطن مصرى».

وبالتالى يرى «الجنوبى»، أن الدولة لم تمس الدير أو الرهبان بشىء؛ بل بالعكس هى قامت بإعطائهم الكثير من الأراضى إلا أن إصرارهم على التملك هو غير مقبول شكلاً وموضوعًا. وحتى كتابة هذه السطور لا تزال الحكومتان المصرية واليونانية تسعيان لحل هذه الأزمة القائمة فى الأساس، إلا أن الجانب اليونانى يمتلك كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بأنه لا مساس بالدير، وبالتالى فإننا ننتظر حل هذه القضية الشائكة قريبًا.