طالبوا بوقف إهدار ممتلكاتهم العقارية ملاك لـ«روز اليوسف»: إنهاء «ظلم» الإيجار القديم «عدل»

مروة عمارة
على مفترق طرُق يقف المالك والمستأجر منذ صدور حكم الدستورية العليا فى نوفمبر الماضى بشأن الإيجارات القديمة، وبينما يتابع المالك كل ما ينشر ويثار حول التعديلات القانونية المحتملة بتحفز صاحب «الحق الضائع»، يقف المستأجر عاجزًا أمام مستقبل أصبح غامضًا، فى حين تترقب السوق العقارية تغييرات قانونية جوهرية ستؤثر حتمًا على عملية التسعير وحركة البيع والشراء.
مفاوضات الإخلاء
الحاجّة منيرة تبلغ من العمر 71 عامًا، مالكة لعقار من 3 طوابق فى منطقة السيدة زينب، بإجمالى 12 شقة،تسكنه حاليًا 4 أسر فقط، بينما أغلق الباقون شققهم السكنية وانتقلوا لأماكن أخرى، وعندما سعت وأشقاؤها من الورثة للتفاوض مع المستأجرين بشأن التنازل مقابل مبلغ مالى، رفض أغلبهم، وطالب البعض بمبالغ مالية خيالية، ولم تتمكن من الوصول لآخرين.
وتحكى بأن لديها 3 أشقاء، توفى منهم اثنان، ويتقاضون جميعًا نحو 75 جنيهًا شهريًا إيجارًا عن العقار بالكامل.
تقول الحاجّة منيرة: «العقار سعره حاليًا نحو 10 ملايين جنيه، ومكسبنا منه يعادل 4 كيلو طماطم شهريًا»! وتضيف: خاطبنا جميع المسئولين، ورفعنا دعاوى للإخلاء لوفاة مستأجرين أصليين دون جدوى، نحن نتحسر على حقوقنا الضائعة منذ أكثر من 50 عامًا «المستأجرون يرفضون أيضًا دفع أى مقابل للصيانة رغم خطورة الوضع عليهم».
حسب التعداد السكانى الرسمى لعام 2017 الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء؛ فقد بلغ إجمالى الوحدات السكنية المؤجرة بنظام الإيجار القديم 3.1 مليون وحدة، يقطنها نحو 1.6 مليون أسرة، بعدد إجمالى يتجاوز 6 ملايين شخص.
ويزيد عدد الشقق المغلقة لدواعى السفر للخارج على 32 ألف وحدة سكنية، وبلغ عدد الوحدات المغلقة لوجود مسكن آخر أكثر من 78 ألف شقة.
وبلغت عدد الوحدات التى تحتاج لترميم نحو 4 آلاف وحدة، بينما بلغ عدد من صُدر لها قرار هدم ما يزيد على 2500 وحدة، وكانت المفاجأة فى وجود نحو 33 ألف وحدة سكنية مغلقة دون أسباب معروفة.
وتقول ثناء أحمد، 55 عامًا، زوجة ولديها 3 أبناء، أنها منذ 36 عامًا تحاول استرداد شقق فى عقار يمتلكه جدها فى حى مصر الجديدة، دون جدوى.
تضيف: إيجار العقار بالكامل لا يتعدى 500 جنيه شهريًا، وهناك شقق هاجر سكانها لكندا وأمريكا، ومع ذلك «مقدرناش نستردها»، وهناك شقق أصحابها يمتلكون حاليًا فيللات وعقارات وتحايلوا على القانون بكتابة تلك الأملاك بأسماء أبنائهم حتى لا نتمكن من إثبات أى قرينة قانونية، «أنا ولادى لمّا اتجوزوا اضطروا يأجّروا شقق مقابل 5 آلاف جنيه شهريًا».
الجيل الأول
حالات امتداد العلاقة الإيجارية للجيل الأول من أبناء المستأجرين كما يقول أغلب مَن تحدثت إليهم «روزاليوسف» من المُلاك، أصبحت ثغرة قانونية لامتداد العلاقة الإيجارية إلى ما لا نهاية؛ حيث تعتمد أغلب الدعاوَى على شهادة الشهود، الذين يلجأ إليهم المستأجر للإدلاء أمام المحاكم بأن المستأجر الحالى كان يقيم مع المالك الأصلى قبل الوفاة، وأغلب الشهود يكونون من المستأجرين أنفسهم، ويشهدون زورًا مجاملة لبعضهم البعض.
الحفيد أيضًا يستفيد بالبقاء فى الشقة سنوات طويلة اعتمادًا على ألاعيب قانونية تجعل من استمرار تداول قضية الإخلاء سنوات وسنوات أمرًا يسيرًا.
إهمال المستأجرين
يكشف أسامة حفنى، موظف بالمعاش، عن أنه يمتلك عقارًا نموذجيًا- على حد تعبيره-، عبارة مبنى من مكوّن من أربعة طوابق ومحاط بحديقة، يعيش به 3 مستأجرين فى حين يوجد شقتان مغلقتان، ولا يتعدى الإيجار الشهرى للجميع 150 جنيهًا، ويقول: «لم أتسلم الإيجار منذ 30§§t عامًا لضآلته، والعقار وصل حاليًا لمرحلة الخراب الكامل بسبب إهمال المستأجرين لأعمال الصيانة، ورغم صدور حكم إزالة نهائى للعقار من المحكمة الإدارية العليا؛ استنادًا إلى تقارير هندسية من مجلس المدينة ولجان الخبراء بوزارة العدل، كما صدرت رخصة هدم؛ فإن المستأجرين يرفضون المغادرة رغم خطورة وضع العقار على حياتهم.
الصيانة والترميم
يلزم القانون المالك بأعمال الصيانة والترميم، رغم عدم استفادته فعليًا من الوضع القائم، حتى أصبح العقار القديم مِلكية لا تضيف لصاحبها أى ميزة؛ بل تحولت إلى عبء مادى ونفسى مقيم، وعندما تتأزم الأمور بين الطرفين لعدم منطقية الوضع القائم؛ فإن المستأجر قد يلجأ لسداد القيمة الإيجارية فى المحكمة، مطالبًا بقيام المالك بواجباته القانونية فى أعمال الصيانة، فى حين يلجأ الكثير من المُلاك إلى تعمُّد إهمال العقار بكل الطرق القانونية الممكنة أيضًا، أملًا فى انهيار العقار على رؤوس ساكنيه!
قانون جديد
فى عام 1996، صدر قانون جديد لتحرير العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، لكنه لم يُطبَّق بأثر رجعى، ما أبقى العقود القديمة تحت مظلة قانونية سارية، وفى السنوات الأخيرة عاد ملف الإيجار القديم إلى الواجهة؛ مدفوعًا بارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار العقارات، ومَطالب المُلاك بتعديل القانون.
حكم الدستورية العليا
المحكمة الدستورية العليا فى مصر، المنوط بها مراقبة تطابق القوانين مع النصوص الدستورية، أصدرت حكمًا تاريخيًا فى نوفمبر الماضى، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من «ثبات» الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى؛ اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
إيجار من الباطن
يقول أحد مُلاك العقارات: «عندى محل مؤجر منذ عام 1980 بعد الزيادات وصل إيجاره لـ 65 جنيهًا، لكن المستأجر يدفع لى حاليًا 750 جنيهًا شهريًا؛ لأنه يؤجره من الباطن لآخر بـ 6000 جنيه، وعندما طلبت زيادة قال «ولا مليم زيادة»، وإلا لن أدفع سوى 65 جنيهًا شهريًا حسب العقد، ولو رفعت دعوَى قضائية سأقول فى المحكمة «إن المستأجر شريكى».
الرئيس عبدالفتاح السيسي، صرّح خلال كلمته بمؤتمر حكاية وطن «بين الرؤية والإنجاز» فى أكتوبر 2023، بأن قانون الإيجار القديم شكّل عقبة حقيقية أمام استغلال مليونىّ وحدة بقيمة تريليون جنيه.
وأضاف الرئيس خلال كلمته بجلسة المشروعات القومية والبنية التحتية ضمن فعاليات جلسات اليوم الثانى للمؤتمر «دا حرام علينا يفضلوا مقفولين». وتابع: «بنتكلم عن كتلة سكانية اتنفّذ فيها القانون سنة 62، واللى كانوا موجودين ساعتها واستفادوا، هل هو هيفضل مدى حياتهم وحياة أبنائهم؟».
حوار مجتمعى
وكان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، قد وجّه فى فبراير 2022، بتشكيل لجنة مشتركة من الحكومة والسلطة التشريعية؛ بهدف العمل على صياغة مشروع قانون لحل مشكلة الإيجارات القديمة، يتم طرحه على الرأى العام؛ بهدف إجراء حوار مجتمعى فى شأنه، قبل إقراره من البرلمان.