الجمعة 4 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أطباء تحت القصف بين المشاعر والمخاطر الطبيب «التريند» "2"

كان معروفا فى الأوساط الطبية بتميُّزه كجراح ماهر.. يأتى إليه المرضى من كل المحافظات حيث يمتلك ثلاث عيادات ويقسم وقته بينها ما بين مصر الجديدة وشبرا والهرم.. ومن يرغب بالكشف لا بد أن يحجز دوره قبل شهرين على الأقل.



ورغم ذلك، ومنذ أن اندلعت أحداث غزة وامتلأت الأخبار بصور القتلى والجرحى وأصوات الاستغاثة من المستشفيات، اتخذ الدكتور أحمد قرارا بأنه سينضم لفريق الأطباء المتجه إلى غزة.. تاركا خلفه زوجة وطفلين ونجاحات لا حصر لها.

 ورغم إبداء زوجته خوفها الشديد عليه قائلة: «ماذا لو لم تعد؟ أطفالك يحتاجونك!».. يجيبها بقناعة: «أطفالى ليسوا أفضل من أطفال غزة، ولا أنا أفضل ممن استشهدوا».

ويصر على قراره ويستطيع الوصول لغزة، ليجد المشهد مروّعًا ربما أكثر مما توقعه ومما تنقله وسائل الإعلام وما ينشر على وسائل التواصل الإجتماعى..  فالمستشفيات مكتظة بالجرحى والمصابين ولا توجد معدات أو أدوية كافية.. وأزيز الطائرات لا يهدأ، والوجوه حزينة خائفة.. ليبدأ الدكتور أحمد عمله وبلا توقف يجرى عشرات العمليات يوميًا ويرفض الحصول على أى قسط من الراحة.. حيث كان ينظر إلى الأطفال بعين الطبيب الذى يداوى الجسد، وبقلب الأب الذى يشعر بأوجاعهم ويشعر بالمسئولية تجاههم.

وأحيانا كان يجهش بالبكاء أمام الجميع حين يأتيه طفل مبتور الأيدى أو القدم ولا تصلح أى عملية لإعادتها.. بعد أن ضاعت أطرافه تحت الأنقاض!

وبعد عدة أيام من العمل المستمر المتواصل وإجرائه عشرات العمليات الجراحية التى كانت حديث الأطباء فى مستشفيات غزة حتى أنه ابتكر جراحات جديدة لم يقم أحد بها من قبل فى سبيل إنقاذ أطفال لا أمل فى إنقاذهم وقد نجحت معظمها وسط انبهار الأطباء به.

وبعد عمله يومين متواصلين بلا نوم وانتهائه من عملية جراحية استمرت 7 ساعات متواصلة يتملكه شعور بالإرهاق الشديد وعدم القدرة على الوقوف فيجلس فى زاوية المستشفى منهكًا، ورأسه بين يديه.

 فى هذه اللحظة، يلتقط أحد المرضى صورة له وينشرها على الفيس بوك مع تعليق:

«الطبيب المصرى الذى لا ينام من أجل إنقاذ أطفالنا». 

تنتشر الصورة بسرعة البرق وتحصد ملايين الإعجابات والتعليقات.. حتى تحول الدكتور أحمد لـ«تريند» وحديث الجميع فى غزة وخارجها.

 فى القاهرة، شاهد طفله الصورة، وتلقى العديد من الاتصالات من أصدقائه الذين أشادوا بوالده ووصفوه بالبطل. أما زوجته التى كانت تخاف على حياته، فتلقت رسائل مليئة بالثناء والشكر على دعمها له فى اتخاذ هذا القرار الصعب.   

حتى عندما عاد الدكتور أحمد إلى وطنه بعد شهور من العمل المتواصل فى غزة، فوجئ بمشهد لم يتوقعه.

زملاؤه، عائلته، وجيرانه كانوا فى انتظاره بمطار القاهرة يرفعون صورته التى انتشرت على كل مواقع التواصل والتى يبدو فيها مرهقا ورأسه بين يديه، وصورًا أخرى لأطفال غزة الذين أنقذهم. والتصفيق يملأ المكان، والوجوه مليئة بالفخر. 

وطفله الصغير الذى كان يتابع أخبار والده طوال الأيام الماضية، يركض نحوه ويعانقه بقوة، قائلًا: 

«أبى، أنت بطلنا الحقيقى».

أما زوجته، التى كانت تخشى عليه، فقد نظرت إليه بعيون ممتلئة بالدموع والفخر، قائلة: «كنت خائفة عليك، لكننى الآن أشعر أننى زوجة رجل عظيم».

وبينما كان الجميع يحتفل بعودته، كان هناك قرار آخر يتشكل فى قلب أحمد.

وبينما كان يجلس مع عائلته، يشاهد تقارير إخبارية جديدة عن قصف البيوت فى غزة عن الجرحى والقتلى، عن المستشفيات التى لا تزال تنادى الأطباء، وعن الألم الذى لم ينتهِ. لم يستطع تجاهل ما رآه. 

ويقف الدكتور أحمد فجأة، وينظر إلى زوجته قائلا: «لا يمكننى البقاء هنا، يجب أن أعود». فوجئت الزوجة بالقرار، وقد رأت فى عينيه تصميمًا لم تعهده من قبل.

 

فقالت له: «لقد أنقذت أرواحًا كثيرة وقمت بدور أشاد به العالم.. فابقَ معنا».

أمسك بيديها وقال بحزم: 

«أقسم أننى لن أعود حتى تنتهى الحرب.. حتى يصبح كل طفل فى غزة آمنًا». 

ويعود الدكتور أحمد إلى غزة، وسط دمار لم يتوقف، وسط أصوات الاستغاثة التى لم تهدأ. كان يعرف أن مهمته لم تنتهِ بعد، وأن طريقه لم يكن طريق الراحة، بل طريق التضحية.

فى كل يوم كان يجرى عمليات جديدة، يعالج الأطفال، ويحملهم بين يديه كأنه يحمل جزءًا من قلبه كان يعلم أنه قد لا يعود هذه المرة، لكنه كان مقتنعًا تماما أن وجوده هناك هو الشىء الصحيح.