الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية النبى.. والبكر الرشيد: السيدة عائشة.. صاحبة الفتاوى! "123"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

تزوج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة بنت أبى بكر، وهى البكر الوحيدة التى تزوجها، ويعتقد أعداء الإسلام أن النبى محمد عليه الصلاة والسلام كان يهوى النساء، لدرجة أنه جمع بين عدد كبير من الزوجات منهن صغيرة السن وهى السيدة عائشة، كما يعتقد بعض المسلمين أن الزواج من الطفلة القاصر هو من الاقتداء بأفعال النبى عليه الصلاة والسلام.

والذين أجازوا الزواج من البنات القاصرات يستندون لروايات تنسب للنبى عليه الصلاة والسلام زواجه بالسيدة عائشة وهى طفلة فى التاسعة من عمرها، وهى روايات لا يمكن الاعتماد على الأعمار أو التواريخ التى جاءت بها، فالعرب لم يكن عندهم وقتها توثيق للمواليد ولا للزواج.

والتاريخ به الكثير من المبالغات، حيث بدأ التاريخ شفهيًا فى مجالس قصص يتداولها الناس تعتمد على الغريب والعجيب لإبهار المستمعين، وبمرور الزمن من عصر الصحابة إلى عصر الأمويين والتابعين تكاثرت الروايات وتناقضت، ثم جاء العصر العباسى بالتدوين لكل ما يقال.

سن السيدة عائشة

ومن الروايات عن سن اثنتين من أمهات المؤمنين هما السيدتان خديجة وعائشة، الروايات تقول إن النبى عليه الصلاة والسلام حينما كان فى الـ 25 من عمره تزوج بمن تكبره بـ 15 سنة، وحينما أصبح فى الـ 53 من عمره تزوج بمن تصغره بــ 44 سنة.

وعن زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة، فتقول هى فى رواية منسوبة لها تسمى بالأرجوحة: «تزوجنى النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏وأنا بنت ست سنين فقدمنا‏ ‏المدينة ‏ ‏فنزلنا فى‏ ‏بنى الحارث بن خزرج،‏ فأتتنى أمى ‏أم رومان‏ ‏وإنى لفى أرجوحة ومعى صواحب لى فصرخت بى فأتيتها لا أدرى ما تريد بى، فأخذت بيدى حتى أوقفتنى على باب الدار وإنى‏ ‏لأنهج‏ ‏حتى سكن بعض نفسى، ثم أخذت شيئًا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار فإذا نسوة من‏ ‏الأنصار ‏فى البيت فقلن على الخير والبركة، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى، فلم يرعنى إلا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ضحى فأسلمتنى إليه وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين». 

وفى بعض الروايات أن أم المؤمنين السيدة عائشة كانت مخطوبة لمطعم بن عدى، قبل أن يخطبها النبى عليه الصلاة والسلام، وأنها ولدت قبل بدء الرسالة بعام واحد، والرسالة استمرت فى مكة 13 سنة، وأنها تزوجت بعد عامين من الهجرة، أى كان عمرها 16 سنة حين تزوجها النبى عليه الصلاة والسلام.

وفى روايات أخرى نجد أن أخت السيدة عائشة وهى السيدة أسماء كان عمرها عند الهجرة 27 عامًا، حيث توفيت السيدة أسماء فى عام 73 هجريًا عن عمر يقارب 100 عام، وكانت السيدة عائشة أصغر منها بـ 10 سنوات، أى أن عمر السيدة عائشة عند الهجرة كان 17 عامًا، وتزوجها النبى عليه الصلاة والسلام وعمرها 19 عامًا.

ومن شروط الزواج أن يصل كل طرف إلى سن معينة، وفى تلك السن يكون قد بلغ النكاح ويجوز عقد الزواج له، أما قبل ذلك فلا يجوز، كما أنه تعالى يخاطب أزواج النبى عليه الصلاة والسلام: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ) الأحزاب 32، فالخطاب موجه لنساء راشدات تجاوزن سن الطفولة.

وعمومًا لم يتم تحديد سنوات الميلاد للمسلمين الأوائل إلا بعد وفاتهم استنادًا إلى الرواية الشفهية، والتى تحدد تاريخ ميلاد الشخص بعد أن يكون معروفًا ومطلوب الكتابة عنه، وتاريخ ميلاد السيدة عائشة كتبه من لم يراها، بل عاش بعد موتها بعشرات السنين. 

 حديث الإفك

يرتبط حديث الإفك باتهام السيدة عائشة أم المؤمنين بالزنا ونزول براءتها فى سورة النور، وملخص الرواية أن النبى كان إذا أراد سفر اقترع بين نسائه، فمن يخرج سهمها تخرج مع النبى.

وفى غزوة بنى المصطلق كانت القرعة من نصيب السيدة عائشة، وأثناء رجوع الجيش افتقدت قرطها فنزلت تبحث عنه، وانطلق الجيش وهم يظنونها داخل الهودج، ورجعت فوجدت الجيش قد انطلق فنامت مكانها إلى أن جاء صفوان بن المعطل السلمى فحملها على جمله وأتى بها إلى المدينة، فاتهمها المنافقون به، وغضب منها الرسول إلى أن نزلت فيها آيات سورة النور تعلن براءتها: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 11. 

والقرآن الكريم ينفى أن النبى كان يصطحب نساءه فى غزواته: (وإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) آل عمران 121، بمعنى خرج النبى وترك أهله وهم زوجاته، لكى ينظم صفوف المؤمنين للقتال، ولم تكن معه واحدة من نسائه منذ أول غزواته.

وفى غزوة الأحزاب فى العام الخامس من الهجرة، نزلت سورة الأحزاب وفيها الأمر بالحجاب لنساء النبى وأن يمكثن فى البيت ولا يخرجن منه: (وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب 33، يأمرهن تعالى بالبقاء فى البيت، وبالتالى لا خروج لإحداهن فى غزوة بنى المصطلق، كما جاء فى الروايات.

وسورة النور من أوائل السور التى نزلت فى المدينة، وجاءت بتشريعات اجتماعية تنظم السلوكيات لحماية المجتمع الإسلامى، وكان ذلك قبل غزوة بنى المصطلق بسنوات. 

والآيات فى سورة النور تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، وتتحدث عن مجموعة من الضحايا البريئات، فالآيات لا تتحدث عن أم المؤمنين عائشة، ولو كان لها علاقة بحديث الإفك لنزل ذلك فى القرآن صراحة، فقد تحدث عن أمهات المؤمنين وبيت النبى فى سورة الأحزاب وفى سورة التحريم وخاطبهن فى أمور أقل خطرًا من ذلك الاتهام، ولكن سورة النور لا تتكلم عن أى واحدة من نساء النبى. 

تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا وهى الجلد، ثم عقوبة رمى المحصنات، ثم قضية الملاعنة بين الزوج وزوجته، ثم تدخل السورة على حديث الإفك بتقرير نفهم منه أن عقوبات الزنا وقذف المحصنات ترتبط بالحديث التالى عن الشائعات التى راجت فى المدينة وقتها.

وإن حديث الإفك ليس خاصًا بإحدى نساء النبى، وإنما هو أمر اشترك فيه جماعة من المؤمنين اتهموا جماعة أخرى من المؤمنين بالباطل، فى ذلك يخاطب تعالى المؤمنين فى المدينة: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) النور 11، لأنه بسببه أنزل الله فى السورة التشريعات التى تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للشائعات.

ثم الحديث عن عموم المؤمنين: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) النور 16، وتمضى الآيات تخاطب جموع المسلمين لأن المظلومين جماعة والذين ظلموهم جماعة أخرى، وقد تداول المسلمون الأقوال والشائعات بدون تفكير.

ولأن المظلومين مجموعة والظالمين مجموعة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور 19، فالمنافقون أرادوا بتوزيعهم التهم على مجموعات المؤمنين أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا.

ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فإن الله توعد الظلمة بعذاب شديد (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 23.

وعبارة (الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ)، هى الموضع الوحيد فى القرآن الذى جاءت فيه صفة الغفلة بمعنى السذاجة، ووصف المحصنات البريئات بالغفلة دليل على أنهن كن يتصرفن بالفطرة النقية فى التعامل مع الناس، ولو كان مجتمع المدينة خاليًا من المنافقين والذين فى قلوبهم مرض ما لحقت بهن الشبهات والاتهامات. 

وجاءت الآيات التالية عن تشريع الاستئذان لمنع الشبهات والأقاويل، والتشريعات الاجتماعية فى الزى والنكاح، وذلك هو الخير الذى قالت عنه الآية الأولى فى موضوع الإفك: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) النور 11.

السيدة عائشة أم المؤمنين لا علاقة لها بحديث الإفك فى سورة النور، وهى التى وصى النبى عليه الصلاة والسلام بأن يأخذ المسلمين نصف دينهم عنها: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»، والحميراء مصغر الحمراء وهى البيضاء البشرة وبها حمرة، والسيدة عائشة كانت تفتى والصحابة حضور، وخالفتهم فى فتاواهم، ولم يتهمها أحد بنقصٍ فيها ليثبت أن كلامه أصح من كلامها.

وتختلف الروايات عن القصص القرآنى الذى قال عنه تعالى: (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ..) آل عمران62، فالقصص القرآنى تحدث عن أحداث عاصرت نزول الوحى فتم تسجيل الحدث مجردًا من الزمان والمكان والأشخاص ليكون موعظة وعبرة للناس فى كل زمان ومكان.

مع الوضع فى الاعتبار أن القصص القرآنى حق مطلق لأنه كلام الله تعالى، أما الحق فى الروايات التاريخية فهو نسبى لأنه كلام البشر، ولذلك فالقصص القرآنى يصحح لنا أخطاء الروايات التاريخية.