
محمد هانى
يد الحكومة وقلب القاهرة
من حق الناس أن يكونوا على علم كامل بحيثيات وتفاصيل ما تنوى الحكومة اتخاذه من قرارات مهمة أو ما تخطط له من مشروعات كبرى أو ما تسعى لإصداره من قوانين تمس حياتهم اليومية ومستقبلهم.. وأن يكونوا مطمئنين إلى أن كل ذلك يقنعهم ويحقق مصالحهم ويحوز رضاهم ويحافظ على مكتسباتهم وأصول وهوية وطنهم.
الحكومة ليست سلطة مطلقة، تقرر فتنفذ وتأمر فتطاع، فالشعب مصدر شرعيتها، والأصل أنه رقيب عليها عبر نوابه ومؤسساته التشريعية والرقابية والقضائية وعبر أحزاب وإعلام حر مسئول يتفاعل مع الرأى العام ويعبر عنه.
هذا حق ثابت للشعب وهو الضمان الوحيد لاستقرار وتقدم أى دولة والمقياس الوحيد لجدارة أى حكومة وجدوى بقائها.. وبالتالى فالحوار الدائم بين الحكومة والمجتمع لا يجب أن ينقطع أو يُقيَّد أو يكون من جانب واحد؛ بل لا بد أن يتدفق عبر كل وسائل الإعلام وبكل الأشكال بدءًا من البيانات والتصريحات والمعلومات والردود الواضحة الوافية، ومرورًا بالمؤتمرات الصحفية المفتوحة والحوارات المباشرة مع المسئولين والمناقشات متعددة الآراء حول القضايا الحيوية، ووصولًا إلى نشر وإذاعة ما يختص بها من جلسات البرلمان، وذلك حسب ما تقتضيه كل حالة.
أما المساحات الرمادية والمعلومات المقتضبة فهى تفتح دائمًا مجالًا للتخوفات والشك والشائعات سواء كانت ممنهجة ومتعمدة أم لا.
وقد اضطر مجلس الوزراء الأسبوع الماضى إلى إصدار نفى لما تم تداوله حول وجود نية لإزالة مبانٍ تاريخية أو محال تجارية فى القاهرة الخديوية (منطقة وسط البلد)، وقد أشيع ذلك فور نشر بيان للمجلس حول اجتماع عقده رئيس الوزراء تابع فيه خطوات البدء فى المشروع الجديد لتطوير مربع الوزارات بقلب القاهرة - قالت تقارير صحفية إنه يشمل مناطق رمسيس وشامبليون والجلاء والأزبكية وعماد الدين ومعروف وقصر النيل وعابدين والبستان وباب اللوق وميدان التحرير - منوهًا إلى أن رجل الاقتصاد المعروف هشام طلعت مصطفى بصفته عضو اللجنة الاستشارية لتطوير السياحة المصرية عرض مجموعة من الأفكار والمقترحات بشأن طرح هذه المنطقة على القطاع الخاص، ولفت رئيس الوزراء فى مستهل الاجتماع إلى الجهود المبذولة حاليًا «لسرعة» الطرح، وهو ما تأكد بعد 48 ساعة حين أعلن أن الطرح سيتم خلال شهرين.
ورغم أن بيان المجلس أشار إلى أن ذلك سيتم «بما يحافظ على الطابع المعمارى والقيمة الحضارية» وإلى أنه «سيتم الاستفادة من دراسات تخطيطية وعمرانية سبق إعدادها»؛ فإن حجم المشروع وآثاره وارتباطه بقلب العاصمة التاريخى الذى يمثل جزءًا عظيمًا من هويتها وثروتها المعمارية وقيمتها عالميًا، لم يكن يكفى لبث الاطمئنان حوله مجرد بيانات وتصريحات رسمية فى مؤتمرات صحفية اعتيادية أو حتى مداخلات هاتفية للمتحدث باسم المجلس، خاصة أنه تزامن مع الأثر الممتاز محليًا ودوليًا لزيارة الرئيس الفرنسى «ماكرون» إلى مصر والتغطية الإعلامية لجولته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى منطقة الحسين والجمالية وخان الخليلى وما نشأ عنها من حالة زهو شعبى بالطابع الحضارى والثقافة والشخصية المصرية فضلًا عما تضمنه برنامج الزيارة -الذى تم تصميمه بذكاء- من لقاءات فى مؤسسات علمية عريقة ومواقع سياحية فريدة، كجامعة القاهرة والمتحف المصرى الكبير، تعكس مكانة مصر بوجهيها التاريخى والحديث.
وأظن أنه من قبيل المسئولية السياسية أمام الشعب المصرى أولًا.. وتجنبًا لمساحات شك وجدل وغموض أحاطت بأعمال سابقة فى مناطق مثل المقابر التاريخية والزمالك والميريلاند والمنتزه والمتحف الزراعى.. وتحقيقًا للأهداف السياحية والاستثمارية التى تخاطب الخارج.. ولاعتبارات حجم المشروع الضخم والقيمة الحضارية والمعمارية العظيمة للمنطقة التى سيتم تنفيذه فيها.. فإن عددًا من الخطوات لا بد أن تُتَخذ منها:
إعلان جميع تفاصيل المشروع وخططه التنفيذية فى مؤتمر صحفى عالمى، وإتاحة الدراسات السابقة والمستجدة بخصوصه، وطرح مقترحات دمج المواقع والأنشطة الثقافية والفنية وذات الطابع التاريخى فيه، وشروط ومحددات ضمان الحفاظ على الطابع والثروة المعمارية لقلب العاصمة، وعرض كل ذلك أمام مجلس النواب وفى وسائل الإعلام عبر حوارات مباشرة ومناقشات يشارك فيها رئيس الوزراء والمجموعة الوزارية المختصة - بمن فيها وزير الثقافة - وجهاز التنسيق الحضارى وأعضاء اللجان العلمية المشاركة. لا يجب أن تكون نظرتنا لأنفسنا أقل من نظرة الآخرين إلينا، ولنتذكر دائمًا ما قاله «ماكرون» فى جامعة القاهرة: «نحن نتحدث هنا مع أقدم حضارات العالم وأكثر البلاد شبابًا».