الطريق الثالث.. طريقة حكم ترامب تكشف نواياه وتفضح طموحه الرئيس الأمريكى يخطط للحصول على «ولاية ثالثة»
تقودنا المحطات السياسية المثيرة فى حياة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حتمًا إلى محطة تحطيم تابو «المدتين الرئاستين» التى تعتبر من أبرز سمات النظام السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتفسر محطة الوصول أو الهدف الذى يسعى إليه ترامب طريقة حكمه التى أرهقت العالم من حوله، وربما تكشف لنا عن سر حماسه المثير وقراراته الغزيرة التى يريد بها أن يغير أمريكا ومعها النظام العالمى بأكمله وفق معطيات ورؤى لم يألفها شعبه ولا شعوب العالم حول طبيعة الدور الأمريكى وملامح الامبراطورية التى هيمنت على مصير الكرة الأرضية طوال النصف الثانى من القرن الماضى وأكثر من عقدين فى القرن الحالى.
والولاية الثالثة، هى الطموح الذى يحرك ترامب ورجال إدارته الذين تم انتقاؤهم بعناية من معتنقى مشروعه السياسى الذى أصبح يحمل سمات «الترامبية»، والتى تحولت إلى أقوى (براند سياسي) فى العالم، تكتمل أسطورته إذا نجح فى الوصول إلى منصة التنصيب للمرة الثالثة كما يخطط الرئيس الأمريكى، كاسرا العهد الرئاسى الذى صكه شفاهة الرئيس الأول جورج واشنطن، حتى أصبح مكتوبا فى التعديل الدستورى رقم (22)، والذى تم إقراره سنة 1951 ليمنع أى رئيس أمريكى من الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين، وقد جرى ذلك فى أعقاب تجربة الرئيس روزفلت المتفردة فى تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، والتى استمر فيها لأربع مدد رئاسية متتالية ما بين عامى (1933: 1945).
البداية المبكرة
لم يضع ترامب وقته ومنذ أن أعلن نتيجة السباق الرئاسى فى نوفمبر من العام الماضى، وبدأ هو ومؤيدوه تفجير بالونات دعائية لاختبار الرأى العام الأمريكى حول مسألة ترشحه لولاية ثالثة.
ثم تقدم النائب الجمهورى آندى أوجلز بعد مرور أيام قليلة من بدء ولاية ترامب الثانية (والأخيرة بموجب الدستور)، بمقترح لتعديل دستور الولايات المتحدة للسماح للرئيس دونالد ترامب وأى رئيس مستقبلى آخر بالانتخاب لفترة ولاية ثالثة فى البيت الأبيض، فى محاولة لمنح ترامب وقتا أطول فى البيت الأبيض لتنفيذ أجندته التى يبلورها شعار «أمريكا أولا».
ثغرة الدستور
فيما أشار خبراء إلى أن ترامب يمكنه استغلال وضعه الاستثنائى، والذى لم يذكر صراحة فى التعديل رقم (22) للدستور الأمريكى، ليعود مجددا إلى البيت الأبيض مرة ثالثة، حيث إنه لم يفز غيره من رؤساء الولايات المتحدة بولايتين غير متتاليتين منذ تطبيق هذا التعديل الدستورى خلال حكم الرئيس هارى ترومان (1946: 1954).
وقد علقت مجلة «بولتيكو» الأمريكية على فكرة ترشح ترامب لولاية ثالثة فى تقرير سابق لها، قائلة: «بصرف النظر عن تعديل أو إلغاء التعديل الثانى والعشرين، قد يحاول ترامب أيضًا استغلال ثغرة فى التعديل من شأنها أن تسمح له بالترشح لمنصب نائب الرئيس بعد انتهاء الولاية الحالية، ليصبح رئيسًا بعد الانتخابات، فقد يترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى، معتمدًا على فكرة أن المحكمة العليا الداعمة له لن تتدخل لمنعه».
تعديل دستوري
وأشارت شبكة «إن بى سي» إلى وجود طريقتين لتغيير الدستور الأمريكي: الأولى، يستدعى الأمر موافقة ثلثى الأصوات فى الكونغرس، أما الثانية، فيجوز لثلثى الولايات (34 من أصل 50) عقد مؤتمرا دستوريا يتم فيه اقتراح التعديلات.
وتؤكد جينا إليس المستشارة القانونية لترامب خلال حملة 2020، أن الرئيس سينظر على الأرجح فى ولاية ثالثة، قائلة: «هذا يتطلب تعديلات على الدستور، دعونا لا ننسى أن التعديلات حددت سابقًا حدًا زمنيًا، ولكن يمكن أيضًا إلغاؤها».
ملامح رئاسة ترامب
وقد نشر الزميل العزيز الدكتور عزت إبراهيم رئيس تحرير صحيفة «الأهرام ويكلي» عبر صفحته على موقع (facebook)، تقريرا متميزا لطريقة حكم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ترجمه وحرره نقلا عن تحليل سياسى كتبته إريكا إل جرين، المحررة المسئولة عن شئون البيت الأبيض فى صحيفة «نيويورك تايمز»، وتبلور إلى النقاط التالية:
1. التناقض كتكتيك سياسى: يعتمد ترامب على تناقضاته المتكررة، ما يسمح له بتقديم روايات متضاربة وإرباك خصومه، ما يجعله صعب التحديد بشأن مواقفه الحقيقية.
2. تناقضات فى القضايا الداخلية: انتقد برامج التنوع والمساواة، واعتبرها خطرة، لكنه لاحقًا أقام احتفالًا رسميًا فى البيت الأبيض بمناسبة شهر تاريخ السود، ما يعكس نهجه المزدوج.
3. تصريحات متغيرة حول غزة: أعلن نيته السيطرة على غزة وتهجير الفلسطينيين وإعادة بنائها كـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، لكنه تراجع لاحقًا وادعى أنها مجرد «توصية».
4. موقف متقلب من أوكرانيا: وصف الرئيس الأوكرانى زيلينسكى بـ«الديكتاتور الذى لا يجرى انتخابات»، لكنه لاحقًا تراجع متسائلًا: «هل قلت ذلك حقًا؟».
5. غموض حول جرينلاند: دعا جرينلاند لاختيار الانضمام إلى الولايات المتحدة كخيار حر، ثم لمح لاحقًا إلى أنه قد يفرض ذلك بالقوة.
6. تناقضات فى دعم الأمن الداخلي: أصدر عفوًا عن مثيرى الشغب فى أحداث 6 يناير، رغم ادعائه دعم قوات الأمن والشرطة.
7. تشكيك فى الحقائق العلمية والإدارية: زعم أن سياسات التنوع أدت إلى تحطم طائرة فوق نهر بوتوماك، لكنه لاحقًا تراجع، قائلًا إن السبب قد يكون مجرد «عدم كفاءة».
8. استراتيجية «الغموض البناء» فى السياسة الخارجية: يرى البيت الأبيض أن تناقضات ترامب تجعله مفاوضًا ماهرًا، حيث يترك المجال مفتوحًا للضغط وتحقيق أهدافه من خلال تصريحات غير واضحة.
9. استخدام أسلوب «الحياكة» فى خطابه: يفتخر ترامب بأسلوبه غير الخطى فى الحديث، والذى يسميه «الحياكة» أو (The Weave) ما يجعله قادرًا على التراجع أو تغيير رأيه بسهولة.
10. تجاهل المبادئ الديمقراطية: اقترح مازحًا ترشحه لولاية ثالثة، رغم أن ذلك يخالف الدستور الأمريكى، ما يعكس محاولاته المتكررة لاختبار الحدود الديمقراطية.
11. إضعاف الثقة بالمؤسسات الأمريكية: من خلال نشر معلومات متناقضة ومضللة، يساعد ترامب فى زعزعة ثقة الجمهور بالمؤسسات الإعلامية والحكومية، ما يعزز صورته كزعيم «خارج عن النظام التقليدى».
12. توظيف الأكاذيب كأداة للسيطرة: يرى تونى شوارتز، كاتب سيرته، أن هدف ترامب ليس الدقة بل «الهيمنة»، وهو ما يتجلى فى تصريحاته المتناقضة التى تبقيه فى موقع القوة.
13. إثارة الشكوك حول النظام السياسي: بحسب جيسون ستانلى، أستاذ الفلسفة بجامعة ييل، فإن عدم الاتساق المستمر فى خطابات ترامب يهدد الديمقراطية، حيث يؤدى إلى فقدان «إحساس مشترك بالواقع».
14. محاولة تحويل الواقع لصالحه: تصريحات ترامب المتضاربة تتيح لأنصاره اختيار ما يناسبهم من مواقفه، ما يمنحه غطاءً سياسيًا واسعًا يمكنه من المناورة بسهولة.
15. السيطرة على الخطاب الإعلامى: التناقضات المتعمدة تجعل وسائل الإعلام فى حالة متابعة دائمة لتصريحاته المتغيرة، ما يضمن له هيمنة مستمرة على الأجندة الإعلامية والسياسية.