إسرائيل أصدرت ضده أحكامًا بـ 1340 عامًا أحمد البرغوثى: دموع أمى أشعلت مسيرتى النضالية مبكرًا "الحلقة 3"

محمد الجزار
تعرف الأسير المحرر أحمد البرغوثى - الشهير بالفرنسى والذراع اليمنى للمناضل مروان البرغوثى - والذى واجه حكما بـ بـ1340 سنة، على ظلم وإجرام الاحتلال الإسرائيلى منذ طفولته الأمر الذى دفعه للانخراط فى سن العاشرة فى مقاومة هذا الكيان الصهيونى.
أسس «البرغوثى» فى السجن «جامعة الأسر» وحول الزنازين لساحة علم ووضع مع الأسرى نظاما خاصا بالسجن لمواجهة السجان الإرهابى الجبان.
ولد أحمد البرغوثى فى قرية دير غسانة شمال غرب رام الله فى 1976 ونشط فى صفوف حركة «فتح» وتم الإفراج عنه فى الدفعة السادسة ضمن المرحلة الأولى باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، والذى تقرر إبعاده للخارج.
تعرض «البرغوثى» الملقب بـ«الفرنسى» بسبب عيونه الخضراء وبشرته البيضاء،خلال فترة اعتقاله، للتحقيق القاسى والعزل الانفرادى، والضرب والتنكيل الذى تفاقم فى ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتنقل بين عدد من السجون الإسرائيلية وخاض عددا من الإضرابات مع الأسرى حتى تم تحريره فى 15 فبراير الماضى.
قال «البرغوثى» فى حواره مع «روزاليوسف» إن طفولته بدأت كما كل أطفال بلاده، وتفتحت عيناه فى سنوات عمره الأولى على الظلم والعنف الذى يمارسه جيش الاحتلال الإسرائيلى بحق كل الفلسطينيين.
لامس الأسير المحرر الظلم الحقيقى، وكيفية حرمان أقرانه من طفولتهم بشكل ممنهج قائم على سياسات الإنكار للحقوق والردع والملاحقة واعتقال هؤلاء النشء، نظرا لقرب سكن أسرته فى مدينة البيرة من مراكز رئيسية لسلطات الاحتلال.
بدأت مشاركة «البرغوثى» الفعلية فى المقاومة، فى سن العاشرة من عمره، عندما انفجرت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987، ضد الظلم والقهر، لأنه كان من أطفال الحجارة الذين تصدوا للسيارات العسكرية الإسرائيلية وحشود جيش الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة فى مدينتى رام الله والبيرة.
وقال الأسير المحرر: إن أسرته الصغيرة والكبيرة مثل كل الأسر الفلسطينية، التى تؤمن بالحق الكامل فى مقاومة الاحتلال فى سبيل نيل الحرية، ومن هنا كانت النشأة الأولى، حيث رضع حب الوطن والانتماء له مع حليب طفولته الذى رضعه من صدر أمه، لينطلق فى سن مبكرة للتضحية وتقديم الوطن ووجعه على كل شىء.
وذكر «البرغوثى» أكثر المشاهد تأثيرا فى حياته، عندما رأى أمه تذرف الدموع بعد إعلان الشهيد ياسر عرفات، إقامة الدولة الفلسطينية من الجزائر عام 1988، وعندما سأل والدته عن سبب دموعها أيقنت أن الوطن أغلى من كل شيء، وهذه الدموع أشعلت بداخلى مسيرتى النضالية مبكرًا.
وأوضح الأسير الفلسطينى المحرر أن الاحتلال أراد أن يحول الأسير الفلسطينى إلى إنسان جاهل فارغ من محتواه الداخلى الوطنى والفكرى وحتى الإنسانى، وكان لا بد من مواجهة هذا التحدى الخطير، ومنذ بدايات الاحتلال كان الدفتر والقلم والقراءة وإنتاج الروايات والمؤلفات أدوات مقاومة داخل السجون، ومع تراكمات السنين، وبعد اعتقالى برفقة القائد مروان البرغوثى أبو القسام، توجهنا نحو خطوة جديدة فى تمكين الأسرى وتحويل رقم الأسير إلى رقم جامعى، يحمل دلالات كبيرة، ورسالة حيّة للعالم على حبنا وعشقنا للحياة حتى ونحن داخل الأسر، وبدأنا برامج تعليمية حقيقية من خلال لجان عملية رسمية من الأسرى من ذوى حملة الشهادات.
وتابع: «بهذه الخطوة أصبح هناك مساحة للأسير بأن يتقدم لامتحان الثانوية العامة من داخل زنزانته بعيدًا عن أنظار الاحتلال، والانطلاق للحصول على شهادة البكالوريوس والماجستير بالتعاون مع جامعات فلسطينية من خلال اتفاقيات رسمية، كما التحق الكثيرون بالجامعة العبرية، وهناك المئات من الأسرى ممن تخرجوا وأصبحوا حاملين لهذه الشهادات، ليحصل حوالى 1500 أسير على درجة الماجستير والدكتوراة والفضل فى ذلك يعود بشكل أساسى للأخ القائد مروان البرغوثى، الذى أصر أن يعيدنا للحياة والحيوية والفعالية، بعد أن كادت تنال منا أحكامنا الانتقامية بالسجن المؤبد».
وكشف «أحمد البرغوثى» عن علاقته بالمناضل مروان البرغوثى، الذى تربطه به علاقات وطنية متينة وعائلية، ففى بداية الثمانينيات بدأ ظهور مروان الجلى فى مقاومته للاحتلال، وقيادة الشباب والطلبة لمواجهة الظلم الصهيونى، وتأثر كثيرًا بشخصيته، وتقرب منه للمساهمة فى تقديم شيء للوطن حتى لو بالحجر المقاوم.
وأشار «البرغوثى» إلى أن الحياة فى الأسر خُلقت من العدم، وكان المطلوب منهم خلق حياة سريعة داخل المعتقلات، مبنية على النظام والالتزام، ليؤسسوا دولة مصغرة لها قوانينها وتشريعاتها فى كل مناحى الحياة، إلى أن أصبحت لديهم قوانينهم الذاتية داخل السجن بشكل أقوى من تلك الموجودة فى دولة الاحتلال، وكان ما يقلق الاحتلال بأننا دولة داخل دولة.
مثلت الزيارات الأُسرية للأسرى داخل السجن، نافذة يحصل منها على الحب والعاطفة والحنين للوطن، وتعزز الصبر والصمود وترفع المعنويات، الأمر الذى كان يمثل إزعاجا لسلطات الاحتلال التى تسعى دائما لحرمانهم من هذا الحق من خلال منع ذويهم من الزيارة، أو بتحويل الزيارات لرحلة عذاب بحسب «البرغوثى».
وتابع: «حتى نلتقى بأهلنا فى زيارة لمدة خمسة وأربعين دقيقة، هذا يكلفهم رحلة معاناة تبدأ الساعة الرابعة فجرًا وتنتهى آخر الليل، والمضحك أن إدارة سجون الاحتلال كانت فى بعض الأحيان ترفض زيارات أمهاتنا وآبائنا وأشقائنا والذريعة لا يوجد صلة قرابة، وكانت زيارة والدى الأولى لى وأنا فى الأسر بعد عشر سنوات، وتوفى والدى ولم أتمكن من وداعه».
واعتبر البرغوثى أن طوفان الأقصى جاء فى مرحلة ركود السجون على قاعدة الإيمان بالقدر بأنهم سيقضون حياتهم كاملة داخل الأسر، فى ظل ارتفاع وتيرة الهجمة الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى وأرضه، وانعدام الأفق السياسى، إلا أن الإخوة فى كتائب القسام وفصائل المقاومة كانت لهم نظرة نحو ضرورة كسر الجمود فيما يتعلق بمصير الآلاف من الأسرى المؤبدات وذوى الأحكام العالية، وبالفعل كان السابع من أكتوبر من العام 2023 الموعد لتحقيق هذا الحلم، وتمكنت المقاومة من أسر المئات من الإسرائيليين، كلف ذلك شعبنًا ثمنًا كبيرًا تمثل بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والدمار لقطاع غزة، ولكن كان أيضًا هناك حقيقة بأن هذا الطوفان أعادنا كما أعاد أسرنا وعائلاتنا للحياة بعد أن كنا على وشك أن نفقد الأمل النهائى بحريتنا، وهنا نشكر كل من كان سببًا فى هذه الحرية.
ووصف «البرغوثى» الرئيس الأمريكى ترامب، بعد إعلانه شراء غزة بأنه مراهق وغير سوى، يرى العالم مزرعة بيده، وتصريحاته وآراؤه تدل على مدى تطرفه وغبائه، فغزة غير قابلة للبيع، فهى أرض فلسطينية وجزء أساسى من دولتنا، ولا يحق له ولكل حلفائه أن يتحدثوا عنها بهذه الآلية، ولا يوجد فلسطينى قادر على التفريط بشبر واحد من فلسطين، لذلك تصريحاته مراهقة سياسية لعجوز يتجه نحو الدخول فى مرحلة الشيخوخة غير المؤهلة للقيادة وممارسة العمل السياسى والدبلوماسى.
ووجه الأسير المحرر كلمه لأبناء شعبه قال فيها: «أشكر شعبنا الفلسطينى فى كل مكان على تضحياتكم وصبركم وتحملكم للوحشية الإسرائيلية فى سبيل أن نكون بينكم مجددًا، وأن ما قدّمتموه سيبقى أمانة فى أعناقنا للأبد، تحديدا أهلنا فى غزة، أما لأسرانا نحن بانتظاركم، ستعودون للحياة كما عدنا رغمًا عن إرادة هذا الاحتلال، اصبروا قليلا نحن بانتظاركم».
وأكد أحمد البرغوثى أن مصر هى العمق العربى الحقيقى لدولة فلسطين، وبمثابة وطنهم الثانى وملجئهم التاريخى، لإيمانهم بالقاعدة الراسخة أنه إذا كانت مصر بخير فكل العرب بخير، موجها التحية والشكر لمصر، ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى وكل قادة المؤسسة الأمنية المصرية والجيش، وللشعب المصرى العظيم على المعاملة والاستقبال، وكذلك دولة قطر وقادتها وكل من كان له لمسة وبصمة فى حريتهم واحتضانهم.