
أسامة سلامة
أساقفة الكنيسة القبطية يردون على ترامب
«حين يرتكب الإنسان شرا أو يقترف إثما يتحمل هو وزره، أما أن يرتكب الإنسان شرورا باسم الله والدين فهذا ما لا يقبله العقل وينكره أى دين.. ولكن هذا ما فعلته إسرائيل الحالية التى اغتصبت أرض فلسطين وشردت أهلها وارتكبت حماقات وشرورا باسم الدين وهو منها براء»، ما سبق جزء من مقدمة كتاب «إسرائيل.. الحقيقة والمستقبل من منظار مسيحى» والصادر مؤخرا من المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، والذى أعده وقدمه الأنبا أرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى، وأعاد فيه نشر محاضرتى الأسقفين الراحلين المتنيحين الأنبا يؤانس أسقف الغربية والأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات اللاهوتية والبحث العلمى، وأهمية إعادة نشر المحاضرتين التى مر عليهما أكثر من نصف قرن أنهما تذكران الناس بموقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الواضح والوطنى والثابت من القضية الفلسطينية ومن إسرائيل خاصة فى ظل الاعتداء الغاشم على غزة وأهلها، وهما أيضا أبلغ رد على الادعاءات الصهيونية وعلى مخطط ترامب بتهجير أهل غزة والفلسطينيين من أرضهم، فى محاضرة الأنبا يؤانس قال بوضوح «إن إسرائيل الحالية لا علاقة لها بإسرائيل التى ورد ذكرها فى الكتاب المقدس، بل هى عصابات صهيونية تمثل حركة استعمارية فاشية عنصرية ترتكز فى مبادئها على العدوان، وتستخدم العنف لتحقيق أهدافها»، ويشرح «أن إسرائيل فى الكتاب المقدس لها ثلاثة مدلولات، الأول اسم أُعُطى ليعقوب بن إسحق بن إبراهيم، والثانى اسم أُطلق على نسل يعقوب فى العهد القديم، والثالث إسرائيل بمدلولها الرمزى تشير إلى الكنيسة المسيحية أى المؤمنين بالمسيح فى العهد الجديد، وبهذا فإن إسرائيل القديمة فى الكتاب المقدس تتميز عن إسرائيل اليوم العنصرية الإرهابية التى لا سند لها من الكتاب المقدس»، ويفند الأنبا يؤانس أسطورة شعب الله المختار ويقول «الله هو إله البشر جميعا لأنه خالقهم، ولا يفرق بين شعب وشعب ولا بين جنس وجنس، ولا يوجد شعب دماؤه نقية وآخر دماؤه غير نقية فالجميع ينحدرون من أصل واحد هو آدم أب البشرية كلها، فشعب الله المختار حدث فى فترة معينة ولحكمة إلهية خالصة»، ويكشف الأنبا يؤانس محاولات أنصار إسرائيل الحالية استغلال بعض كلمات العهد الجديد وتعبيرات الإنجيل لتحقيق أغراضهم مثل «أورشليم وجبل صهيون وأرض الميعاد وقالوا إنها تشير إلى فلسطين باعتبارها جُغرافيا أماكن ومواضع فيها، ولكن المسيحية ترى أنها تشير إلى الكنيسة من ناحية والحياة الأخروية الأبدية فى السماء من ناحية أخرى، كما حاولوا استغلال عبارة نسل إبراهيم لصالحهم لكن المسيحية تُعلم أن نسل إبراهيم لا يقصد به النسل الجسدى بل نسل إبراهيم الروحى وهو جميع المؤمنين بالمسيح، أما عن مملكة داوود الخالدة التى يسعون جاهدين لإقامتها فان اليهود فهموا الملك فهمًا حرفيًا ماديًا أما الله فقصد بالمملكة المُلك الروحى»، ويؤكد الأنبا يؤانس أن إسرائيل «انتهت كدين فالمسيحية تؤمن أن التوراة كان كتابا ناقصا أتمته المسيحية بتعاليمها وعقائدها الواردة فى العهد الجديد وبناء عليه فلا وجود الآن لليهودية كدين، وبالتالى لا وجود لإسرائيل، أما إسرائيل الحالية فهى دولة سياسية من وجهة النظر المسيحية»، وعلى نفس النهج والرؤى سار الأنبا غريغوريوس فى محاضرته كاشفا أنه «ليس الله هو من أقام دولة إسرائيل ولكن اليهود هم الذين أقاموها كمحاولة إنسانية وخطة بشرية ليس الله صاحبها»، ويقول «لقد أنبأ المسيح أثناء إقامته على الأرض بخراب أورشليم وتشتيت شعبها عقابا على رفضهم لدعوته وعدم الإيمان به بوصفه المسيح المنتظر ومخلص العالم» ويضيف «سعى اليهود مرارا إلى أن يعودوا إلى أورشليم ويبنوا فيها الهيكل فلم يفلحوا مدة ألفى عام فالأمة اليهودية انتهت ككنيسة الله ولم يعد لها وجود أمام الله لأنها تحت الغضب الالهى، ومادام اليهود الآن تحت غضب الله وقد حلت عليهم اللعنة إلى النهاية فليس لهم أمام الله كيان معترف به وليس كل جهدهم إلا محاولة إنسانية مصيرها الفشل المحقق، ولن يرتد عنهم غضب الله ما لم يدركوا خطأهم وخطيئتهم برفضهم المسيح ويتحولوا عن عنادهم وترقبهم لمسيح آخر على طراز شمشون الجبار وغيره من المحاربين الأشداء يخلصهم من أعدائهم الظاهرين ويؤسس منهم مملكة قوية تقهر غيرهم من الأمم فتتحقق أحلامهم فى دولة كبرى تحكم العالم بأسره»، ويضيف «اليهودية انتهت كديانة والكنيسة اليهودية انتهت ككنيسة ولم يعد لها أمام الله وجود معترف به أو كيان يستند إلى قوة إلهية كما كان الحال قبل صلب المسيح ولذا فإن كل تعبير يرد فى العهد الجديد يشير إلى إسرائيل المقصود به الكنيسة المسيحية التى حلت مكان الكنيسة اليهودية وصارت الوريث الشرعى لها، ومعنى هذا أن اسم إسرائيل صار له معنى جديد فى العهد المسيحى لا يرتبط بالأنساب الجسدية، واصبح اسما معنويا يطلق على من صاروا بالإيمان بالمسيح أولاد الله»، ويرى الأنبا غريغوريوس «أن كل نبؤات العهد القديم التى تشير إلى كيان لشعب اليهود وكنيستهم وهيكلهم لابد أن تُفهم على أنها قد تمت فى الماضى بمجئ المسيح أو قبل مجيئه بالجسد، وكل نص يشير إلى نجاح لهم أو انتصار على أعدائهم يجب أن يُؤخذ على أنه حصل فعلا فى إحدى رجوعاتهم السابقة لمجئ المسيح لأنهم قد سُبوا خارج بلادهم ورجعوا إليها عدة مرات بحيث لم يعد لتلك النصوص دلالة على نصر جديد أو نجاح جديد فى إعادة كيان الكنيسة اليهودية بمعناها القديم، وبتأسيس الكنيسة المسيحية أمست الكنيسة اليهودية غير ذات موضوع»، هذه هى رؤية اثنين من كبار أساقفة الكنيسة القبطية قالوا هذا الكلام منذ ما يقرب من نصف قرن ولا تزال كنيستنا المصرية متمسكة بهذه المفاهيم العميقة والكاشفة لأكاذيب الصهاينة والمروجين لها، ولهذا كل الشكر للأنبا أرميا الذى أعاد نشر المحاضرتين المهمتين فى هذا التوقيت العصيب الذى تمر به القضية الفلسطينية وهما بالفعل أبلغ رد على دعاة الصهيونية المسيحية آراء وتصرفات قادة إسرائيل وأمريكا وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى ترامب.