بحضور 400 شخصية من مختلف دول العالم بما يعكس أهمية الحدث الكبيرة الإمام الأكبر والأزهرى وعياد يشاركون فى مؤتمر الحوار الإسلامى الدولى بالبحرين

صبحى مجاهد
شارك كل من فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف، والدكتور نظير عياد مفتى الجمهورية فى مؤتمر الحوار الإسلامى - الإسلامى ،الذى عقِد بمملكة البحرين يومى 19 و20 فبراير الجارى، تحت رعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين.
هذا وقد شهد المؤتمر حضورًا واسعًا ومميزًا لنخبة من الشخصيات البارزة والعلماء وقادة الفكر الدينى، حيث تجاوز عدد المشاركين 400 شخصية من مختلف دول العالم، مما يعكس الأهمية الكبيرة لهذا الحدث ومكانته فى تعزيز الحوار والتعاون بين الثقافات والحضارات، وقد ضم الحضور نخبة من كبار رجال الدين الإسلامى، ورؤساء المجامع، وقيادات المؤسسات الدينية والفكرية، مما أضفى على المؤتمر زخمًا علميًا ومعرفيًا، وأسهم فى إثراء النقاشات حول القضايا الجوهرية المطروحة.
وعلى هامش المؤتمر التقى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، بحضور فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والمستشار محمد عبدالسلام، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، على هامش أعمال مؤتمر الحوار الإسلامى - الإسلامى، وخلال اللقاء تم تسليط الضوء على الدور المحورى الذى يضطلع به الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية فى نشر الفكر الوسطى ومواجهة التطرف وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش السلمى بين الشعوب، كما تم الاتفاق على تنظيم النسخة الثانية من المؤتمر فى العام المقبل بالعاصمة المصرية القاهرة، تحت رعاية الأزهر الشريف، استمرارًا لجهود تعزيز الحوار الإسلامى وتوحيد الرؤى حول القضايا المصيرية للأمة.
من جانبه قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، إن مملكة البحرين تسعد باحتضان مؤتمرِ الحوارِ الإسلامي-الإسلامى، الذى بادرَ بفكرته فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، من أرض البحرين قبلَ أكثر من عامين، مضيفًا «نحنُ اليوم، نستجيبُ لنداء شيخ الأزهر التاريخى، بإقامةِ هذا المؤتمرِ المهم والهادف إلى تجديد الفكرِ الإسلامى والتمهيدِ لمرحلةٍ جديدة تمكنّنا من التعبيرِ السليمِ والأمينِ عن جوهر الإسلام، والتعاملِ الرشيدِ مع التحدياتِ التى تواجه الأمة وتعوق مسيرة تقدمها الحضارى».
وأكد ملك البحرين خلال فعاليات الجلسة الرئيسية لمؤتمر الحوار الإسلامى - الإسلامى، والتى أقيمت بقصر الصخير الملكى، أن التحديات التى تمر بأمتنا الإسلامية، تحتّمُ علينا بذل المزيد من الجهد للوصولِ إلى كلمةٍ سواء بينَنا، تجمعُ قلوبَنا، وتوحّدُ كلمتنا، وتشُدُّ مِن أَزرِنا، وتنبذ الفرقة والخلاف، مشددًا على أنه لا عِزَّ لأمتنا ولا سلطانَ إلا بوحدتِها، وتمسُّكِها بدينِها، امتثالًا لقوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا، فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
وحدة الأمة.. ودستور أهل القبلة
وخلال كلمته - بمُؤتمر الحوار الإســلامى- الإســلامى أكد فضيلة الإمام الأكبر د. أحــمَد الطَّـيِّــب شَـيْخ الأزهــر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن «التقريب» - بين السنة والشيعة- شغلَ أذهان علماء الأُمَّة رَدحًا من الدَّهْرِ، وحرصوا على دوام التذكير به فى مجتمعات المسلمين، وترسيخِه فى عقولِهم واستحضاره، بل استصحابِه فى وجدانِهم ومَشاعرِهم كُلَّما همَّتْ دَواعى الفُرقةِ والشِّقاق أنْ تُطِلَّ برأسِها القبيح، وتعبَثَ بوَحْدَتِهم فتُفْسِدَ عليهِم أمرَ استقرارِهم وأمنِهم.. ورغم كلِّ ذلك لا يَزالُ موضوعُ: «التَّقريب» مفتوحًا كأنَّه لم يَمْسَسْهُ قلمٌ من قَبل، وسبب ذلكم -فى غالب الظَّن- أنَّ الأبحاثَ التى تَصَدَّتْ لموضوعِ «التَّقريب» إنَّما تصدَّت له فى إطارٍ جَدَليٍّ بَحْت، لم تَبْرحْه إلى كيفيَّةِ النزول إلى الأرضِ وتطبيقه على واقعِ المُجتمعات المُسلِمة.
وأكد الإمام الأكبر على أهمية الاعترافِ بأنَّنا نعيشُ فى أزمةٍ حقيقيَّةٍ يدفعُ المسلمون ثمنها غاليًا حيثما كانوا وأينما وُجِدوا، لافتا إلى أنَّه لا سبيلَ لمُواجَهةِ التَّحَدِّيات المُعاصرة والأزماتِ المتلاحقة، إلَّا باتِّحادٍ إسلاميٍّ تفتحُ قنواتِ الاتِّصال بين كلِّ مُكوِّنات الأُمَّة الإسلاميَّة، دون إقصاءٍ لأيِّ طرفٍ من الأطراف، مع احترام شئون الدولِ وحدودِها وسيادتِها وأراضيها.
وعبر شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين عن ثقته فى أنْ يخرجَ هذا المؤتمر المُبارك بخطةٍ جادَّةٍ قابلةٍ للتطبيقِ «من أجلِ إقرارِ الوحدة والتَّفاهُم والتَّعارُف بين كل مدارسِ الفِكر الإسلامى، ومن أجلِ حوارٍ دائمٍ تُنبَذُ فيه أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع العِرقى والطَّائفى على وجْهِ الخُصوص، ويُركَّز فيه على نقاطِ الاتِّفاق والتَّلاقى، وأنْ يُنصَّ فى قراراتِه على القاعدةِ الذهبيَّة التى تقول: «نتعاون فيما اتَّفقنا فيه، ويَعْذُرُ بعضُنا بعضًا فيما نختلفُ فيه»، كما يُنَصُّ فيه على وقفِ خطاباتِ الكراهيةِ المتبادلة، وأساليبِ التَّفسيقِ والتَّبديع والتَّكفير، وضرورةِ تجاوز الصِّراعات التاريخيَّة والمعاصرة بكلِّ إشكالاتِها ورواسبها السَّيْئة.
وطالب فضيلة الإمام الأكبر أن نأخذ من تجارب غيرنا من المُعاصرين ما يَشحذُ عزائمنا فى تحقيقِ «اتِّحادٍ» إسلاميٍّ تعاونيٍّ يُدافعُ عن حقوقِ هذه الأمَّة، ويَدْفَعُ عن شُعُوبِها الظُّلمَ والغَطْرَسةَ والطُّغيان.. لافتا إلى أن أوروبا بدُوَلِها السَّبع والعِشرين لم تجدْ لها وسيلةً تُدافعُ بها عن شُعُوبِها وتُعزِّزُ سلامَها واستقرارَها، وتحفظُ كيانَها وشخصيتَها من الانسحاقِ والذَّوبان، وتُحقِّقُ فى ظِلِّه نموَّها الاقتصادى، وتحمى بها ديموقراطيَّةَ أبنائها، غيرَ اتِّحادِها وائتلافها، وذلك رُغم تعدُّدِ أجناسِها، واختلافِ أعراقها، ولُغاتها التى تَجاوَز عددُها أربعًا وعشرين لُغةً، ورُغم تعدُّد مُعتقداتٍ دينيَّةٍ ومذهبيَّةٍ لا تَلْتَقى إلَّا فى أقلِّ القليل من العقائدِ والشَّعائر والتقاليد.. فإذا كان غيرُ المسلمين قد استطاعوا -رُغم كثرةِ العوائق- أنْ يُحقِّقوا «اتِّحادًا» يَتدرَّعونَ بِهِ فى معاركهم السياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والثقافيَّة، أفيِعْجِز المسلمون -اليوم- عن تحقيقِ «اتِّحادٍ» تقتضيه ضروراتُ حياتهم وبقائهم ثابتى الأقدامِ فى مَهَبِّ الرِّيحِ العاتية والعواصفِ المُدَمِّرَة، اتِّحادٍ يَنْبَنى على مُشتركاتٍ ودعائم لم تتوفَّر لغيرِهم من الأُمَمِ من الجُغرافيا والتَّاريخ والجِنْسِ واللُّغةِ والدِّين والتُّراثِ والثقافةِ والمَصير المُشتَرك.
واستدل شيخ الأزهر على حاجة الأمة للوحدة، بما تواجهه القضية الفلسطينية من مخاطر، فقد بلغتْ المؤامرة ضِدَّ أبنائها، بل ضِدَّ الأُمَّة كلها حَدَّ السَّعْى فى تهجيرِ أبنائها فى غزَّة من ديارِهم، والاستيلاء على أرضِهم، لافتًا إلى أنه من لُطْفِ الله تعالى فى ذلك أن دفع أمَّتَيْنا: العربيَّة والإسلاميَّة -شُعُوبًا وقيادات-، إلى مَوقفٍ موحَّدٍ ومُشرِّف، يَرفُض هذا الظُّلم البَيِّن، والعُدوانَ على أهلِ أرضٍ مُباركة، وعلى سيادة دول مسلمة مجاورة، وهو موقفٌ مُشجِّع يعيد الأمل فى وحدةِ الصَّف الإسلامى.
وقدم شيخ الأزهر اقتراحًا لعلماء الأمة المجتمعين فى مؤتمر الحوار الإسلامى بالبحرين، مشيرًا إلى أنه من بابِ الضَّروراتِ لا من بابِ التَّحسينات، وهو: أنْ يَتمكَّنَ عُلماءُ الأُمَّةِ الأكابرُ الممثِّلون للمَذاهبِ المختلفة، والمجتمِعون فى هذا المؤتمر، من وضعِ «ميثاق» أو «دستورٍ» يمكن أن نُسَمِّيَه: «دستورَ أهل القِبْلَة»، أو: «الأخوة الإسلامية» يَتصَدَّرُه الحديثُ الصحيح: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَاكم الْمُسْلِمُ الَّذِى لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَلَا تخْفِرُوا اللَّهَ فِى ذِمَّتِهِ»، لافتا إلى أن الإمام الشيخ أبوزهرة قد سبق إلى هذا المقترح، وعَدَّد أصولًا لهذا الدستور وحَدَّدها، مطالبًا الحضور بدراسة هذا المقترح والبِناء عَلَيْه.
تعايش لا صراع
من جهته قال الأستاذ الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، فى كلمته خلال المؤتمر: إن علوم الإسلام تقوم على ثلاث دوائر مترابطة: دائرة العلم القائمة على البرهان والدليل، ودائرة الفكر التى تنير الثقافة الشائعة، ودائرة الثقافة الشائعة التى تشمل عامة المسلمين.
وأوضح أن الخطر يكمن فى تصورات العامة بشأن العلاقة بين المذاهب الإسلامية، إذ قد يسود الاعتقاد الخاطئ بأن علاقة المذاهب تقوم على الصراع أو الاستعلاء، وهو ما يستدعى دورًا محوريًّا للعلماء والمفكرين فى تصحيح المفاهيم وترسيخ روح المودة والتسامح بين المسلمين.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن المجتمعات الإسلامية فى حاجة ماسة إلى إعادة إحياء قيم التعايش والتسامح، لافتًا إلى أن التاريخ الإسلامى شهد تعايشًا بين أتباع المذاهب المختلفة فى القبائل والعائلات دون أن تكون المذهبية سببًا للفرقة أو التنازع.
وشدد على أن التعصب هو الداء الأكبر، مستشهدًا بقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ»، مؤكدًا أن الاستعلاء بالمذهب أو الشعائر أو المظهر هو أحد أسباب الانقسام بين المسلمين.
كما دعا الدكتور أسامة الأزهرى إلى تبنى وثيقة الوحدة الإسلامية، التى اقترحها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لوضع دستور إسلامى - إسلامى يجمع شمل المسلمين ويحقق مقاصد الشريعة فى حفظ النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال.
وشدد الوزير على أهمية أن يتبنى المسلمون صناعة الحضارة، والابتكار فى العلوم، والحفاظ على البيئة، وتعزيز قيم الاستدامة، وإكرام الطفولة والمرأة، وإصلاح ذات البين، مؤكدًا أن جميع الفضائل تتجسد فى أمرين: تعظيم ذات الله -عز وجل-، وإصلاح ذات البين.
واختتم وزير الأوقاف كلمته بتأكيد أن الإسلام رسالة حضارية إنسانية، داعيًا المسلمين إلى التمسك بأخلاق النبوة، واحترام الأوطان، وتعزيز العمران، وتجسيد الأخلاق الرفيعة، حتى يكونوا قدوة لغير المسلمين فى معانى التسامح، والعدل، وإطفاء نيران الحروب، وتحقيق الأمن والاستقرار فى العالم.