السبت 17 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
 30 يومًا من الحساب العسير:‏ ترامب يدفع العالم إلى حافة الخطر!‏

30 يومًا من الحساب العسير:‏ ترامب يدفع العالم إلى حافة الخطر!‏

لم ينتظر الإعلام الأمريكى ولا مواطنوه مئة يوم كالعادة، وراحوا ينشرون غسيل دونالد ‏ترامب على الصفحات والبرامج وشبكات التواصل الاجتماعى، حتى أن جريدة «يو إس ‏نيوز» أفردت مساحة كبيرة قبل أيام بعنوان مثير: «الفوضى القانونية فى شهر من رئاسة ‏ترامب»!‏



وأول مئة يوم عمل لأى رئيس أمريكى بعد تنصيبه، لها تراث وتقاليد فى الديمقراطية ‏الأمريكية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، تحديدًا مع ولاية الرئيس فرانكلين د. روزفلت فى ‏عام 1933، حين ضرب الكساد الكبير أمريكا، فأطلق فرانكلين سلسلة من السياسات ‏الاقتصادية والإصلاحات الجذرية فى أول مئة يوم، منها تشريعات بنكية وبرامج تشغيل ‏وتنشيط لعجلة الإنتاج، فأعاد إلى الشعب الأمريكى تفاؤله وثقته فى الحكومة، وأخذت ‏الصحافة المئة يوم الأولى من الرئاسة الأمريكية فنارًا لتحديد اتجاهات الرئيس وتقييم أدائه ‏وسياساته.‏

ثم تطور التقييم وأضافوا إليه عناصر جديدة، مثل كيفية تنظيم الرئيس لشئون مكتبه، وتعييناته ‏للموظفين والمستشارين، أساليب التعامل مع الكونجرس والشعب حول رؤيته للمستقبل، ‏وكيفية تواصله مع الدول الأخرى.‏

كان الرئيس ترامب قبل تنصيبه بأربعة وعشرين ساعة قد وعد حشدًا من مؤيديه تجمعوا ‏حوله: غدًا يوم أول أفضل، ثم أسبوع أول أكبر، وأول مئة يوم غير عادية لرئيس فى التاريخ ‏الأمريكي!‏

لكن الإعلام وجمهور كبير من الأمريكيين لم يمنحوه مئة يوم، اختصروها إلى أربعة أسابيع، ‏ربما بسبب الاستقطاب الحاد الذى أحدثه فى المجتمع، والذى ارتفع إلى درجة تناقض لم ‏يعرفها إلا فى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وبات الانفصال الفكرى واضحًا بين ‏تيارين: تيار من أساتذة جامعات وفنانين وكتاب وإعلاميين، وتيار من عامة الأمريكيين.‏ فى تلك الأسابيع الأربعة، ومع وجود أغلبية ملحوظة من الجمهوريين فى الكونجرس، نال ‏ترامب تصديقًا على اختياراته الوزارية، لكن ما زال الجدل حولها مثارًا فى أوساط واسعة ‏داخل المجتمع الأمريكى، كما تسببت قراراته التنفيذية فى تغييرات جذرية فى الحكومة ‏الفيدرالية، إلى حد التخطيط للقضاء على وكالات بأكملها دون العودة إلى الكونجرس التى ‏أنشأها بتشريعات منه، مستعينًا بالحصانة التى منحتها المحكمة العليا للرؤساء حين ينتهكون ‏بعض بنود القانون لأداء مهامهم الوظيفية، لكن بعض المحاكم أوقفت هذه الإجراءات، فانطلق ‏تساؤلات حول مدى قانونيتها ودستوريتها، منها على سبيل المثال إعادة تعريف حق ‏المواطنه، ليسمح له بنقل المهاجرين غير الشرعيين خارج الولايات المتحدة مهما كانت ‏المدة التى عاشوها، ومعهم أبناؤهم الذين ولدوا فيها!‏

لكن السؤال ما زال محلقًا فى الشارع الأمريكي: ماذا يحدث إذا أصدرت المحاكم أحكامًا بأن ‏ما يفعله الرئيس غير قانونى أو غير دستوري؟

وكالعادة أسرع دونالد ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعى مخاطبًا العامة ويجيب: من ينقذ ‏بلاده لا ينتهك أى قانون.‏

لكن قاضيًا فيدراليًا أجاب بطريقة مختلفة، وقال إن إدارة ترامب تحدت أمرًا مؤقتًا صادرًا ‏منها بإلغاء قرار تجميد تمويلات فيدرالية، ولم تنفذ الأمر، والاستئناف الذى لجأت إليه لا ‏يعطل التنفيذ، وهذا انتهاك للتوازن المنصوص عليه فى الدستور بين السلطات.‏

وشن مؤيدو الرئيس حملة مضادة على شبكات التواصل الاجتماعى وقالوا إن التهديد الحقيقى ‏للديمقراطية هو دهس الديمقراطيين والقضاة الفيدراليين سلطة الرئيس.‏

كان الرئيس قد أصدر أمرًا تنفيذيًا عُرف باسم «تصنيف الجدول أف»، لبعض الموظفين ‏الفيدراليين الكبار، يُسَهِل عليه فصل العديد منهم، وأنشأ وزارة الكفاءة الحكومية (دى أو جى ‏آي) مهمتها تخفيض الإنفاق الحكومى، عن طريق إلغاء وظائف وإدارات ووكالات، وعين ‏البليونير «الإلكتروني» الشهير إيلون ماسك مستشارًا له فى أداء هذه المهمة، وضرب ماسك ‏مثالًا بنوعية المهام التى يتولاها والنصائح التى يبديها، فدعا إلى تفكيك وكالة المساعدات ‏الأمريكية وأجبر عددًا من موظفيها على إجازات إدارية، مبررًا سياساته وأفكاره: إن لم نفعل ‏فسوف نواجه الإفلاس!‏

وفى الحقيقة لا أعرف كيف تفلس الحكومة الأمريكية التى تدير أكبر اقتصاد فى العالم (30 ‏تريليون دولار)، حتى لو كانت أكبر مدين فى العالم بـ34 تريليون دولار، وتعانى عجزًا فى ‏الميزانية يتجاوز التريليون ونصف التريليون دولار!، فأصولها الرأسمالية أضعاف هذه ‏الأرقام!‏

وللتخلص من الموظفين الفيدراليين، أرسلت الوزارة الجديدة بريدًا إلكترونيًا، يقدم لهم عرض ‏شراء وإغراءات، مقابل استقالات عاجلة ونهائية، وبالفعل وصل عدد الاستقالات إلى 40 ألفًا ‏حتى الآن، وللعلم يدور إجمالى عدد الموظفين الفيدراليين حوالى 2.3 مليون موظف، فى ‏الدفاع والتعليم والصحة والشئون الخارجية والبريد والضمان الاجتماعى، غير الوكالات ‏المتخصصة.. إلخ، ولا أتصوره رقمًا كبيرًا فى دولة عظمى ممتدة من المحيط الأطلسى إلى ‏المحيط الهادى، ولها وجود وعلاقات وانتشار على كوكب الأرض، ويقترب عدد سكانها من ‏‏340 مليون نسمة.‏

المهم أن النقابات العمالية لم تسكت، وأعلنت تحديها للقرار التنفيذى، ووصفته بأنه ينتهك ‏القانون الإدارى الفيدرالى، كما أن 14 ولاية رفعت دعاوى قضائية ضد خطة ماسك، وهى ‏نيو مكسيكو، أريزونا، كاليفورنيا،كونيتيكت، هاواى، وميتشيجان، ميريلاند، مينيسوتا، ‏واشنطن، ماساتشوستس، نيفادا، أوريجون، رود إيلاند، وفيرمونت.‏

فى الوقت نفسه دخلت وزارة الكفاءة الحكومية إلى وزارة الخزانة، وتمكنت من الوصول ‏إلى بيانات وتفاصيل أنظمة الدفع، فرفعت الاتحادات الفيدرالية و19 مدعيًا عامًا ديمقراطيًا ‏دعوى قضائية وصفوا فيها حصول «دو أو جى آي» على بيانات المالية بأنه غير قانونى ‏وينتهك الخصوصية، وأن سماح وزارة الخزانة بذلك، يتجاوز سلطتها القانونية.‏

وما حدث فى وكالة المساعدات حدث مع مكتب حماية المستهلك، أوقفت إدارة ترامب أعماله ‏تمهيدًا لإغلاقه نهائيًا، فتصدى له المعارضون بالقضاء.‏

المدهش أن أيلون ماسك، الذى أتصور أنه أكثر نشطاء كوكب الأرض على شبكات التواصل ‏الاجتماعى خاصة منصة إكس، اقترح على صفحته عزل القضاة -الذين يصدرون أحكامًًا ضد ‏‏ قرارات الرئيس التنفيذية- من مناصبهم، فهم يستخدمون سلطتهم للحد من قوة إدارة ترامب ‏وقال بالحرف: يجب أن تكون هناك موجة فورية من العزل القضائى، وليس مجرد قاض ‏واحد!‏

الأغرب هو دفاع إدارة ترامب عن إريك أدامز عمدة مدينة نيويورك المتهم بالفساد، ومرفوع ‏ضده عدد من القضايا، إذ طلبت وزارة العدل سحب الاتهامات ضد العمدة، فهو مقرب من ‏الرئيس بالرغم من أنه «ديمقراطي»، وبالفعل أمر نائب المدعى العام المؤقت برفض التهم، ‏فاستقال سبعة من المدعين العموميين بالولاية واصفين القرار بأنه «غير أخلاقي».‏

ويمكن أن نفهم دفاع ترامب عن أدامز من منشور كتبه على شبكات التواصل الاجتماعى، إذ ‏قال إن جهوده لإنقاذ البلاد تضعه فوق القانون، فانهال السيناتور آدم شيف من ولاية ‏كاليفورنيا بالنقد: أنه «يتحدث مثل ديكتاتور حقيقي».‏

ولا أعرف هل ترامب قال عباراته وهو يعلم أن صاحبها الأصل هو نابليون بونابرت أم لا؟!.‏ وكما أحدث ترامب فوضى داخلية، صنع نوعًا من الفوضى فى العالم، وقد نشرت شبكة ‏الإذاعة الوطنية العامة «إن بى آر»، صباح 17 فبراير الجارى، حوارًا على موقعها ‏الإلكترونى، و«إن بى آر» منظمة إعلامية مستقلة غير ربحية، تعمل كنقابة لأكثر من 1000 ‏محطة إذاعية، بهدف خلق جمهور أكثر.‏

كان الحوار بعنوان: يوم الرؤساء، تعالى ننظر إلى الشهر الأول من عودة ترامب إلى ‏المنصب، بين «تامرا كيث» وهى مراسلة الشبكة فى البيت الأبيض منذ عام 2014، و«إيه ‏مارتنيز» وهو مذيع برنامج الطبعة الصباحية. 

سألها مارتنيز: حسنًا.. فيما يتعلق بالشئون الخارجية، ما هى رسالة إدارة ترامب إلى العالم ‏حتى الآن؟

ردت كيث: عندنا عمدة جديد فى المدينة، وهو لا يشبه جو بايدن، بايدن عمل على تعزيز ‏التحالفات، ترامب منظوره مختلف، فهو متشكك فى المنظمات الدولية، مثل حلف شمال ‏الأطلسى، ولا يعتقد أن التحالفات ذات قيمة كبيرة إلا إذا كانت تصب فى مصلحة الولايات ‏المتحدة بشكل مباشر، مثلًا نتوقع أن يجتمع مسئولون روس ودبلوماسيون أمريكان فى ‏السعودية، لمناقشة نهاية الحرب فى أوكرانيا، أوروبا غير مدعوة إلى طاولة المفاوضات، ‏وليس واضحًا دور أوكرانيا، وهناك تهديدات ترامب بالتعريفات الجمركية للأصدقاء ‏والمنافسين على حد سواء، ثم كلامه عن استعادة قناة بنما أو جرينلاند أو السيطرة على غزة، ‏نستطيع أن نقول إن عصر القدرة على التنبؤ فى السياسة الخارجية الأمريكية قد انتهى!‏

نعم صنع ترامب قدرًا من الشك وعدم الثقة والفوضى فى 30 يومًا فقط، وهو ما لم يستطع ‏فعله رئيس أمريكى آخر..‏

نعم.. العالم فى خطر.. فكيف يرد الآخرون؟