خطوة قوية فى أعمال الـ«سيكو دراما» المصرية: من منا يوافق على «إقامة جبرية»

سارة سراج
«حب الامتلاك هلاك» هل سمعت عن هذه المقولة؟، هل تعرف ماذا تعنى أو أبعادها المنطقية وغير المنطقية؟ من الطبيعى أن يتطرق لذهنك عند قراءتك لهذه المقولة ما يسمى بالحب الجنونى أو الغيرة الزائدة أو الرغبة العارمة فى السيطرة على الشريك، لكن ماذا لو أن معناها الحرفى قريب للواقع وما يحدث فى بعض العلاقات العاطفية، ماذا لو قادنا الشريك الذى يحب بجنون ويعشق الامتلاك والسيطرة للهلاك، ليس النفسى فقط بل الجسدى أيضا أى الفناء والموت..
نوع من الأمراض النفسية التى تدور حولها أحداث مسلسل (إقامة جبرية) الذى يُعرض على منصة watch it ، وللاسم دور كبير فى فهمك كمُشاهد لطبيعة الشخصية الرئيسية التى تقوم عليها الأحداث، «سلمى» من يدخل حياتها يجب أن يقيم إقامة جبرية عنوةً، ولو فكر مجرد التفكير فى أن تكون إقامته مؤقتة ينتهى به الحال للهلاك، اضطراب نفسى يحمل الكثير من التعقيدات وله أسبابه ودوافعه لدى المصاب به.
جاء هذا العمل الفنى المميز ليجسد كل تلك التعقيدات والدوافع فى دراما تُصنف سيكو دراما أو دراما نفسية، تحتاج إلى كاتب محترف ومراجعة مع أطباء نفسيين لفهم طبيعة المرض النفسى وذلك ما تحقق بالفعل، حيث إن الرسم النفسى لشخصية «سلمى» جاء دقيقا، فهى فتاة عانت منذ صغرها من علاقة والديها السيئة وشهدت أمها تقتل أبيها، وبالطبع تكونت لديها عقدة نفسية وعنف كامن داخلها مع إحساسها الكبير بالوحدة، تلك الحالة التى تجعلها تحب بجنون ولا تستطيع أن تتحمل فكرة أن يتركها حبيبها أو زوجها لأنها سوف تواجه شبحها الأكبر «الوحدة».
من هنا خرجت شخصية «سلمى» عنيفة تعانى داء السيطرة وحب الامتلاك الجنونى الذى يدفعها للقتل أحيانا، دوافع واضطراب كامن متغلغل داخلها جسدته «هنا الزاهد» باحترافية وإبداع فإجأ الجمهور، خاصة أنها المرة الأولى لها فى تقديم سيكو دراما، إلى جانب الرسم الجسمانى للشخصية الذى يجعلك كمُشاهد تحتار أحيانا فى حقيقتها، وتفكر كثيرا فى نظرتها هى لنفسها، فقد اعتمدت على الشكل الطفولى البرىء من مكياچ خفيف وملابس معظمها فساتين مكرنشة أو منقطة تعطيك انطباعًا بأنها بريئة وطفلة، تلك النظرة التى تقنع نفسها بها، فهى تنظر لنفسها على أنها ضحية وليست جانيًا أما داخل نفسها فيستقر جحيم اضطراب نفسى يهلك كل من حولها إذا اقترب منه.
على الجانب الآخر تأتى شخصية «الأم» التى تجسدها «صابرين» تحاربها وتحاول حماية ابنها منها فى أداء مبهر لـ«صابرين» استطاعت به أن توصلك تشتتها وحيرتها فى إيجاد الحل المناسب العقلانى لحماية ابنها، حيث خرجت انفعالاتها على قدر الحدث والموقف لا هى زائدة على الحد فتشعر بأداء مفتعل، ولا هى انفعالات هادئة بعيدة عن الإحساس الطبيعى لأى أم فى نفس موقفها، وهى الشخصية الأساسية التى يشاركها الجمهور مشكلتها ويفكر فى الحل معها ويتعاطف أيضا مع أزمتها،وذلك هو النجاح الأهم أن يضع المُشاهد نفسه محل الشخصية ويلبس ثوبها ويتبنى أفكارها ويحس بمشاعرها فيندمج معها أكثر ويتعلق بها،وبالتالى بأحداث المسلسل، وذلك يتسق مع حبكة العمل الفنى وهى من نوعية «الأزمة والحل» تلك الحبكة التى تعتمد على إيجاد الحلول لأزمة ما ظهرت فى بداية الأحداث، وهنا يشارك الجمهور شخصيات العمل فى إيجاد الحلول فتتحقق المعايشة بشكل أكبر.
أما «محمد الشرنوبى» فى شخصية «موسى» فقد جاء اختياره غير موفق ولا يناسب الشخصية، حيث افتقد للإحساس الصادق بها ومعايشتها ومعايشة دوافعها والذاكرة النفسية لها، فخرج أداؤه باهتًا وذلك إخفاق فى حد ذاته، أن يشعر أى من المشاهدين أن ممثلاً آخر كان من الممكن أن يتقن الأداء عنه ويكون أكثر إحساسا ومعايشة للشخصية.
كما يجب أن نشيد بعدد حلقات المسلسل، وهو 10 حلقات فقط تناسب الدراما النفسية، فطبيعة العمل لا تحتاج أكثر من عشر حلقات يتم فيهما سرد الأحداث وتجسيد التفاصيل المختلفة بإيقاع سريع بعيد كل البُعد عن المط والتطويل، فهذا العمل سيكو دراما يعتمد على اضطراب نفسى لدى الشخصية الأساسية وتأثير ذلك المرض على من حولها وتأثرها أيضا بما عاشته وهى طفلة مما تسبب فى هذا المرض النفسى.
لذلك مسلسل (إقامة جبرية) خطوة قوية فى أعمال السيكو دراما المصرية ونقلة لـ«هنا الزاهد» التى يعرفها الجمهور أكثر فى الأدوار الكوميدية وإضافة جديدة لمشوار «صابرين».