بوساطة مصر وعلى ضمانتها: «تبادل الأسرى».. صفقات معقدة وقصص مأساوية

داليا طه
شهد الصراع العربى - الإسرائيلى العديد من صفقات تبادل الأسرى منذ عام 1948 وصلت إلى 38 صفقة حتى عام 2011، أطلقت خلالها المقاومة والدول العربية آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب، فى مقابل عدد محدود من الجنود الإسرائيليين. استطاعت مصر مؤخرا بجانب الجهود الأمريكية والقطرية، التوصل لاتفاق لوقف حرب الإبادة التى شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة للإفراج عن 50 معتقلا فلسطينيا مقابل كل مجندة إسرائيلية من 30 محكوما بالسجن المؤبد، و20 محكوما بالسجن لفترات طويلة، ومقابل كل إسرائيلى امرأة أو مسن، سيطلق سراح 30 معتقلا فلسطينيا من فئات مختلفة، بمن فى ذلك القاصرون والمرضى والنساء.
وأفرج الاحتلال فى 19 يناير الجارى عن 90 أسيرًا فلسطينيا ضمن الدفعة الأولى من المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار، وعن 200 فلسطينى فى 25 يناير، بينهم 121 أسيرًا محكومًا عليهم بالسجن المؤبد، و79 أسيرًا بأحكام مختلفة، ومن المقرر إبعاد 70 أسيرًا إلى الخارج وفقًا للاتفاق
وسلمت الفصائل الفلسطينية 3 أسيرات إسرائيليات فى المرة الأولى و4 مجندات إسرائيليات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى المرة الثانية، وذلك ضمن الجولة الثانية من تنفيذ المرحلة الأولى لتطبيق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، مع إسرائيل.
ومن المقرر أن تشمل صفقة «طوفان الأحرار» فى مرحلتها الأولى بشكل كلى، الإفراج عن 1737 أسيرًا فلسطينيًا، حيث تمتد هذه المرحلة على مدار ستة أسابيع، بواقع دفعات أسبوعية.
وأعلن مكتب الشهداء والأسرى التابع لحماس، أن هذا الإنجاز يعكس إرادة المقاومة الباسلة وقدرتها على انتزاع حقوق الأسرى رغم قسوة الاحتلال، وهو ثمرة للصمود والتضحيات العظيمة التى قدمها الشعب الفلسطينى.
ووفقا لاتفاق الهدنة وفيما يخص عملية تبادل الأسرى، ستفرج إسرائيل خلال المرحلة الأولى عن نحو ألفى أسير بينهم 250 من المحكومين بالسجن المؤبد، ونحو ألف من المعتقلين بعد 7 أكتوبر 2023.
ونص الاتفاق الخاص بعمليات تبادل للمحتجزين والأسرى من الجانبين تتم وفقا للآتى: تطلق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سراح 33 محتجزا إسرائيليا (أحياء أو موتى)، بمن فى ذلك نساء مدنيات ومجندات وأطفال تحت سن الـ19 عاما وكبار السن الذين تجاوزوا 50 عاما ومدنيون جرحى ومرضى، مقابل إطلاق أعداد من الأسرى الفلسطينيين من السجون والمعتقلات الإسرائيلية وفقا لما يلى: مقابل كل محتجز إسرائيلى يتم إطلاقه، تُطلق إسرائيل سراح 30 طفلا وامرأة فلسطينية من سجون الاحتلال.
ومقابل إطلاق سراح 30 أسيرا فلسطينيا من سجون الاحتلال من كبار السن والمرضى، تطلق حركة حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من كبار السن والمرضى والجرحى المدنيين.
وتُطلق إسرائيل سراح 50 أسيرا فلسطينيا مقابل كل مجندة إسرائيلية محتجزة تطلقها حركة حماس، وتجدول عمليات تبادل المحتجزين والأسرى فى المرحلة الأولى بحيث تطلق حركة حماس فى اليوم الأول سراح 3 محتجزين إسرائيليين مدنيين، وفى اليوم السابع تطلق سراح 4 محتجزين آخرين. بعد ذلك، تطلق حماس سراح 3 محتجزين إسرائيليين كل 7 أيام، وقبل إعادة الجثث تفرج عن جميع المحتجزين الأحياء، وفى الأسبوع السادس من الاتفاق، تُفرج إسرائيل عن 47 من أسرى «صفقة شاليط» الذى أعيد سجنهم بعد إطلاق سراحهم عام 2011.
وأشار الاتفاق إلى أنه إذا لم يصل عدد المحتجزين الإسرائيليين الأحياء المطلق سراحهم إلى 33، يُستكمل العدد المتبقى من الجثث. بالمقابل، تطلق إسرائيل فى الأسبوع السادس سراح جميع النساء والأطفال الذين اعتقلوا من القطاع بعد 7 أكتوبر 2023.
وترتبط عملية التبادل بمدى الالتزام ببنود الاتفاق، وتشمل وقف العمليات العسكرية من الجانبين، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، ودخول المساعدات الإنسانية. يمنع إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم بالتهم نفسها التى اعتلقوا بسببها سابقا، ولن يعاد اعتقالهم من أجل قضاء ما تبقى من محكوميتهم. ولن يطلب من السجناء الفلسطينيين التوقيع على أى وثيقة شرطا لإطلاق سراحهم.
عقدة أربيل وشيرى
وصل ملف الرهينة الإسرائيلية، أربيل يهود، إلى نهايته، بإعلان التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحها، بعد أن كان استمرار احتجازها يهدد بانهيار تفاهمات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وتُمثل يهود (29 عاما)، حالة خاصة فى ملف الرهائن الإسرائيليين فى غزة، كونها آخر رهينة مدنية أنثى تؤكد إسرائيل أنها على قيد الحياة.
واختطفت يهود مع شريكها أريئيل كونيو (26 عامًا) من منزلهما فى كيبوتس «نير عوز» على حدود غزة، خلال الهجوم الذى شنته حماس على جنوبى إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023. كانت يهود تعمل فى النظام التعليمى للكيبوتس، قبل أن تنتقل للعمل كمرشدة فى مركز «غروف تك»، وهو مركز تعليمى فى جنوب إسرائيل، يركز على استكشاف الفضاء والتكنولوجيا.
وحسب شهادات نقلتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» فى الأيام الأولى لاختطافها، تحدث عدد من معارفها على أن يهود تُعرف بين أفراد عائلتها وأصدقائها بشغفها العميق بكل ما يتعلق بالفضاء الخارجى وعلم الفلك.
وتصفها زوجة أخيها، سيجى، بأنها «العمة المفضلة» التى «دائما تزورنا، دائمًا تلعب، دائمًا تأخذ الأطفال معها، دائمًا تهتم بهم».
وتمثل قصة يهود جزءا من مأساة أكبر حلت بكيبوتس نير عوز، الذى تحول إلى رمز للإخفاق العسكرى والاستخباراتى والحكومى الإسرائيلى، وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
وشكل ملف يهود محورا رئيسيا فى المفاوضات المعقدة بين إسرائيل وحماس. فبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الأولى، كان يُفترض أن تكون ضمن أول مجموعتين من الرهائن المفرج عنهم فى 19 و25 يناير 2024. لكن عدم إطلاق سراحها أدى إلى توتر فى تنفيذ الاتفاق.
وتصاعدت الأزمة عندما ربطت إسرائيل عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمالى قطاع غزة بإطلاق سراح يهود، متهمة حماس بانتهاك الاتفاق.
ونتيجة لذلك، أبقت إسرائيل نقاط العبور مغلقة، مما منع عودة مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم فى شمال القطاع.
الأحياء والأموات
وأكد متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أن حركة حماس قدمت بعض التفاصيل حول الأحياء والأموات بين قائمة الأسرى الثلاثة والثلاثين، وأكد المتحدث أن 25 من أصل 33 أسيرا فى القائمة المقدمة من حماس أحياء.
فى السياق ذاته قالت حماس إنها ستسلم ثمانية جثامين مع الرهائن المفرج عنهم فى الأسابيع المقبلة، وفق متحدث رسمى للحركة.
وطالبت إسرائيل حركة حماس بمعرفة مصير عائلة بيابس، التى احتجزتها حماس فى 7 أكتوبر 2023 من كيبوتس نير عوز والعائلة تتكون من الأب يردن، الأم شيرى، وطفليها أريئيل (4 سنوات) وكفير (9 أشهر)وهو أصغر المحتجزين حيث كان فى الشهر التاسع من عمره وقت احتجازه.
ووفق صحف عبرية تواردت أنباء عن أن الأم وطفليها تم نقلهم إلى فصيل مسلح آخر فى قطاع غزة، وقالت حماس إن شيرى وطفليها قُتلوا فى غارة إسرائيلية.
وكان بيباس طالب فى مقطع مصور الحكومة الإسرائيلية بإعادة جثث زوجته وطفليه لدفنهم فى إسرائيل.
وقالت حماس إن طائرات الاحتلال الإسرائيلى قتلت شيرى وطفليها كفير وأرئيل ،ونشر الجيش الإسرائيلى فيديو لعائلة «بيباس» وهى على قيد الحياة فى الأيام الأولى بعد السابع من أكتوبر.
قصص صمود
وأفرج الاحتلال الإسرائيلى فى سياق صفقات التبادل الأخيرة، عن عدد من هؤلاء الأسرى الذين أمضوا فترات طويلة تصل إلى عدة عقود، وعلى رأسهم محمد الطوس «أبو شادى»، والذى يطلق عليه «عميد الأسرى الفلسطينيين»، وهو أقدم أسير فلسطينى، حيث قضى 39 عامًا فى سجون الاحتلال، حيث تم اعتقاله فى أكتوبر 1985 بسبب مقاومته للاحتلال وانتمائه لحركة «فتح»، ومنذ بداية اعتقاله، تعرض لإصابات خطيرة خلال عملية اعتقاله، واستمر الاحتلال فى ممارساته القمعية ضد الطوس، حيث هدم منزله ثلاث مرات.
وشملت قائمة المفرج عنهم رائد السعدى 57 عامًا، عميد أسرى جنين، من بلدة السيلة الحارثية شمالى الضفة الغربية، وقضى 38 عامًا فى السجون الإسرائيلية.
واعتقل عام 1989 بعد سنوات من مقاومته الاحتلال الإسرائيلى، ليصبح من أقدم الأسرى فى محافظة جنين، وبدأ السعدى نضاله منذ صغره، حيث تم اعتقاله وهو فى السابعة عشرة من عمره بسبب رفعه علم فلسطين على أعمدة الكهرباء فى بلدته.
ويعتبر السعدى من القادة الذين تركوا أثرًا كبيرًا فى الحركة الأسيرة، حيث وجه رسالة بعد دخوله عامه الـ 35 فى السجون الإسرائيلية، عبر فيها عن شوقه لأسرته وأحلامه فى العودة إلى وطنه، لم تكن معاناته القهر داخل السجون فقط، بل فى فقدانه لأحبابه، حيث لم يتمكن من رؤية والده وأمه وأسرته طيلة عقود.
وتم الإفراج عن محمود العارضة، أحد أبرز أسرى حركة الجهاد الإسلامى، حيث قضى 23 عامًا فى السجون الإسرائيلية، اعتُقل العارضة عام 2002، وعُرف بنضاله المستمر ضد الاحتلال، وكان من بين الأسـرى الذين عانوا ظروفًا قاسية فى السجون الإسرائيلية.
العائلة الأسيرة
يبرز من بين الأسرى الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل الإخوة أبوحميد من مخيم الأمعرى فى مدينة جنين بالضفة الغربية.
وشملت القائمة الإخوة نصر (51 عامًا)، وشريف (48 عامًا)، ومحمد (44 عامًا)، وجميعهم سيتم إبعادهم من الأراضى الفلسطينية لأنهم محكومون بالسجن المؤبد، وهم نشطاء فى حركة «فتح» التى يقودها الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وقد اعتقلوا منذ العام 2002، وبإطلاق سراح الإخوة الثلاث، يبقى الأخ الرابع إسلام (35 عامًا)، المعتقل منذ عام 2018، والمحكوم بالسجن المؤبد و8 سنوات.
وفى نهاية العام 2022 تم الإعلان عن وفاة الأخ الخامس وهو ناصر أبوحميد فى مستشفى «أساف هروفيه»، جرّاء إهمال طبى متعمد أثناء سجنه محكومًا بالسجن المؤبد سبع مرات.
وللإخوة شقيق سادس هو عبد المنعم الذى قتل برصاص الجيش الإسرائيلى فى العام 1994. وتشتهر والدة الإخوة، أم ناصر أبوحميد، بمشاركتها فى الاحتجاجات المطالبة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.