الأربعاء 12 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد الإبقاء على سعر الفائدة هل يفتح ترامب النار على الفيدرالى الأمريكى؟

«بنك الاحتياطى الفيدرالى» قام بعمل فظيع فى ما يتعلق بتنظيم البنوك، «لقد فشل جيروم باول وبنك الاحتياطى الفيدرالى فى وقف المشكلة التى خلقوها بالتضخم».



بهذه العبارات كان أول تعليق للرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد اجتماع الفيدرالى الأمريكى الأربعاء الماضى، حيث قرر الإبقاء على تثبيت سعر الفائدة بقيمة 4.25 - 4.5 %.

تعليق ترامب جاء مصاحبا لتعليق رئيس الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول على السؤال الذى يراود ذهن الجميع من حول العالم، وهو كيف سيتأثر الاقتصاد الأمريكى بسياسات الرئيس دونالد ترامب، حيث أوضح باول أنه «لا نعرف ما الذى سيحدث مع الرسوم، الهجرة، السياسة المالية، أو التنظيمية». موضحا أن سياسات ترامب تحتاج لمزيد من الدراسة لمعرفة آثارها على الاقتصاد الأمريكى.

 الصدام الأول

«بنك الاحتياطى الفيدرالى قام بعمل فظيع فى ما يتعلق بتنظيم البنوك. ستقود وزارة الخزانة الجهود الرامية إلى خفض التنظيم غير الضرورى، وستطلق العنان للإقراض لجميع الشعب الأمريكى والشركات»، عقب الاجتماع الأول للبنك الفيدرالى الأمريكى منذ تولى ترامب رئاسة البيت الأبيض، أصدر ترامب تصريحاته هذه على صفحته بموقع «تروث سوشيال» المملوك له، حيث بدأ صدام واضح بينه وبين رئيس البنك الفيدرالى واللجنة المحددة لسعر الفائدة بعد إعلانه عن تثبيت الفائدة فى هذه الفترة، وألقى الرئيس الأمريكى باللوم فى التضخم على التركيز المفترض لبنك الاحتياطى الفيدرالى على «التنوع والإنصاف والإدماج، وأيديولوجية النوع الاجتماعى، والطاقة الخضراء، وتغير المناخ المزيف».

كثف ترامب خلال الأيام العشرة الأولى من حكمه حملته للقضاء على مبادرات التنوع والمساواة والإدماج والمناخ فى الحكومة.

وكانت الأسواق تترقب بشدة المؤتمر الصحفى، لرئيس الفيدرالى الأمريكى عقب الاجتماع المنتظر، وذلك لمعرفة رؤية الفيدرالى بشأن الاقتصاد وسوق العمل، بهدف الحصول على إشارات لعدد تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة هذه السنة، وذلك بعدما قلص الفيدرالى نهاية العام الماضى توقعاته لعدد التخفيضات من 4 خلال السنة، إلى تخفيضين فقط.

اكتسب اجتماع الفيدرالى أهمية إضافية لكونه أول اجتماع لهذه السنة بعد تولى ترامب منصبه. وهاجم ترامب فى عدة مناسبات رئيس الفيدرالى، وطالب بخفض أسعار الفائدة بشكل فورى. 

وقال الرئيس الأمريكى فى 23 يناير: «أعتقد أننى على دراية بأسعار الفائدة أفضل منهم بكثير (مسئولى الاحتياطي)، وأعتقد بالتأكيد أننى أفهمها أفضل بكثير من الشخص المسئول أساسًا عن اتخاذ هذا القرار»، فى إشارة واضحة إلى باول.

فى المقابل، لم يرد باول على انتقادات ترامب بشأن السياسة النقدية، لكن التصريحات التى أدلى بها الرئيس المنتخب فى الأسبوع الأول لعودته إلى منصبه، تشير إلى أن رئيس الاحتياطى الفيدرالى قد يواجه ضغوطًا أكبر من أى وقت مضى من الإدارة الجديدة.

وكتب مايكل فيرولى، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكى لدى «جيه بى مورجان تشيس آند كو»، فى مذكرة بحثية: «من المرجح أن يضطر بنك الاحتياطى الفيدرالى إلى التعامل مع جهود ترامب للتأثير على السياسة النقدية، سواء من خلال تعيينات وربما عبر جهود أخرى لممارسة المزيد من النفوذ على البنك المركزى».

 أجندة ترامب الاقتصادية

على خلفية أسوأ موجة من التضخم فى الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، فإن أجندة ترامب التى تشمل رسومًا جمركية جديدة وعجوزات ميزانية مرتفعة أثارت قلق المستثمرين فى السندات. ما يفاقم من سوء الأوضاع وجود سجل لترامب على صعيد العداء تجاه البنك المركزى المستقل فى البلاد، والذى يُعد حاجز حماية رئيسى ضد ارتفاع الأسعار.

يذكر أن أسواق السندات فى الولايات المتحدة قد شهدت اضطرابات طفيفة منذ أن أظهرت توقعات الأسواق منذ تولى الرئيس ترامب رئاسة البيت الأبيض، ما أسفر عن زيادة الضغوط على الرهون العقارية وتكاليف الاقتراض للأسر. إذا استمرت هذه التحركات، فقد تكون مصدر خيبة أمل كبيرة للناخبين الذين وضعوا ثقتهم فى ترامب لتحسين القدرة على تحمل تكاليف السكن وتخفيض تكاليف المعيشة.

 إقصاء الرئيس

وخلال ولايته الرئاسية الأولى، تعرض رئيس الفيدرالى الأمريكى لانتقاد علنى على منصة «X» من ترامب بسبب إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة.

 أعلن الرئيس الأمريكى السابق أنه لن يعيد تعيين باول فى 2026. فى الوقت ذاته، ظهرت نظريات حول الطرق التى قد يستخدمها ترامب لمحاولة إقصاء باول أو إضعاف دوره قبل بلوغه ذلك التاريخ. 

وخلال مقابلة مع مجلة «بلومبرج بيزنس ويك»، نفى ترامب نيته إقالة رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، لكنه أضاف وضع قيد بقوله: «سأتركه يكمل فترته لا سيما إذا رأيت أنه يؤدى عمله على النحو الصحيح».

وقد عادت هذه المسألة للبروز خلال المؤتمر الصحفى لبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بعد خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل إلى نطاق بين 4.5 % و4.75 %. حيث شهد المؤتمر نقاشًا حادًا بين باول وفيكتوريا جويدا، مراسلة مجلة «بوليتيكو» والتى وجهت سؤالا إلى باول تؤكد فيه أن بعض مستشارين ترامب يشيرون إلى ضرورة تقديم استقالته من منصبه قبل أن يقيله الرئيس بنفسه.

وكانت إجابت باول أنه لن يقدم استقالته حتى إذا طلب ذلك منه، وكان رد رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى جادًا. 

 من يكبح اندفاعات ترامب؟

سجل دونالد ترامب السابق لا يعكس براجماتية كبيرة، كما أنه ليس معروفًا بمد جسور التواصل مع من يختلف معهم. حيث شهدت ولايته الأولى وتيرة استثنائية من التغييرات فى أعضاء حكومته، وكانت عمليات الإقالة فى كثير من الأحيان مليئة بالأحداث الدرامية. كوان يعبر عن آرائه بحرية، أحيانًا على حساب زيادات مفاجئة فى العوائد وتقلبات سوق الأسهم.

ووفق وكالة «بلومبرج» فإن ترامب محاط حاليًا بشخصيات لا تبدو اهتماماتها بكبح اندفاعاته.

على سبيل المثال، مدير صندوق تحوط سكوت بيسنت، -مستشار لترامب وقد يكون مرشحًا لمنصب وزير الخزانة- طرح فكرة تعيين رئيس «ظل» لبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى.

يمكن لهذا الرئيس التواصل مع الأسواق بشأن توجه جديد للسياسة النقدية حتى قبل انتهاء فترة باول، ما يعد انحرافًا خطيرًا ربما يضر بمصداقية سياسات البنك المركزى الأمريكى. ومع ارتفاع وتيرة التضخم الأخيرة وتفاقم العجز المالى، قد يجد ترامب نفسه فى مواجهة سوق أكثر حساسية تجاه تقلباته مقارنة بفترته السابقة. 

وعلى ما يبدو أن باول سيستمر فى عمله مع الرئيس المنتخب لمدة عام ونصف  العام على الأقل، وربما أكثر، لأن فترة باول فى حال التمديد فى بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى تنتهى فى 2028.

من جهة أخرى، فإن محاولة إضعاف دور رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى تعد فرصة ضائعة. حيث يتمتع الرئيس الحالى بخبرة راسخة، ورغم بعض الأخطاء التى ارتكبها عندما أبقى على أسعار الفائدة منخفضة فى أواخر 2021، إلا أنه نجح فى تخفيض التضخم فى الولايات المتحدة دون زيادة كبيرة فى البطالة وهو الكارت الذى لعب به الرئيس السابق جو بايدن ومن بعده كامالا هاريس لكسب أصوات الناخبين خلال فترة الانتخابات الرئاسية، لكن مع خطط ترامب الاقتصادية قد تشهد الفترة المقبلة وحتى قبل الاجتماع القادم للفيدرالى الأمريكى موجة من التصدام بين ترامب وباول التى سيكون آثارها واضحة على السوق والاستثمارات الأمريكية.