بعد 15 عامـًا من الغياب عن الألبومات: حبيبنا لـ«أحمد سعد».. ما كل هذا الجمال؟

محمد شميس
بعد 15 عاما من الغياب عن الألبومات، أصدر «أحمد سعد» ألبومه الأهم فى مشواره الفنى حتى هذه اللحظة (حبيبنا).
الألبوم مكون من 9 أغانٍ، وجميع الأغانى المتواجدة داخل هذا الألبوم تنتمى إلى شجرة موسيقى الـ«فلامنكو» بتفريعاتها، وهذا أمر يعتبر جديدًا كليًا على فئة موسيقى الـ«بوب».
فمفهوم الـ«Concept album» أصبح- ولله الحمد- متواجدًا بكثافة فى السوق الغنائية المصرية، وليس العربية، وعلى صفحات هذه المجلة، قمنا بالدعوة إلى صناعة الألبومات بهذا المفهوم المترابط موسيقيًا وكذلك على مستوى المواضيع.
بل تمت الاستجابة بالفعل، وقمنا بتحليل ألبومات (آخر قطعة فنية، مشروع الشعاع الأزرق، حب وكاشات) لمغنى الراب الأهم «مروان بابلو»، وقمنا بتحليل (روكسى) لـ«أمير عيد»، وكل هذه الأعمال تنتمى لمفهوم الـ«Concept album»، والآن نقوم بتحليل (حبيبنا) لـ«أحمد سعد».
كما قلنا فى السطور السابقة، (حبيبنا) تترابط أشكاله ما بين الـ«Latin music»، والـ«Flamenco»، والـ«Ballad»، ويأتى ذلك وفق الرؤية الموسيقية للموزع «نادر حمدى»، بمشاركة الموزع «أحمد إبراهيم»، فهذا الثنائى يعرف كل كبيرة وصغيرة فى كل هذه الأشكال الموسيقية «المترابطة» الموجودة فى الألبوم.
أيضا هناك إشراف عام لمهندس الصوت «أندرو داود» مهندس الصوت وإنتاج مالى ضخم لـ«محمد محسن جابر» الذى غامر وسافر مع فريق العمل إلى إسبانيا للاستعانة بالعازفين والموسيقيين الإسبان حتى يكون هناك مزج موسيقى حقيقى بين الرؤية الفنية المصرية، والتنفيذ يكون بالمشاركة مع الإسبان!
وإمعانًا فى تنفيذ الترابط، كان هناك أيضا ذكاء فى اختيار «المقامات» الموسيقية التى تم الغناء من خلالها، فالألبوم بأكمله مبنى على ثلاثة مقامات «الكرد، النهاوند، الحجاز»، علمًا بأن هذه المقامات الثلاثة هى الأكثر استخدامًا وشيوعًا فى الغناء الإسبانى، والغجرى.
1مفتقدنى
كلمات: «تامر حسين»، وألحان: «عزيز الشافعى»، وتوزيع: «نادر حمدى»
وهى افتتاحية نموذجية للألبوم، حيث كان أول صوت «بشرى» نستمع إليه فى الألبوم، كان صوت الكورال النسائى الإسبانى الذى قام بالتلييل، ثم دخل «أحمد سعد» للغناء على مقام الحجاز من ألحان «عزيز الشافعى».
والتوزيع الموسيقى كان مزجًا ما بين أشكال موسيقى الـ«Flamenco» مع الـ«Reggaeton»، ولذلك نطلق عليها «New flamenco»، فهذا المصطلح يحتوى أيضًا على العديد من الأشكال الموسيقية الممزوجة بداخله مثل الـ«rumba flamenca، jazz، blues، rock، pop، electronic»، ويكفى أن يجتمع اثنان فقط من هذه الأشكال سويًا كى نطلق عليه الـ«New flamenco»، وبرع «نادر حمدى» فى التنفيذ بكل إتقان، بل ربما نقول إنه صنع قالبًا موسيقيًا مختلفًا لم أستمع إليه قبل ذلك فى أى أغنية عربية.
أما على مستوى الكلمات فهى كتبت بالطريقة الشعبية بحرفية شديدة من «تامر حسين»، والحقيقة أننى توقفت عند مصطلح «مأزماك» واستخدام قافية الـ«ك» لتأتى بعدها «مستصغراك»، ولكن «مأزماك» تذكرنى أيضا بـ«بيأزمنى» التى قالتها قبل ذلك «آمال ماهر» فى أغنية (قالوا بالكتير) من كلمات «نادر عبدالله».
2 عايز سلامتك
كلمات: «تامر حسين»، وألحان: «عزيز الشافعى»، وتوزيع: «نادر حمدى»
وهى تعبر عن مفهوم الانفصال بين الأحباب بـ«شياكة» ورقى، على عكس السائد بأسلوب المعايرة كما هو معتاد فى غالبية الأغانى، ويجيد «تامر حسين» فى كتابة كل هذه الأشكال، فهو قدم نفس المفهوم ولكن بمفردات مختلفة على سبيل المثال قبل ذلك مع «عمرو دياب»، فى أغنية (أيوة أتغيرت).
«عزيز الشافعى» لحن الأغنية من مقام النهاوند، وكان موفقًا للغاية، فعندما كان يحكى الحبيب عن مشاعره يكون الأداء الصوتى منخفضًا ويصل إلى الذورة عندما يشعر الحبيب بمرارة الصدمة خاصة فى الجزء الذى غنى فيه «سعد» قائلا: «والحياة بتنسى ياما حاجات كتير»، كذلك أجاد «نادر حمدى» فى التعبير عن حالة العمل والتى تمتزج فيها مشاعر الحنين والحزن والصدمة باستخدام «الكمان الجهير» مع «الجيتارات» والبيانو.
3 لو تيجى
كلمات: «أدهم معتز»، ألحان: «تامر على»، توزيع: «نادر حمدى»
هى صاحبة اللحن الأقوى والأهم فى الألبوم، حيث قام «تامر على» بتلحينها من مقام النهاوند، اعتمادًا على ثلاث أفكار لحنية تتصاعد مع بعضها حتى تصل إلى مرحلة السينيو- الجزء الذى يتكرر فى الأغنية- بالإضافة إلى فكرة لحنية رابعة تستخدم فى الفواصل الموسيقية التى أجاد «نادر حمدى» فى تنفيذها باستخدام الجيتارات مع الترومبيت.
أما الكلمات لـ«أدهم معتز» فكانت مباشرة، وواضحة، لا تحتاج إلى أى تأويل، تفهم من المرة الأولى للسماع، وبها الكثير من الشاعرية مثل «شوق متحمولش مخلوق»، و«ليل بيجيب فى ليل، إحساس تقيل، وأنا قلبى مش قادر خلاص يشيل»، و«كان فى مكان، ليا زمان، معقول لقلبى لقيت بديل؟».
كما يحسب أيضا لـ«نادر حمدى» استخدامه لآهات «أحمد سعد» وكأنه جزء من التوزيع الموسيقى كآلة من الآلات الموسيقية.
4 بسيط
كلمات: «نادر عبدالله»، ألحان وتوزيع: «أحمد إبراهيم»
وهى الأغنية الأهم فى هذا الألبوم، وربما تكون الأهم فى العام، فلم لا؟!
فهى أغنية تعبر عن التحديات التى يواجهها الرجل المصرى أثناء العلاقات العاطفية، فهى أيضا تعبر عن صعوبة الوضع الاقتصادى المصرى حاليًا، حيث يظهر فيها البطل منكسرًا، لا يستطيع شراء التحف والملابس الأصلية، ولا يستطيع أن يتنقل بين الفنادق فى الإجازات، ولا يقدر على تغيير موديل سيارته فى كل عام، والمفارقة أن الأغنية تصف بطلها بأنه «مش مليونير»، علمًا بأن حاليًا السيارة الاقتصادية سعرها يساوى مليون جنيه، وكذلك أقل شقة متوسطة فى الإسكان الاجتماعى يتخطى سعرها المليون، فمن المفترض أن تعبر الكلمة عن مفهوم الغناء، ولكن على أرض الواقع فهى فقدت معناها بسبب صعوبة الوضع الاقتصادى. وما فاجأنى أننى علمت أن هذه الأغنية كانت فكرة لحنية لـ«أحمد إبراهيم» من مقام النهاوند، وكتب على اللحن بعد ذلك «نادر عبدالله»، وهو ما يؤكد أن هناك خيالا للملحن والموزع، وهناك حرفية شديدة من كاتب يستطيع أن يعبر عن فكرة متماسكة حتى لو كان مقيدًا بالكتابة على جمل لحنية معينة.
5 سودا سودا
كلمات: «منة عدلى القيعى»، وألحان: «إيهاب عبدالواحد»، وتوزيع: «نادر حمدى» أجمل ما فى الأغنية جرأة الكاتبة «منة عدلى القيعى»، والجملة التحريضية التى كتبتها: «والشفه فراوله يا ناس وأنا أولى أدوق وانهار»، ثم تأكدها بـ«أدوب وانهار»، لتعلن أن البطل «داق»، ثم «داب»، كما إنها كانت موفقة فى استخدام القوافى مثل «سوده، عوده، محسوده»، «دوسة، حوسة، مدسوسة»، فقلما ما تستخدم هذه القوافى فى الأغانى.
أما لحن «إيهاب عبدالواحد» فكان من مقام الحجاز كى يناسب شكل التوزيع الموسيقى الذى استخدمه «نادر حمدى» وهو الـ«فلامنكو» ومبنى على فكرتين رئيسيتين، أهمهما فكرة السينيو فهى جملة لحنية خطافة وتترك أثرًا فى الآذان.
6 تيجى نحارب
كلمات: «منة عدلى القيعى»، وألحان: «ايهاب عبدالواحد»، وتوزيع: «أحمد إبراهيم» بمجرد سماع الأغنية نتيقن بما لا يدع أى مجالًا للشك، بأن هذه الأغنية صنعت كرد على أغنية (تيجى نسيب) لـ«أنغام»، وهو شكل من أشكال الرقى فى تقديم الأفكار المختلفة.
كلمات الأغنية تتمسك ببقاء المشروع العاطفى ولو بالحرب، بينما فى أغنية «أنغام» كان التمسك بإنهاء العلاقة هو المسيطر، وهنا أنا لا أفضل أغنية على أغنية، ولكن من الجيد أن يكون هناك تضاد واختلاف بشكل راقٍ وفنى.
والغريب أن «إيهاب عبدالواحد» هو العامل المشترك فى الأغنيتين!
7 عمرى اللى فات
كلمات: «محمد الشافعى»، وألحان وتوزيع «أحمد ابراهيم»
من الأغانى الحالمة فى هذا الألبوم، وكنت معجبا بأسلوب «الشافعى» الذى شبه مفاتن حبيبته بالطبيعة مثل «عينيكى = بحر»، و«شعرك = ليل»، كذلك تعبير «وفيكى سر زى السحر ملوش تفسير».
لحن الأغنية لـ«أحمد إبراهيم» من مقام الكرد، والقالب الموسيقى الذى بنيت عليه الأغنية قد يذكرنا بأغنية (بطمن عليك) التى وزعها أيضًا «أحمد إبراهيم» لـ«عمرو دياب»، وكذلك اشترك فى عزف الأوكرديون فى الأغنيتين «رفيق جمال»، ولذلك ربما ربط الجمهور الأغنيتين ببعضهما.
8 أنا مشيت
كلمات: «تامر حسين»، ألحان: «عزيز الشافعى»، توزيع: «نادر حمدى»
أغنية درامية بامتياز، أجاد «تامر حسين» فى اختيار مفرداته كى يعبر عن الحالة، ولكننى توقفت عند جملة «عاشرنى وعمره ما عرفنى»، لدلالتها، فكثير منا يكتشف بعد فوات الأوان أن الذين عاشرناهم ربما يكونون لا يعلمون عنا شيئًا، وذلك ما تؤكده الآيات القرآنية بأن الله وحده عليم بذات الصدور، وكذلك القاعدة الفقهية «النية محلها القلب»، ولذلك إذا أراد أى شخص أن يخبئ أى شعور بداخله فيستطيع أن يخدع الجميع حتى لو عاشرهم.
لحن «عزيز الشافعى» كان مبنيا على فكرتين من مقام الكرد، وكان موفقًا لأن الأداء الصوتى عندما كان «أحمد سعد» يروى مأساته كان منخفضًا، ويصل للذروة عندما يأتى البطل ويقرر اتخاذ القرار بالرحيل عندما يقول «أنا مشيت».
كذلك «نادر حمدى» أكد على أهمية وقوة الجملة «عاشرنى وكأنه ما عرفنى» عندما جعل صوت «سعد» بمفرده بطل بدون أى موسيقى قبل نهاية الغنوة.
9 حبيبنا
كلمات: «تامر حسين»، ألحان: «مدين»، توزيع: «أحمد إبراهيم»
هى اسم الألبوم، والأغنية أثارت جدلًا واسعًا بسبب ما روجه بعض «غير المتخصصين» بأن الأغنية مسروقة من أغنية (بيوحشنا) لـ«عمرو دياب»، وأيضا مسروقة من (نور العين) لـ«عمرو دياب»، والحقيقة أن الرابط الوحيد بين الأغانٍى الثلاثة هو موسيقى الفلامنكو ولكن الألحان مختلفة خاصة أن (حبيبنا، ونور العين) من مقام الحجاز، و(بيوحشنا) من مقام الكرد.
أجمل ما فى الأغنية المزج بين صوت «أحمد سعد» المصرى، مع موسيقى الفلامنكو الإسبانى، وكذلك الكورال النسائى الذى يغنى ويقول «هبيبنا» بدلًا من «حبيبنا»، كأن الأغنية انتقلت بنا عبر المسافات من مصر إلى إسبانيا، فهذا المزج ربما حدث كثيرًا خصوصًا فى أغانى «عمرو دياب»، ولكن الجديد هنا هو الروح الإسبانية الحقيقية التى جسدها العازفون وكذلك الكورال النسائى، وهذا لا يعطيها الأفضلية على نوعية أغانى الهضبة، ولكنه اختلاف فى المنهج، فـ«عمرو دياب» دائما ما يهتم بوضع لمسته «الشرقية» و«المصرية» ولكن «سعد» كان مهتما أكثر بأن يعطى دور البطولة للمشاركة الإسبانية!