صفقات واعتقالات: بيـزنــس السجون الخاصة فى أمريكا
![](/UserFiles/News/2025/01/11/62819.jpg?250112100300)
فاتن الحديدى
فى تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا، تم الإعلان عن تبادل كبير للمنافع بين ترامب وشركات السجون الخاصة، فقد أنفقت شركة «جى إيه أو» لصالح إمبراطورية ترامب التجارية المترامية الأطراف آلاف الدولارات فى منتجع مار إيه لاجو خلال أول عامين من تولى ترامب لمنصبه فى فترته الأولى، عندما كانت الشركة تحت نيران الانتقادات بسبب معاملتها للأسر المهاجرة المحتجزة.
و تدفقت التبرعات بعدها من شركات السجون الخاصة فى دورة الانتخابات لتشمل عددًا من صناع السياسات فى الحزب الجمهورى.
من بين المتلقين السيناتور كورى جاردنر من كولورادو، حيث تدير شركة GEO وCoreCivic شبكات من دور الإيواء المؤقتة هناك.
وتخوض شركة GEO دعوى قضائية جماعية بشأن مزاعم بأنها أجبرت المحتجزين المهاجرين على العمل مقابل أجر ضئيل أو بدون أجر.
كما تلقى أموالا أيضا كل من السيناتور ميتش ماكونيل من كنتاكى؛ والسيناتور شيلى مور كابيتو من وست فرجينيا، رئيسة اللجنة الفرعية للأمن الداخلى فى لجنة المخصصات.
ومن بين الديمقراطيين القلائل الذين حصلوا على أموال، النائب هنرى كويلار، وهو ديمقراطى محافظ من تكساس ومدافع صريح عن السجون الخاصة التى تضم دائرته كلا من سجنَىْ GEO وCoreCivic.
فى ظل التفكير الرأسمالى «الربح فوق كل شىء» قدمت مجموعات الشركات التى تتولى بيزنس السجون الخاصة لدونالد ترامب دعما سخيا لحملته الانتخابية، وذلك بعد تعهده بإطلاق أكبر عملية ترحيل فى تاريخ أمريكا وعزمه على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة الجماعية مستعينا بـ«توم هومان»، الملقب بـ«قيصر الحدود» على رأس إدارة الهجرة والجمارك والذى قال إنه يريد تطبيق مبدأ «عدم التسامح مطلقا على الحدود الأمريكية» مما يعنى أعمالًا تجارية كبيرة للسجون الخاصة يمكن أن يترجم إلى أموال طائلة لشركات مثل كوريسيفيك و جيوجروب.
كشفت المنظمة المسئولة عن مراقبة الأموال شركة «جى إى» صاحبة التاريخ الطويل فى دعم ترامب وغيره من المرشحين الجمهوريين عن دعمها حملة «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» 2024 بمبلغ مليون دولار عبر لجنة العمل السياسى التابعة لها.
أتى هذا الدعم السخى بعد التصريح الذى أدلى به الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب عن اعتزامه تنفيذ خطة للطرد الجماعى للمهاجرين غير الشرعيين» بمجرد عودته إلى البيت الأبيض فى 20 يناير، ثم شهدت سوق أسهم شركات السجون الخاصة ارتفاعا غير مسبوق فى البورصة.
كان الترحيل الجماعى أحد ركائز حملة ترامب فى فترة ولايته الثانية، تعهد ترامب بالوفاء بوعده وإجراء «أكبر عملية ترحيل محلية فى تاريخ أمريكا».
أمضى أتباعه، بقيادة المتشدد ستيفن ميلر، سنوات فى ابتكار حلول قانونية لمنع تقليص مقترحاتهم المتطرفة أو رفضها فى المحاكم.
فى هذه المرة، يخططون لتفعيل قانون سيئ السمعة يعود إلى القرن الثامن عشر، يقضى بنشر الحرس الوطنى، وبناء معسكرات اعتقال ضخمة ويعتزمون إعادة تشكيل البيروقراطية الفيدرالية لضمان حدوث ذلك، وصياغة الأوامر التنفيذية وملء الإدارة بالموالين الذين سينفذون السياسات بسرعة.
قال توم هومان، القائم بأعمال مدير إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية السابق فى عهد ترامب: «لا استثناءات.. إذا كنت فى البلاد بشكل غير قانونى، فأنت هدف سيتم ترحيلك».
هبوط وصعود !
عام 2016 أعلنت وزارة العدل عن خطة للتخلص التدريجى من استخدام السجون الخاصة وعمل مكتب السجون الفيدرالى الأمريكى على إنهاء جميع العقود معهم ورغم هذه القرارات فإن عددا كبيرا من الولايات عجزت عن تنفيذه ولم تفعل القرار 23 ولاية وحجزت ولاية مونتانا نصف سجنائها فى سجون خاصة.
ثم أعلنت الحكومة الفيدرالية أنها سوف تتخلص تدريجيا من نظام السجون الخاصة!
فى اليوم التالى لهذا الإعلان، تبرعت مجموعة جيو بمبلغ 100000 دولار إلى Rebuilding America Now، وهى لجنة عمل سياسى مؤيدة لترامب، من خلال شركة تابعة لهم.
مرة أخرى فى نوفمبر 2016، تبرعت الشركة ذاتها بمبلغ 125 ألف دولار أخرى.
وفى وقت سابق من ذلك العام، ساهمت لجنة العمل السياسى التابعة للشركة بمبلغ إضافى قدره 50 ألف دولار لنفس اللجنة.
وبعد فوز ترامب فى الانتخابات، تبرعت مجموعة GEO بمبلغ 250 ألف دولار لحفل تنصيبه.
وفى كل دورة انتخابية منذ عام 2004، بالإضافة إلى عامى 2008 و2010، تبرعت لجنة العمل السياسى التابعة للشركة بعشرات الآلاف وفى بعض الأحيان مئات الآلاف من الدولارات أكثر للمرشحين الجمهوريين من نظرائهم الديمقراطيين.
وبصرف النظر عن تبرعاتها السياسية، قامت مجموعة GEO أيضًا بتغطية مصروفات ترامب من خلال تعاقدات لصالح شركته.
فى عام 2017، كسرت الشركة التقاليد وعقدت مؤتمرها فى منتجع ترامب دورال بدلاً من مقرها الرئيسى، وكان نائب رئيسها قد أقام فى فندق ترامب دى سى 10 مرات على الأقل بحلول يونيو 2019.
بين عامى 2016 و2020، تم توقيع 40 عقدًا جديدًا لبناء مراكز احتجاز بين إدارة الهجرة والجمارك ومجموعات خاصة.
بينما استمرت أرباح مجموعة جى إى من الحكومة الفيدرالية فى النمو فى ظل إدارة بايدن، فإن عدد العقود الجديدة الممنوحة للشركة أقل بشكل كبير مما كانت عليه فى إدارة ترامب.
فى السنة المالية 2017، تلقت الشركة 40 عقدًا جديدًا. فى السنة المالية 2020، آخر عام كامل لإدارة ترامب، تلقت 87 عقدًا- وهو رقم قياسى مرتفع، وأكثر مما مُنح لها خلال أى عام من فترة بايدن فى منصبه.
وعد ترامب أيضًا فى فترته الرئاسية الجديدة بتنفيذ أجندة الهجرة المتطرفة والتى تتضمن احتجاز الأشخاص غير المسجلين الموجودين بالفعل فى الولايات المتحدة فى «مرافق احتجاز شاسعة» لم يتم بناؤها بعد.
ثلاثة طرق
تأسست السجون الخاصة فى ثمانينيات القرن الماضى، لتعويض النقص بالأسرة فى السجون الفيدرالية وسجون الولايات المختلفة.
يعمل هذا النظام الخاص بثلاثة طرق، إما أن تقدم شركه خاصة طلب إدارة سجن حكومى وتقديم خدمات داخل السجن مثل تدريب مهنى، صيانة المبانى، الإمدادات الغذائية أو تؤجر مبانى حكومية وتتولى مسئولية السجناء أو تفتتح سجونا خاصة بها وتطلب من الحكومة إيجارا لها وتتولى الحكومة الإنفاق مقابل كل سجين.
تدفع الحكومة للسجون الخاصة أموالا مقابل كل سجين فكلما زاد عدد السجناء زادت الأرباح والفئات ذات الدخل المنخفض والأقليات العرقية هم أكثر نزلاء هذه السجون عددا.
وبهدف زيادة الأرباح، يتم إعطاء حوافز للشرطة للقبض على مزيد من السجناء مع إطلاق حملات «القبضة الحديدية الأمريكية»، تحت مسمى الحدّ من جرائم الشوارع وتحت هذا المسمى تم القبض على كثير من المشتبه بهم والزج بهم فى السجون.
يوجد فى الولايات المتحدة أكبر عدد من السجناء فى العالم بواقع 629 سجينا لكل 100 ألف نسمة.
مع مرور الوقت وزيادة عدد الشركات تصاعدت خصخصة السجون كتجارة تعتمد ربحيتها على عدد السجناء، فقد أفاد ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين غير الحاملين للوثائق، أصحاب مراكز الاحتجاز لأنهم يتلقون أموالا مقابل كل محتجز، بلغت أرباح شركتى «جى إى أو جروب» و«كورسيفيك» أكبر الشركات التى تملك وتدير السجون الخاصة أكثر من 4 مليارات دولار من المتوقع أن تتضاعف مع فترة رئاسة ترامب الحالية.
يقول رئيس شركة جى إيه أو جروب: «إن الأسرة غير المستخدمة حاليا فى منشآتنا قد تدر ما يزيد على 400 مليون دولار إيرادات سنوية إذا تم تفعيل قوانين الهجرة غير الشرعية التى يعتزم ترامب تطبيقها وإن الشركة لديها القدرة على توسيع برنامج المراقبة الحالى ليشمل عددا أكبر من المهاجرين مما يزيد من الإيرادات»، وأضاف: «إنها فرصة غير مسبوقة لنا».
كما اقترح أصحاب الشركات توسيع خدماتهم ليشمل التوصيل الآمن برا وجوا لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين.
واليوم، يتم احتجاز 90 % من المهاجرين غير الشرعيين فى الولايات المتحدة فى مراكز احتجاز يديرها القطاع الخاص، وفقًا للمركز الوطنى لشئون المهاجرين.
ويوجد أكثر من سجن خاص داخل ثلاثة سجون حكومية، حيث يتم احتجاز المهاجرين غير الشرعيين فى انتظار استكمال الإجراءات الإدارية للسماح بطردهم فى ولاية تكساس.
الخطة
إن المستفيد الأكبر من عودة ترامب ومن هذه الحملة هم أصحاب الشركات الخاصة، التى تدير عدداً كبيراً من مراكز الاحتجاز الخاصة و أكبر مشغلى السجون فى البلاد جى إيه أو وكوريسيفيك، بنسبة 42 فى المائة، ارتفعت أسهم المجموعة، وما زالت فى صعود.
فرصة غير مسبوقة
يقول جورج زولى، مؤسس مجموعة جى إيه أو والرئيس التنفيذى لها: «تم بناء المجموعة لهذه اللحظة الفريدة»، ووصف خطط ترامب بأنها «فرصة غير مسبوقة». كما أشار زولى، إلى أن مجموعة GEO تعمل حاليا على زيادة عدد أسرة الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة و الجمارك من 13500 إلى أكثر من 31000.
كما يمكن تجديد العقود مع الحكومات الفيدرالية والتابعة للولايات والمحلية والتى تشمل 85000 سرير لتزيد حسب الاحتياجات المطلوبة.
وقال إنه من المرجح أن يكون هناك «إقبال» على الأسرة، «ونعتقد أن إدارة الهجرة والجمارك سيكون لها الأولوية القصوى على جميع الأسرة المتاحة فى جميع أنحاء البلاد».
بهذه الأرباح الضحمة، وإذا كان الأمر متروكًا لترامب وحلفائه، فمن المرجح أن تهاجم القوات المسلحة ووكالات إنفاذ القانون جميع المهاجرين من خارج الولاية داخل المجتمعات وخلف الأبواب، وتفتش أماكن العمل والمنازل، وتستجوب وتعتقل المهاجرين غير الشرعيين المشتبه بهم بشكل تعسفي.
ومن المؤكد أن المجموعات الأمنية المسئولة عن مكافحة التسلل ستطارد حتى المواطنين الأمريكيين إذا تم الاشتباه بهم لأن الزج بهم فى السجون يعنى ملايين الدولارات ولا عزاء لحقوق الإنسان.
عيوب ومميزات
يرى المراقبون المختصون فى شئون الاحتجاز أن للسجون الخاصة مميزات تفوق عيوبها فهى تقلل من اكتظاظ السجون الحكومية، تجعل المرافق أكثر أمنا على الموظفين والمحتجزين كما تقدم برامج مبتكرة لإعادة التأهيل بإمكانيات أفضل كثيرا من السجون الحكومية، لكن من عيوبها تكلفتها الباهظة واستغلال الموظفين والسجناء لتحقيق مكاسب للشركات التى تديرها.
يعتمد نشاط السجون الخاصة على وكالة الهجرة ومراقبة الحدود التى يحدد الكونجرس ميزانيتها وتعتمد على معدل إشغال الأسرة كلما ارتفعت هذه المعدلات زادت الأرباح التى تحققها الشركات. إن احتجاز المهاجرين يعتبر جزءًا لا يتجزأ من النجاح الاقتصادى لمجموعات السجون الخاصة.
مؤخرا صرح دونالد ترامب، من خلال الدفاع عن هدف ترحيل 5 ملايين مهاجر غير شرعى كبداية، «يمكننا القيام بالكثير من عمليات الخصخصة والسجون الخاصة».
مراكز احتجاز جديدة
شجع إعلان خطة ترامب للترحيل على زيادة حجم المراكز، أو إنشاء مراكز جديدة.. من المحتمل أن يتم بناء المركز الأمريكى السابع والستين لاحتجاز المهاجرين، على ضفاف نهر ريو جراندى، الذى يمثل الحدود الطبيعية بين الولايات المتحدة والمكسيك، كما أعلنت ولاية تكساس عن منح بضع مئات الهكتارات، التى كانت تشغلها مزرعة فى السابق، لإدارة ترامب «لمساعدتها» فى تنفيذ «أكبر عملية طرد جماعى للمهاجرين غير الشرعيين فى تاريخ الولايات المتحدة».
خطر وفساد
فى كتابه «السجون الأمريكية» كشف المدير السابق لشركة «ألتسوم للطاقة» الفرنسية، فريديريك بيروتشى، عن تجربته الشخصية للجانب المظلم من السجون الأمريكية الخاصة كمعاقل للخطر والفساد، «لشرب الماء تحتاج لشراء كوب بلاستيكى أولا، التليفزيون عبارة عن صور وإذا كنت تريد سماع الصوت عليك شراء راديو وسماعات من متجر فى السجن بالأموال، كى تعيش وكى تتمتع بخدمة طبية وتتقى شر السجناء الآخرين عليك بدفع الأموال دائما لأنه طبقا للإحصائيات هجوم السجناء فى السجون الخاصة يزيد بنسبة %28 عن السجون الحكومية إنه مكان غير آمن وغير مريح لمن لا يملك المال لكنه مربح بشدة للقائمين عليه.
وفقا لتقرير نشرته مجلة النيوزويك، تشارك السجون الخاصة الحكومة الأمريكية فى التواطؤ السياسى و التجارى من أجل ضمان الموارد المالية بضمان عقود الاحتجاز ومراقبة المهاجرين غير الشرعيين، تضغط مجموعة جى إيه أو الأمريكية العملاقة على أعضاء الكونجرس كل عام وتوفر لهم قدرا من التبرعات السياسية.
الأمر الصادم أن يوجد فى العقود المبرمة بين الشركات والحكومة شروط لضمان معدل كثافة إشغال السجون لمستوى معين وإلا تضطر لدفع مال إضافى للشركات!