المفكر الإسلامى «د. محمد شحرور» لـ«روزاليوسف»: سبع قضايا يثيرها الإخوان ويعجزون عن حلها!

د. فاطمة سيد أحمد
قال شيخ من فوق منبر أحد مساجد «دمشق» ذات يوم من عام 1967: «لقد هُزمنا لأن النساء كاسيات عاريات».. بينما انبرى أحدهم من على منبر الشيوعية قائلًا: «بل هزمنا لأننا نصوم رمضان»، هذه الآراء والتحليلات المنبرية جعلت عقولًا شبابية مثقفة - آنذاك بسوريا - ترفض هذا وذاك، وتختار الاجتهاد وسيلة للوصول إلى الحقيقة، من هؤلاء محمد شحرور المعيد بكلية الهندسة - جامعة دمشق - فى ذلك الوقت الذى أصبح بعد عودته من بعثته إلى جامعة «دبلن» بأيرلندا أستاذًا استشاريًا فى الهندسة ومفكرًا إسلاميًا مستنيرًا له عدة مؤلفات فى هذا المجال، منها: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، الدولة والمجتمع، الإسلام والإيمان ومنظومة القيم، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامى «فقه المرأة - الوصية - الإرث - القوامة - التعددية - اللباس».
أثناء زيارته للقاهرة الأسبوع الماضى لحضور بعض الندوات والتسجيلات التقت به «روزاليوسف» وكان هذا الحوار:
سألته فى البداية: هل تسحب التنظيمات الدينية البساط من تحت أقدام المؤسسات الدينية فى المنطقة العربية؟
- أجاب «د. شحرور»: المؤسسات الدينية مثل «الأزهر» فى مصر، والسعودية و«النجف» فى العراق، و«قم» فى إيران، لا تزال تقليدية «متخشبة»، وهذا تعبيره - أدواتها المعرفية من القرنين الثانى والثالث الهجريين لم يحدث بها أى تطوير، والسبب أن المؤسسات الدينية دائمًا ما تتبع السلطة، من هنا فإن عنصر «الإكراه» جزء لا يتجزأ من المتوافر لديهم من «وازع» مثل الوازع الإلهى، ووازع الحاكم، وبالتالى فإن السلطة والإكراه شيئان أساسيان لدعم الدين والتقيد به لدى المؤسسات الدينية، مثال ذلك أن الفقه فى «أفغانستان» لا يختلف عن الفقه الذى يدرس فى الأزهر.. وإذا أردنا أن نطبق ذلك نجد النموذج «الطالبانى»، الذى يقوم فى الأساس على الفقه الدينى دون اجتهاد، لأن هجوم المدنية والعلمانية لم يكن له مجال عندما تأسس الفكر الإنسانى، ولكن بعد ذلك أصبح هناك فقه وهناك قانون وهو ما أفرز «بنوكا ربوية وأخرى إسلامية»، - كما يقولون - وأخشى أن يأتى يوم نجد فيه مجلسين يمثلان الشعب أحدهما إسلامى والآخر مدنى.
هل تقصد أن هناك إشكالية بين التنظيمات الدينية والدولة المعاصرة؟
- نعم، وإشكاليتهم غير محلولة، فالدولة المعاصرة تريد تطبيق الديمقراطية وتنادى بحريات مثل حرية الرأى وحرية الصحافة وقبول حقوق الإنسان دون تحفظ، أى بدون «ثوابت»، بمعنى أن الحرية تظهر فقط فى صندوق الانتخاب، لكن بقية الحريات تحكمها ثوابت، وبخاصة أن وعى الحرية فى الشارع العربى لا قيمة عليا له فى وجدان الناس.
وبالتالی فأنا أبشر الأنظمة العربية بطول السلامة وطول الإقامة وأطمئنهم لأن شعوبهم غير قادرة على الإطاحة بهم، أما التنظيمات الدينية فإننا نجد مثلا «الإخوان المسلمين» لم يحسموا أمورهم إلى الآن، هل شعار تطبيق الشريعة يعطى الشرعية للحاكم لأن يحكم؟ هل هو كاف لأن تكون الانتخابات هى لتطبيق الشريعة؟ و«حاكمية الشريعة» هل أحصل عليها من الناس أم من الدين؟ وهل الدولة الدينية بهذا الشكل تكون عنصرية وديكتاتورية أم أنه يمكننى الأخذ ببعض الأحكام الشرعية من الدين بموافقة الناس وعدم إكراه الأقلية؟ مثال لذلك علم «المواريث» الشرعى والوصية فالدولة الديمقراطية تجعل تطبيق أحدهما لرغبة المواطن فى أيهما يختار ويناسب ظروفه المعيشية، والدولة الديمقراطية تقوم على عدم الإكراه وهى قيمة عليا فى العقيدة الإسلامية.
مثال آخر إشكالية «البنوك» فنحن نجد أن هناك قاعدة فى أصول الفقه وصفت «القرض» الذى يجر منفعة يصبح «ربا» هذه القاعدة من قالها لا يعرف شيئًا فى علم الاقتصاد، ومع ذلك فلم يتجرأ أحد على إعادة النظر فيها مع أنها من وضع الفقهاء، ولم يتجرأ أحد على إعادة النظر فى علم «المواريث» على أسس رياضية معاصرة.. إذن كلتاهما - الدولة المعاصرة والتنظيمات الدينية الديمقراطية - فى نظرهما لها ثوابت ومتغيرات.. وسأسوق لك مثالًا آخر غاية فى الأهمية: فى برنامج تليفزيونى بإحدى القنوات الفضائية كان معى ضيفان هما د. عبدالمعطى بيومى ود. سعاد صالح، تصدق أن الحرية التى لها قيمة عليا فى الثقافة الإسلامية يجتمع الاثنان على أن الحرية هى «تحصيل حاصل» إذن المشكلة فى تقديس التراث.
للدكتور «شحرور» مقولة «المبارزة الفكرية» فى لغة الحوار وكشف الآخر.. ما دلالة ذلك عندكم؟
- دلالتها إدخال أساليب أخرى غير تقليدية لتعامل الدولة مع التيارات السياسية، على سبيل المثال لا الحصر «الإخوان المسلمين» تكون المبارزة التى أقصدها هى من الخلفية الأمنية والسياسية عن هذه الجماعة وليست بديلا عنها، أى أننا نقوم بتفعيل أطراف متعددة فى هذا التوجه العقلانى، والدخول على هذا الخط يستوجب الإعداد العلمى والتخطيط والبرمجة بعد اعتماده من ناحية المبدأ. وذلك سواء من ناحية طرح الأفكار المدروسة أو من ناحية السبل المناسبة لتوصيلها، وبناء أدوات متكافئة، وهذا الأسلوب - بالإضافة إلى طابعه الحضارى الذى يقى صاحبه التعرض للنقد - يجرد الخصم من أحد أهم أسلحته وهو الدعوى بالحرمان من حق التعبير عن الذات والدفاع عن المواقف، وهو بلا شك مكسب كبير فى ظل الواقع المحيط محليًا وإقليميًا ودوليًا.
وقد جعلت المثال يتعلق بالإخوان المسلمين لما قد يشكلونه من خطورة على استقرار الأوضاع فى البلد، وخاصة فى ظل المتغيرات الدولية الجارية، فإنه بالإمكان خوض معركة فكرية معهم حول عدد من القضايا الجوهرية شرط الإعداد المسبق لها، سواء من ناحية المقولات النظرية أو الممارسات العملية، وأنه ليس لدى الإخوان الحلول للمشاكل التى يثيرونها هم بأنفسهم.
ما القضايا التى يثيرها «الإخوان المسلمون» ويعجزون عن تجاوزها كما تقول؟
- رد الدكتور «شحرور»: هذه القضايا تتمثل أولاً فى قضية العلاقة بين «الدولة والدين»، فإن من أهم أسباب نجاح دول العالم المتقدم فى تحقيق هذا المستوى الحضارى والعالى لمجتمعاتهم فصل الدين عن الدولة، وبذلك تم تنزيه الدين عن السياسة وحصره فى علاقة المواطن بربه، ومن هذا نرفع أيضًا القيود عن شئون الدولة التى مهمتها الأساسية ضبط العلاقات بين الأفراد فى المجتمع، وبالتالى تصبح الحياة مستساغة بقدر الإمكان دون عراقيل لا تمت فى الواقع بصلة، وهذا الفصل جعل المجتمع مهيأ للتطور والتكيف حسب حاجات أفراده، الأمر الذى لا تسمح به العقائد الدينية، بصرف النظر عن ماهيتها، فما جواب الإخوان المسلمين فى هذه المسألة الجوهرية؟
القضية الثانية «العولمة» التى هي- كما يقول «د.شحرور»- إحدى مراحل الرأسمالية العليا، والتى جاءت تتويجًا لمسار تاريخى من العلاقات الرأسمالية المتجددة بحيوية خلال قرون طويلة، والأكيد أن العولمة تترتب عليها إعادة صياغة لأشكال المؤسسات الاجتماعية والسياسية بما فيها الدولة ذاتها، ومهما تكن ملاحظتنا على العولمة كشعوب فى دول العالم الثالث، فلن يكون بمقدورنا كبح هذا المسار التاريخي، وإذا كانت خياراتنا محصورة فى التفاعل مع هذا المسار لضمان موقع لنا فى سيرورته فما موقف الإخوان المسلمين من العولمة بشكل عام، وكيف ينوى هؤلاء تجسيد الشعارات البراقة التى يرفعونها، ولا رصيد لها فى الواقع العملي؟
القضية الثالثة: هى «الديمقراطية».. والتى أصبح تجنبها فى صياغة العلاقات السياسية والمجتمعية بين الأفراد فى الدولة الواحدة كما بين الدول فى المجتمع الدولي، ظاهرة غير مقبولة، بل منفرة، وإذا كانت الديمقراطية تعتمد العودة إلى الشعب وإلى صناديق الاقتراع لنيل الشرعية فى الحكم وتداول السلطة، فما موقف الإخوان المسلمين من هذه المسألة، وكيف تتوافق مع طروحاتهم الدينية، وبالأخص ما يتعلق منها بالشرعية فى الحكم «الأحكام الشرعية» وفى ظل متطلبات العصر، وكيف ينسجم ذلك مع مبدأ «الخلافة» كما نعرفها بما فيها «الراشدة» وإمكانية تداول السلطة الفعلية بسلام، وفوق ذلك هل يجوز شرعًا أن يكون هناك مصدر للشرعية فى الحكم خارج الإرادة الإلهية التى يعبر عنها الأنبياء والرسل، وما العمل فى غياب الأنبياء وعجز الفقهاء عن التوصل إلى حلول للمشاكل التى تثيرها حركة المجتمع؟
القضية الرابعة التى يعجز الإخوان عن حلها - كما يقول الدكتور شحرور هى «العقلانية» بما تعنيه من إخضاع المسائل التى تثيرها حركة المجتمع للعقل الناضج، الذى امتلك من المعارف ما يعينه على معالجتها، وإذا كانت المعرفة هى نتاج التفاعل بين العقل المتفتح والواقع المتغير، فكيف يتفق ذلك مع ما يسميه «الإخوان المسلمين» «العلم» الذى ينحصر فى الدراسات الدينية والشرعية ولعل الأهم يكمن فى منظورهم إلى أساس العلم الآتى إلى الأجيال اللاحقة من الأجيال السابقة، ومن خلال السلف الصالح والأنبياء والرسل، وصولا إلى الخالق، فكيف يمكن التعامل بعقلانية مع المتغيرات فى غياب الأنبياء؟
أما القضية الخامسة: فهى التشريع حيث يصر «الإخوان المسلمين» على كون الشريعة أساس التشريع الجارى، وليس فى قضايا الأحوال الشخصية فحسب بل فى جميع نواحى الحياة بالاستناد إلى الحد الفاصل بين الحلال والحرام، وبالفعل، وكما يبرز من الدراسات الشرعية، فإن الفقهاء والقضاة وجدوا أنفسهم فى مأزق لملاءمة الشرائع والسنن مع الواقع المنظور، ومع ما يسمونه «المصالح المرسلة».. والمذاهب والمدارس الفقهية تشهد على ذلك، فكيف تحل هذه المسألة فى الدولة الواحدة التى يجب أن يسودها قانون واحد. بناء على دستور ثابت وبالفعل. فهل استطاعت دولة إسلامية عبر التاريخ إيجاد حل لهذه المسألة، كى يكون هناك دليل ملموس على صحة هذه الطروحات؟
القضية السادسة: «حقوق الإنسان»، حيث تتنافس الدول المتقدمة، وتتبارى المنظمات الدولية، فى تشريع مبادئ حقوق الإنسان وترسيخ مفاهيمها فى جميع مجالات الحياة بصرف النظر عن الدين والعرق والجنس، ومما لا شك فيه أن هذا المسار التاريخى سيتعزز فى المستقبل، وخاصة فى ظل الشعارات التى ترفعها قوى العولمة والنظام العالمى الجديد بأن ذلك ما يسمى الحرب على الإرهاب فكيف سيتعامل «الإخوان المسلمين» مع هذه الظاهرة الكونية؟ وهل تقبل الأقليات الدينية والعرقية والإثنية والقومية بعد اليوم العودة إلى مفاهيم عفى عليها الزمن، مثل «أهل الذمة ونظام الملة العثماني»؟
القضية السابعة والأخيرة هى «حقوق المرأة» حيث تنشط المنظمات الدولية، وعلى الصعيد الكونى فى تمكين النساء من نيل حقوقهن المتساوية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، فكيف يمكن للإخوان المسلمين التعامل مع هذه القضية؟ وهل يمكن الاستمرار مستقبلا فى الوضع القائم، وخاصة فى الأحوال الشخصية والشرائع المتعلقة بالميراث وغيره؟
سألت الدكتور «محمد شحرور» هل تقصد من القضايا السابقة وعدم معالجتها فى فكر الإخوان المسلمين، أن المحصلة هى خروج دعوتهم من التاريخ المعاصر؟
قال: نعم لأن الكلام عنها فى أدبياتهم ما هو إلا ضرب من الطوباويات التى لا تمت إلى الواقع بصلة، وليس أقلها التعامل مع ما يسمونه الحضارة المسيحية الغربية والعلاقة مع القوى العظمى وطاقاتها المادية، ولعل الأهم وحدة العالم الإسلامى وكذلك الموقف من «دولة إسرائيل» فى قلب «دار الإسلام» وفى عالم يسوده نمط من الرأسمالية، كيف يمكن لأصحاب الأموال المسلمين الانخراط فيها؟
قلت: يسوقنا رأيك عن الإخوان المسلمين إلى أن التنظيمات الدينية لن يكون لها مستقبل سياسى فى الشارع العربي، فهل يبرز دور تيار الوسطية الدينية أو الإسلام المعتدل؟
قال الدكتور «شحرور»: الذى سيظهر هو «الديمقراطية» لأنه حتى الإسلام المعتدل عجز عن معالجة بعض القضايا الملحة. لكن الدين الوسطى هو «موضة» ظهرت بعد أحداث 11 سبتمبر. ليبعد أصحاب هذا التيار صفة «العنف» عن الإسلام، علما بأن من قاموا بأحداث سبتمبر، اعتمدوا بشكل كامل على بعض آيات القرآن وإلى الآن لم نشهد مناظرة تليفزيونية بين من يؤيد ما قاموا به فى 11 سبتمبر، ومن يعارضهم. ليكون هناك تفنيد شرعى لها. لماذا، لأن المتشددين والمعارضين الوسطيين. كلاهما يعتمد على البشر الذين تناولوا هذا الفقه ولا يوجد لهم تفكير «الانتقاء»، مثال «هانى السباعي» مدير مركز المقريزى للدراسات الإسلامية فى لندن الذى يؤيد «أسامة بن لادن»، وعلى شاشة قناة «الجزيرة» تحدى كثيرين لمواجهته، لكن لم يحدث أن تقدم أحد هؤلاء الوسطيين لمواجهته.
انتهى حوارنا مع المفكر الإسلامى السورى الدكتور «محمد شحرور» ولا تزال تساؤلاته عن الفكر الدينى الأصولى والمعتدل تثير الكثير. ونأمل أن نجد لها إجابات فى فى المستقبل.