الخميس 13 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وجهه هو وجه الوجه الأصلى للإخوان: سيد قطب.. «عراب» الكراهية!

العرّاب فى اللغة.. هو الأب الروحى.. وسيد قطب هو عرّاب الكراهية.



هذا الشهر ليس فقط موعد مرور مائة عام على ميلاد حسن البنا.. لكنه أيضًا موعد مرور مائة عام على ميلاد سيد قطب.. الاثنان من مواليد شهر واحد هو شهر أكتوبر وعام واحد هو 1906، على أنه ليس هذا فقط ما يجمعهما.. فالأول أسّس جماعة الإخوان والثانى أكمل المسيرة.. وأطلق أفكار تكفير المجتمع.. مَد الخَط على استقامته.. روى البذور التى تركها حسن البنا فى الأرض لتكبر أشجار العنف.. وتثمر ثمار الكراهية.

لماذا يملأ الإخوان الدنيا بكل هذا الضجيج احتفالاً بمئوية حسن البنا ولا ينطقون حرفًا واحدًا عن مئوية سيد قطب؟!

الإجابة بسيطة: سيد قطب لا يناسب المرحلة.. لا يناسب المظهر الجديد الذى يريد الإخوان أن يقدموا به أنفسهم للشارع.. جيد جدًا.

سيد قطب هو صاحب الأفكار التكفيرية العنيفة.

أفكاره عن تكفير المجتمع تشبه الفضيحة..

لا يمكن مداراتها ولا تكذيبها ولا إعادة تفسيرها.. لذلك فمن الأفضل اختفاؤه.. لكن السؤال الأهم هو هل اختفى سيد قطب من خيالات الإخوان المسلمين فعلاً؟

الإجابة: هى لا.

وإذا شئنا الدقة فإن أفكاره حول الحاكمية الإلهية، وتكفير السلطة والمجتمع معًا هى أفكار مسكوت عنها داخل الجماعة لكنها أبدًا ليست أفكارًا ملفوظة أو مرفوضة.. إنه فى نظر الكثير من الإخوان «الشهيد الحى» والشهيد الغائب بينما هو لدى زينب الغزالى الإخوانية الأشهَر الإمام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد.. وهو أيضًا الأستاذ الإمام ومجاهد فى سبيل الله.. مفسّر لكتاب الله.. مجدد ومجتهد بل هو «الوارث المحمدى».. والأوصاف رصدها ببراعة الزميل حلمى النمنم فى كتابه المهم «سيد قطب وثورة يوليو»..

وقد حاول الإخوان كثيرًا أن يغسلوا أيديهم من أفكار سيد قطب بعد أن تحولت الأفكار إلى دماء وبعد أن اكتشفوا أن أفكاره مهدت الطريق لظهور منافسين للجماعة خرجوا من عباءتهم وزايدوا عليها ولم يروا فى قادتها سوى انتهازيين كبار عاجزين عن مواجهة المجتمع الذى أقنعهم سيد قطب بأنه مجتمع جاهلى كافر، والحقيقة أنه بعد انتشار أفكار سيد قطب عن تكفير المجتمع بين أعضاء الجماعة فى السجون أصدر المرشد العام وقتها «حسن الهضيبى» كتابًا صار شهيرًا فيما بعد هو «دعاة لا قضاة»، لكن الغريب واللافت للنظر أن المرشد العام للإخوان لم يتعرض بكلمة لأفكار سيد قطب لا بالتلميح ولا بالتصريح.. كان الكتاب مجموعة بحوث فقهية تحاول أن توقف طوفان التكفير الذى أطلقه سيد قطب، لكن مؤلفه لم يجرؤ على أن يتعرض له بكلمة واحدة.. وجّه كل هجومه وتنفيذاته ضد المفكر الباكستانى أبو الأعلى المودووى الذى استقى منه سيد قطب كل أفكاره، كان المودودى مسلمًا متحمسًا فى مجتمع هندوسى فرآه مجتمعًا جاهليًا كافرًا، وكان سيد قطب كارهًا متحمسًا فى مجتمع مسلم فرآه مجتمعًا جاهليًا كافرًا!!.

على أن البعض قد يدهش إذا قلت إننى التمس بعض العذر للإخوان، فالطريقة التى مات بها سيد قطب أضفت على أفكاره قداسة.. وبات الجميع مقتنعين أن الفكرة التى يدفع صاحبها حياته ثمنًا لها أقدس وأسمَى من أن نناقشها وننقدها حتى لو كانت الفكرة فاسدة.. وحتى لو كانت قد صدرت عن نفس غير سوية سواء كان عدم استوائها هذا صفة أساسية فيها.. وصفة عارضة طارئة.. فى كل الأحوال تبقى أفكار سيد قطب غير إنسانية وغير آدمية.. تبقى أفكارًا ضد البشرية لكنّ أحدًا لم يمتلك القدرة على نقد أفكار مُنظر العنف الأول.. والأب الروحى لجماعات القتل باسم الرب.. هذا على المستوى العام أمّا على مستوى الإخوان فلعلنا نفاجأ حين نعرف أن نفس المرشد الذى أمر بإصدار كتاب «دعاة لا قضاة» ووضع اسمه عليه فى عام 1972 هو نفسه الذى قرأ فصول كتاب «معالم فى الطريق» التى كتبها سيد قطب فى السجن عام 1962 وباركها ووصف مؤلفها بأنها «أمل الدعوة المرتجى».. والمعلومة منسوبة لزينب الغزالى شريكة سيد قطب فى تنظيم 1965، لم يقترب الإخوان من أفكار سيد قطب بالنقد إلا تنفيذًا لفكرة «التقية السياسية» وبأقل ما يمكن.. والكارثة أنه بقى فى أذهان الكثيرين منهم ومن مختلف الأجيال ذلك الشجاع الجسور الذى أقدم على ما لم يستطيعوا أن يقدموا عليه ودفع الثمن الذى لم يستطع الكثيرون منهم دفعه.. ولعل هذه كارثة لا تقل عن كارثة إطلاق سيد قطب لأفكاره التكفيرية.. أن يبقى أعضاء الجماعة التى تسعى للاندماج داخل المجتمع والتواجد فى مؤسّساته الدستورية والبرلمانية يحملون جينات تكفيرية كامنة ومستعدة للظهور فى أول فرصة..

على أن أشجع الإخوان وأكثرهم رغبة فى التطهر من ماضى الجماعة لا يستطيع الاقترب من صاحب فكرة تكفير «الحاكم والرعية» ومن الأستاذ الذى تتلمذ عليه أشخاص مثل شكرى مصطفى ومحمد عبدالسلام فرج، وعبود الزمر، وأيمن الظواهرى وآخرين تابوا لكن توبتهم لم ترجع الأرواح التى أزهقوها.. ولا بثت الحياة لأناس انتهكت حقوقهم فى الحياة استنادًا لأفكار سيد قطب..

وإذا جئنا لإخوانى مثل د.عبدالمنعم أبو الفتوح الذى تقدمه بعض وسائل الإعلام على أنه أكثر قيادات الجماعة «ليبرالية» ورغبة فى التخلص من الماضى الدموى للجماعة سنجد أنه فى سعيه هذا- وأثناء مقابلته للأديب الكبير نجيب محفوظ للتهنئة بعيد ميلاده سبتمبر 2005- أراد أن يستغل الفرصة وأن يستكمل الحديث عن تقدير الجماعة لنجيب محفوظ بالحديث عن سيد قطب.. وفقًا لنص ما نشر فقد قال أبو الفتوح: إن سيد قطب كتب ما كتب تحت تأثير الإحساس بالظلم والألم جراء كونه كان مسجونًا!!.. ثم روى عبدالمنعم أبو الفتوح قصة توضيحية قال فيها أنه كان يُجرى فى شبابه عملية خراج لمريض وأن المريض من فرط إحساسه بالألم صفعه على وجهه.. وأنه تفهّم موقف المريض الذى لا شك أن الألم هو الذى دفعه لهذا.. وهكذا تنتهى القصة لنفهم منها أن علينا أن نعذر ا لشهيد الحى، هكذا ببساطة.. أمّا الآلاف فى الأرواح التى أزهقت وتزهق كل يوم.. فلا يهم.. نعذره بدلاً من أن نحاكمه.. نعذره وفقط.. وحين نرى المناخ مواتيًا للعودة لأفكاره علانية.. نفعل ونقول إننا أيضًا شعرنا بالألم وبالضغط لذلك فمن حقنا أن «نصفع الطبيب» وأن نُكفّر المجتمع وأن نستبيح دماء المسلمين وغيرهم من المواطنين.. أليس هذا هو المنطق الذى يقدمه «الإخوان» بل أكثر الإخوان استنارة.. على أنه حتى ما يروجه الإخوان من اعتذاريات عن سيد قطب ليس صحيحًا فهو لم يبدأ أفكاره التكفيرية وهو فى السجن بعد عام 1954 ولكن بدأها فى 1950، ولا بُدّ هنا من العودة للكتاب العام للأستاذ حلمى النمنم «سيد قطب وثورة يوليو»، وقبل العودة لا بُدّ أن نسجل أن المشكلة لم تكن فى عقل سيد قطب ولكن فى روحه.. عقله كان مثل عقول الرجال لكنه كان ذا روح ضيقة متعصبة كارهة للآخرين.. من يقرأ ملامح سيرته التى كتبها بنفسه أو التى كتبت عنه لا يرى سوى شخص معتد بنفسه إلى درجة المرض.. كاره للآخرين إلى درجة الجنون، كان ابنًا لأسرة متوسطة الحال فى قرية موشى بأسيوط تخرّج فى مدرسة المعلمين وعمل مدرسًا بالمدارس الإلزامية ثم التحق بكلية دار العلوم، كان مدرسًا محترفًا وكاتبًا هاويًا كتب الشعر والرواية والنقد فلم يلتفت له أحد.. ألّف روايتين لم يتوقف عندهما النقاد وسقطا من تاريخ الأدب، وحين كتب فى النقد الأدبى وصف بأنه «ظِلٌّ باهتٌ للعقاد».

وبعد أن شعر بمرارة الفشل فى مجال الأدب اتجه للدراسات الإسلامية، ولم يكن ذلك سوى تعبير عن انتهازية كبيرة بداخله؛ حيث كانت فترة نهاية الثلاثينيات هى فترة رواج الكتابات الإسلامية حيث اتجه كبار مثقفى العصر طه حسين ومحمد حسين هيكل وأستاذه العقاد للكتابة الإسلامية.

وكما يرصد حلمى النمنم فقد أحاطت الشبهات بالبعثة الاستثنائية التى حظى بها عام 1949 أثناء عمله فى وزارة المعارف.. وكانت للولايات المتحدة الأمريكية.. رغم أنك لو أحصيت كم مرة وردت كلمة «الكراهية» فى كتاباته عن أمريكا لوجدتها تتكرر مئات المرات، والحقيقة أنه كان انتهازيًا كبيرًا، وقراءة المقالات التى كتبها بعد ثورة يوليو وأثناء فترة اقترابه من الضباط الأحرار تكشف أنه استغل الفرصة للتعبير عن كراهيته لكل  البشر.. وكثير من مقالاته هى أقرب لبلاغات يخجل من كان دونه بكثير من أن يقدم عليها، فهو كتب بعد أن أقدم موظف بالإذاعة على منع أغانى أم كلثوم فور قيام الثورة باعتبارها مطربة القصر كتب يطالب بمنع محمد عبدالوهاب، وليلى مراد وفريد الأطرش.. وخاطب الثورة قائلاً: إن عليها أن تقوم بواجبها مَهما يكن فيه من اعتداء على حريات الأفراد «لماذا غضب عندما سجنته الثورة إذن؟».. وفى مقالاته الأخرى لم يتوقف عن التحريض ضد الأحزاب ومصطفى النحاس، وبارك إعدام العاملين خميس والبقرى اللذين اتهما فى أحداث كفر الدوار، وفى مقال رابع كتب يحرض ضد زملائه من الأدباء والمثقفين الذين آلمه تجاهلهم له وقال «إن أى استماع لهم هو خيانة للمُثل الجديدة»!.

وهكذا ستجد أن كل كتاباته من وقت قيام الثورة حتى ابتعاده عنها فى 1953 لم تكن سوى تحريض واضح على الإجراءات الاستثنائية وكبت الحريات وإبادة كل من يحمل أفكارًا مخالفة.. وهى أفكاره ذاتها التى ألبسها ثوبًا إسلاميًا وعبّر عنها فيما بعد.. أمّا ابتعاده عن الثورة فكان لأنه لم ينل ما كان يتوقع حيث كان ينتظر أن يُرَشَّح وزيرًا للمعارف لكن الضباط عرضوا عليه منصب وكيل وزارة وليس وزيرًا وبسبب ميله المرضى لتقديس ذاته فقد اعتبرها إهانة لا تغتفر وكان ما كان.

ولعل كل ما سبق يكشف أن كراهية البشر والرغبة فى إزالة الآخرين، ومحو كل ما هو مختلف معه كانت طبائع أصلية فى شخصيته.. ولعل هذا هو ما دفعه لاعتناق أفكار المفكرين الهنديين أبو الحسن الندوى وأبو الأعلى المودودى.. وتقديمها فى مصر منذ عام 1951، كما تشير دراسة «سيد قطب» وثورة يوليو ولعل هذا هو الذى دفعه أيضًا لتحريض ثورة يوليو على البطش بكل أوجه الحياة فى مصر أثناء فترة اقترابه منها، ولعل هذا أخيرًا هو ما دفعه للارتباط بمجموعة الإرهابيين الإخوان فى عام 1965 والذى سجل بخط يده فى مذكراته التى نشرت بعد إعدامه «لماذا أعدمونى؟!»، أنه اتفق معهم على «ضربة رادعة» يجب أن تشمل إزالة الرءوس وفى مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ثم نسف بعض المنشآت التى تشل حركة مواصلات القاهرة كمحطة الكهرباء والكبارى.. والحقيقة أن الرجل كان إرهابيًا من البداية للنهاية.. وهو علمانى كما هو متدين.. وهو مفكر كما هو زعيم لتنظيم خرق.. وهو مع الثورة، كما هو ضد الثورة، كان كارهًا عظيمًا لم تنبت أشجاره سوى الثمر المُر، والحقيقة أيضًا أن ذلك العنف الفكرى والنفسى.. الذى تميز به الرجل هو الروح الأصلية لجماعة الإخوان لذلك أحبوه وقدسوه واعتبروا أن «الله قد جدد به دعوته»، والحقيقة أيضًا أن وجه سيد قطب هو الوجه الأصلى للإخوان، وأن وجه حسن البنا بملامحه المرتاحة وثغره المبتسم هو القناع الذى يضعونه الآن.. رغم أن القناع قد لا يقل بشاعة عن الوجه الأصلى.