الخميس 2 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استعداداً لأعياد الميلاد الكنائس القبطية تبدأ التسبيح فى «سهرات كيهك»

مع بداية شهر «كيهك» تبدأ الكنائس الأرثوذكسية بتنظيم سهرات تعرف باسم «السهرات الكيهكية»، و«كيهك» هو الشهر الرابع من السنة القبطية، ويحظى بمكانة خاصة لدى المسيحيين فى مصر، لما يحمله من طقوس روحية وتراث ثقافى متجذر فى عمق التاريخ المصرى. 



 

يتميز هذا الشهر بالطقوس الليلية، وهى تقليد روحانى عريق يجمع بين الصلاة، التسبيح، والتراتيل ذات الطابع الفريد.

 

وفى هذا الشهر فى التقويم المصرى القديم، يغطى فيضان النيل الأرض، ومعنى “كيهك” مشتق من أحد أسماء العجل “أبيس” وهو رمز الخير لدى قدماء المصريين، واسمه باللغة الهيروغليفية (كاهاكا) أى إله الخير وكان لهذا الإله معبدان أحدهما بمدينة أبيدوس القديمة بقرية العرابة المدفونة بمحافظة جرجا، وثانيهما بمدينة سانسى القديمة التى تعرف آثارها الآن بقرية صان الحجر.

 

ويحتل “كيهك” مكانة خاصة فى طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فرتبت فيه الكنيسة الصلوات والتسبيحات وحتى تسبحة نصف الليل، وهى صلوات خاصة بهذا الشهر فقط، وتصلى تكريما لمريم العذراء، حتى إنه يعرف بالشهر المريمى عند الأقباط الأرثوذكس، ولذلك هو يعد  شهر السهرات الكيهكية والتسبحة، ويكون فى الشهر الأخير من الحبل المقدس، حيث يوافق عيد الميلاد المجيد يوم 29 كيهك فى السنين البسيطة، أما فى السنين الكبيسة فيوافق 28 كيهك، حتى تظل مدة الحمل بالسيد المسيح ثابتة، ومتفقة مع مدة الحمل الطبيعى (275 يوماً) وهى الفترة بين عيد البشارة (29 برمهات) وعيد الميلاد.

 

وفى هذا الشهر شاركت السماء الأرض أفراحها، فهتفت الجنود العلوية قائلة: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة.

وقد خصصت الكنيسة شهر كيهك من كل عام لتمجيد السيدة العذراء مريم على ما نالته من النعم. وفى هذا الشهر أيضاً يبلغ الليل نهايته من الزيادة لذلك يقولون (كيهك صباحك مساك تقوم من فطورك تحضر عشاك). ويقال أيضاً (سمك كيهك).

 

والكنيسة المصرية تصلى خلال هذا الشهر التسبحة الكهيكية والتسبحة هى إعلان الفرح الروحى، فيقول يعقوب الرسول فى رسالته “أمسرور أحد؟ فليرتل” ( يع ٥ : ١٣).

 وقديما كانت للتسبحة أهمية كبيرة عند رجال الله وكانت إعلانًا عن حبهم له، وشكره عن أعماله معهم، والتسبيح أيضًا هو الحالة التى سيكون فيها الأبرار فى السماء.

والتسبيح موجود منذ العهد القديم، حيث كانت أول إشارة للتسبيح بسفر الخروج ١٥، فى تسبحة موسى النبى، وكذلك تسبحة دبورة النبية فى سفر القضاة، وأيضا تسبحة حنة أم صموئيل، وتسبحة إشعياء والثلاثة فتية، وتسبحة حبقوق، بالإضافة لمزامير داود، وهذه المزامير كان لها دور كبير فى التسبيح بالعهدين القديم و الجديد.

كما نجد أن التسبيح ممتد فى العهد الجديد فى السيدة العذراء والتى سبحت الله بتسبيحتها الشهيرة “تعظم نفسى الرب”.

وكانت التسابيح والأغانى الروحية كلها تعتمد على الكتاب المقدس وكل صلوات الكنيسة لها أصل واعتماد كتابى، حيث كان للمزامير الاعتماد الأكبر فى التسبيح وكانوا ترتل بالطريقة الملحنة، ومنها جاءت كلمة “إبصلمودية”، والتى تعنى “المزامير المرتلة أو الملحنة”، والتى استخدمتها كنيسة الإسكندرية  بترتيل المزامير فى كل صلواتها وتسابيحها، حيث أشار القديس أكليمندس السكندرى،  إلى أن الكنيسة كانت تستخدم المزمور الـ ١٥٠ أثناء التناول وهو الأمر الذى مازال معمولا به حتى يومنا هذا.

 

وتسبحة كيهك لها طابع خاص، وهى تُصَلَّى على مدار ‍ «الشهر المريمى»، ويطلق عليها تسبحة «سبعة وأربعة»، وذلك إشارة إلى سبع ثيؤطوكيات خاصة بالعذراء، وأربعة هوسات خاصة بتسبحة نصف الليل. تسبحة كيهك (سبعة وأربعة) وهى تتكون من: 4 هوسات (تسابيح)، و7 ثيؤطوكيات (مدائح العذراء)، 7 أبصاليات (تراتيل)، ولها ابصلمودية كيهكية تخدم شهر كيهك أو الشهر المريمى.

 إن أساس التسبحة فى الكنيسة أربع هوسات، وسبع ثيئوطوكيات والهوسات الأربعة هى الهوس الأول،  وهو عبارة عن  تسبحة موسى النبى بعد عبور البحر الأحمر

 

والهوس الثانى  وهو المزمور 135 وهو تسبحة شكر لله «اشكروا الرب لأنه صالح وأن إلى الأبد رحمته». الهوس الثالث: وهو تسبحة الثلاث فتية القديسين فى آتون النار.

الهوس الرابع : وهو المزامير 148، 149، 150 وهى مزامير تسبيح وشكر لله على فم الخليقة كلها بكل كائناتها

 

أما السبع ثيئوطوكيات فهى مرتبة لكل يوم من أيام الأسبوع السبعة، وهى مليئة بالرموز النبوية التى تتحدث عن المسيح، والسيدة العذراء بكونها والدته.

 

ولرقم (7) مدلوله الخاص فهو يمثل كل أيام الأسبوع (أى كل يوم) أما رقم (4) فهو يمثل جهات الأرض  الأربعة فكأن التسـبيح بسبعة وأربعة يشـيرإلى التسـبيح كل يـوم فى كل مكان.

 

واعتادت الكنيسة أن تسهر فى التسابيح الكيهكية طوال الليل حيث تبدأ السهرة بتسبحة «قوموا يا بنى النور»   حيث يكون فيها تدريب روحى على السهر فى تسبيح لله.

لقد تأثرت الكنيسة بأمثال المسيح الذى تحدث فيها عن السهر الروحى استعدادا للمجىء الثانى، أى نهاية العالم، وهو ما يتضح فى مثل  «العذارى الحكيمات» وبهذا المفهوم أدخلت الكنيسة طقس “السهر الليلي”، حيث كانت الكنيسة تصلى القداس فى المساء، لكن مع دخول طقس السهر الليلى فى بدايات المسيحية ومنذ القرون الأولى، كان المصلون يقضون الليل فى الصلاة والتسبيح، ثم يختمون سهرتم بالقداس، فنجد ليلة الأحد يعقبها قداس وليالى أعياد الشهداء والقديسين، وكانوا يسهرون للصلاة والتسبيح وليالى الأعياد الكبرى ” كالقيامة والميلاد والغطاس”

أما بالنسبة للتجمعات الرهبانية فكان طقس السهر والتسبيح يوميًا.

وتاريخ الكنيسة القبطية ملىء بالسهرات الروحية حيث كان فى بدايات المسيحية فى مصر مؤمنون نساك باعوا ممتلكاتهم وخرجوا قرب بحيرة مريوط، وكانوا يقضون الليل فى الصلاة والتسبيح وتسليم الألحان للأجيال، وكان التسبيح عندهم قائمًا على ترتيل المزامير، كما  نجد البابا ديونسيوس الرابع عشر يمتدح أسقف الفيوم لما قام به من تأليف للإبصلمودية التى تستخدم للسهر الليلى، والقصة التى نسبت للبابا أثناسيوس الرسولى البطريرك الـ 20 فى حروبه مع الأريوسين عندما أحاط الحاكم كنيسة ثاؤنا ليلاً، وكان متواجدا بها مع الشعب وقت التسبحة وأرادوا القبض عليه، فأمر البابا الشماس بأن يرتل المزمور ” ١٣٥ ” والشعب يجاوب ” وأن إلى الأبد رحمته” وهو الهوس الثانى حالياً .

وهناك أيضًا دفاع القديس باسيليوس الكبير عن طقس السهر الليلى الذى أدخله فى كنيسة قيصرية، موضحا أن هذا الطقس مأخوذ من كنيسة مصر وموجود فى كنائس كثيرة.

ولكتاب الإبصلمودية تاريخ أيضا فأول من طبعه هو روفائيل الطوخى  وكان  من أبناء جرجا، ثم انضم للكنيسة الكاثوليكية وطبع كل الكتب الطقسية فى روما، لكن وضع فى كتاب الإبصلمودية لمسات من العقيدة الكاثوليكية و كانت هذه أول محاولة لطباعة كتاب الإبصلمودية من الكتب القبطية التى كانت موجودة فى مكتبة الفاتيكان ووصلت هناك عن طريق بعض المستشرقين.

 ثم طبعه القمص مينا المحلاوى سنة ١٩٠٨م وطبعت على نفقة الأنبا يوأنس مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية، وبعدها طبعه العلامة القبطى الجليل إقلاديوس لبيب وطبع فى أواخر سنة ١٩٠٨م.

يُجسد شهر كيهك وسهراته نموذجًا فريدًا لتلاقى الإيمان مع التراث والثقافة. هو شهر يحمل فى طياته ذكريات دينية وروحية عميقة تمتد لآلاف السنين. تظل سهراته ملاذًا روحيًا ونافذة على تاريخ غنى بالتقاليد والألحان. ومع استمرار هذه الطقوس، تبقى الكنيسة القبطية فى مصر شاهدة على قدرة الإنسان على الحفاظ على هويته الروحية والثقافية فى مواجهة الزمن.

وبذلك تكون الكنيسة القبطية فى حالة استعداد دائم خلال شهر كيهك بصفة خاصة، لاستقبال طفل المزود، وذلك بالسهر والتسبيح وتنتهى بصلوات ليلة العيد فى نهاية الشهر المريمى.