تجربة درامية جديرة بالتأمل والتقدير: ساعته وتاريخه.. وما خفى كان أعظم

شيماء سليم
خُلق الإنسان فخُلقت الجريمة.. من أول أبناء آدم وحتى نهاية العالم، لن تتوقف الجرائم، ولن تهدأ النفس الأمارة بالسوء عن ارتكاب الذنوب. قتل.. احتيال.. اغتصاب.. أنواع من الأفعال ثابتة مع تغير الزمان، ومشتركة بين كل الأماكن.. لا يمنعها ظروف اجتماعية ولا اقتصادية، ولا يحجمها تقدم البلاد من تخلفها.. فما يحدث فى أغنى دول العالم يجرى فى أفقرها، وما يرتكبه الجاهل من جريمة يقترفه صاحب أعلى الدرجات العلمية.
«النفس البشرية بحر ضخم ولغز حائر ولن يتأتى لباحث أن يسبر أغوارها طالما أن هذا الباحث بشر».. بهذه الجملة تفتتح حلقات مسلسل (ساعته وتاريخه) الذى بدأ عرضه على منصة «واتش إت» وعرض منه حتى كتابة هذه السطور أربع حلقات. وإن كانت حلقات المسلسل الأسبوعية سوف تستمر حتى شهر رمضان المقبل.. وهذا يعنى أننا ننتظر الكثير من هذا العمل الذى يبدو أنه لن يكون عاديا، ولن يمر مرور العابرين، بل سيُحدث توقفا وتأملا وجدلا، ليس فقط على مستوى الفكرة ودوافعها ولكن أيضا لمستواه الفنى.
المسلسل يستخدم جملة «النفس البشرية..» كعنوان عريض لمضمون حلقاته المنفصلة وإن كانت متصلة فى فكرتها التى عبرت عنها تلك الجملة الافتتاحية.. والتى تبرر الدهشة والشعور بحالة من عدم التصديق أو تخيل ما نراه ولكن وكما تفسر الجملة وكما اعتبرت الدراسات النفسية التى تجرى منذ مئات السنين، فإن النفس البشرية وهى ترتكب الجرائم، تكون فى حالة غير طبيعية، وليس المقصود هنا أنها تكون فى حالة هيسيرية، بقدر ما تكون مصابة أو شبه مصابة بذهان يفصلها عن العالم، ويحركها بشكل ديناميكى هادئ نحو إتمام جريمتها. وهذا ما يظهر بشكل واضح فى (ساعته وتاريخه).
هذا المسلسل تأتى أحداثه عن قصص حقيقية من ملفات المحاكم المصرية، وهو المسلسل الأول، ليس فى هذه النوعية، حيث قدمت مسلسلات جريمة على الشاشة المصرية من قبل، ولكنه الأول كمسلسل مأخوذ عن وقائع حقيقية، والتجديد فى هذا العمل الجدير بالمشاهدة جاء من خلال عدة عناصر، فكرية وفنية، سنحاول إيجازها فى السطور التالية.
من ناحية الفكرة، ومن نقاط القوة فى المحتوى الدرامى الذى نشاهده فى (ساعته وتاريخه) بجانب اعتماده على قصص حقيقية، أنه تمكن من ربط أحداث هذه القصص فى صورة درامية محبكة تعكس بعض العيوب النفسية والمجتمعية التى تجعل الجرائم تؤثر بشكل أو بآخر ليس فقط على ذوى الضحايا ولكن فى المجتمع ككل.. هذا الشعور بعدم الأمان وضياع الثقة والخوف من أقرب المقربين.. ولكن ما نراه من قصص ربما سمعنا وقرأنا عن أغلبها يجعلنا نفكر بهدوء فى الأسباب، ونحاول أن نحذر وننتبه.. فالجريمة هنا تدق ناقوس الخطر لبعض التصرفات التى تستسلم لها النفس، الأمارة بالسوء، كما نعرف.. وربما كان فى إعادة حكى تلك القصص إفادة لمن يشاهدها، فيحاول أن يروض تلك النفس ويردع أمرها السيئ.
هذا العمل الذى أنتجته الشركة المتحدة وأشرف عليه «عبدالله غلوش»، برؤية فنية للمخرج «عمرو سلامة» عن قصة ورؤية قانونية للمستشار «بهاء المرى» ومعالجة درامية لـ«محمود عزت». يثير الانتباه فى اعتماده على خمسة مخرجين جدد يقدمون بصمتهم الإخراجية لأول مرة وهم «عمرو موسى، أحمد عادل سلامة، أحمد صبحى، عادل أحمد يحيى، وأميرة دياب».. وبتأمل الحلقات التى عرضت نجد أن الرؤية الفنية للعمل واحدة رغم اختلاف مخرجيه، فالأحداث تدور فى مكان واحد وفى زمن واحد هو زمن عرض الحلقة، أيضا لا نشاهد الجريمة وهى ترتكب حتى وإن كانت تقع فى نفس الوقت الذى تدور فيه الأحداث التى نراها، وفى الحلقة الأولى التى جاءت بعنوان (تلصص) شاهدنا الجريمة من بعيد، ومن خلف الزجاج، فالقوة هنا ليست فى مشاهد القتل والدم، بقدر ما هى فى توصيل الإحساس نفسه بفعل الجريمة، وهو ما يترك تأثيرًا أقوى فى مشاعر المتلقى.. والمسلسل هنا لا يمنح الفرصة فقط للمخرجين الجدد، ولكن طاقم التمثيل كله من شباب موهوبين هم نتاج برنامج (كاستينج) الذى انطلق لاكتشاف مواهب تمثيلية جديدة، وبالفعل نجد مواهب تستحق الفرصة وتبشر بظهور متميز فى أعمالها القادمة.. وإن كنا نجد بجوار هؤلاء الموهوبين الجدد ضيوف شرف من كبار النجوم يتولون قيادة الحلقات ولكن بصورة تبدو كأنها من بعيد، كما لو أنهم يفسحون الساحة والمجال، لمن أمامهم كى يظهروا أفضل ما لديهم من أداء.
عناصر العمل الفنية الأخرى تتضافر مع الرؤية العامة، ليعزز كل عنصر سواء فى التصوير أو المونتاج أو الموسيقى وبالطبع على رأس كل ذلك الكتابة المتميزة التى رغم كثافة الحدث تبين تفاصيل وطبيعة ودوافع الشخصيات التى تقود هذا الحدث.
فى النهاية، السمة الكبرى فى (ساعته وتاريخه)، هو التناغم الذى يربط جميع العناصر معا، لتشكل كل حلقة لوحة متكاملة الأركان ومتوازنة، سواء فى تكويناتها أو تناسق ألوانها.