من «أبو بكر البغدادى» إلى تلميذه «أحمد الشرع».. البداية دائمًا من المسجد
رجب المرشدى
«للشرع وجوه متعددة» آخرها عندما وقف أحمد الشرع قائد جبهة تحرير الشام من داخل المسجد الأموى بعد انهيار سوريا محاطا بكتيبة من المسلحين ليقدم وجهه الجديد للسوريين وللعالم.. قبله ألقى أبو بكر البغدادى خطبة من مسجد الموصل الكبير ليعلن تأسيس دولة الإرهاب فى العراق ولتصبح الموصل شاهدًا على فظائع تنظيم داعش الإرهابى.. سبق الجميع المرشد الإيرانى عندما صعد إلى المنبر حاملا «رشاش» روسى الصنع؛ ليعلن مواصلة الحرب على الولايات المتحدة ويحرق- من ضمنها- دولاً عربية استغلها فى تنفيذ مخططاته.
هؤلاء وغيرهم لا يهمهم إلا خداع أتباعهم بغض النظرعن الوسيلة المستخدمة فى مبدأ «ميكافللى» صريح أو بمبدأ «التقية الإخوانية»..ولا يهم البلد الذى هو «حفنة من تراب» فى وجهة نظرهم لا يهم مَن يحكمها ماليزية أو إنجليزى- على حسب مرشد الإخوان الإرهابية- وهكذا سقطت العراق من قبل وحاليًا سوريا.
طريق الإرهابيين إلى المسجد كان مفروشًا بالجثث وأنهار الدماء من أبناء الوطن- بل بالوطن نفسه- فى كلتا الحالتين.
فى آخر وجوه محمد الجولانى أو أحمد الشرع فى النسخة المعدلة من اسمه قدّم نفسه من المسجد الأموى باعتباره الفاتح الجديد لسوريا بعد سقوط النظام محاطا بميليشياته واعدًا بسوريا جديدة لكل السوريين.. طريق الجولانى للمسجد الأموى مَرّ بمراحل متعددة كلها علامات فى صناعة الإرهاب وحتى فى صناعة الإرهاب انقلب على من تعلم منهم.. وفى أول خطبة له من الجامع الأموى، اتهم الشرع الرئيس المخلوع بجعل سوريا «مزرعة لأطماع إيران»، مؤكدًا أن الانتصار عليه هو انتصار «للأمة الإسلامية»، كما سعى لطمأنة جميع أطياف الشعب السورى من خلال تأكيده أن ظلم الأسد طال جميع السوريين، ولم يقتصر على طائفة دون أخرى.
أحمد حسين الشرع، الذى ترك اسمه الحركى فى التنظيمات الإرهابية «أبومحمد الجولانى» وُلد عام 1982، ونشأ فى حى المزة بدمشق، لم يكمل دراسة الطب، وبعد أحداث برج التجارة العالمى فى 2001 بدأ الجولانى مرحلة التطرف، وبعد الاجتياح الأمريكى للعراق فى العام 2003، انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبى مصعب الزرقاوى..
فى طريق الجولانى لسوريا أيضًا انضم لتنظيم القاعدة برئاسة أيمن الظواهرى وانفصل عنه بدعوى عدم نيته شن هجمات ضد الغرب، ثم عاد إلى سوريا ليؤسّس «جبهة النصرة» التى أصبحت «هيئة تحرير الشام».
وبدأت رحلة الجولانى وارتباطه بالتنظيمات الإرهابية من خلال الانضمام لتنظيم القاعدة فى العراق، حتى تعرف على «أبوبكر البغدادى» زعيم تنظيم داعش الإرهابى الذى أرسل الجولانى إلى سوريا لإنشاء جبهة النصرة، كفصيل سرّى مرتبط بداعش حتى أصبحت فى عام 2012 من اقزى التنظيمات المسلحة فى سوريا وتنفى علاقتها بتنظمى داعش فى العراق والقاعدة ولكن البغدادى كشف العلاقة مع الجولانى عندما أعلن اندماج مجموعة البغدادى فى العراق وجبهة النصرة ليؤسِّسا تنظيم داعش الإرهابى.
كل هذا التاريخ يوضح مستقبل سوريا ومستقبل المنطقة معها رغم محاولات تبييض وجه الجولانى وإظهاره بمظهر «الفاتح المودرن»، لكن البدايات تدل على النهايات.. وبدايات الجولانى وتحوُّلاته تؤكد أنه يجيد اللعب على كل الأطراف.
وجوه «الجولانى» الكثيرة بدأت مع تخليه عن الاسم الحربى الذى بدأ به نشاطه مع الجماعات الإرهابية فى سوريا والعراق، واستخدم اسمه الحقيقى «أحمد الشرع» قبل ساعات من سقوط سوريا فى قبضة الفصائل.
بالتزامن مع تغيير الاسم تخلى «الجولانى» عن العمامة البيضاء التى كان يقلد فيها أستاذه أيمن الظواهرى وارتدى الملابس الحديثة فضلاً عن تغيير فى هيئة وطريقة حديثة لتتناسب مع الأدوار الجديدة التى يؤديها وارتدى ملابس شبه عسكرية لتتناسب مع دوره كقائد للفصائل.
إن تحوُّل الجولانى ليس أمرًا حديثًا، ولكنه تطور بعناية على مَرّ السنين، وهو واضح لا فى تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فقط ولكن أيضًا فى مظهره المتغير.
فبعد أن كان يرتدى ملابس المقاتلين الجهاديين التقليدية، حدّث خزانة ملابسه لتصبح «أكثر غربية» فى السنوات الماضية، والآن، بينما يقود الهجوم، ارتدى ملابس عسكرية، ترمز إلى دوره كقائد لغرفة العمليات.
خطبة الشرع من المسجد الأموى هى نسخة مكررة مما فعله أستاذه ومعلمه أبوبكر البغدادى عندما ألقى خطبة الجمعة فى جامع النورى بالموصل فى شهر يوليو عام 2014.
الشيخ حمود عمر هلال إمام جامع النورى الكبير يروى أن الحراس أبلغوه أن البغدادى سيلقى خطبة الجمعة وذلك بعد شهر من سيطرة التنظيم على الموصل دون مقاومة تذكر من قبَل القوات العراقية.
جامع النورى الكبير يعتبر من أقدم الجوامع فى الموصل، كان الجامع مزدحمًا جدًا فى ذلك اليوم، وكان هناك العديد من الوجوه الجديدة التى لم تكن تتواجد فيها من قبل، وأجبر الحراس جميع المصلين على إغلاق هواتفهم وكانت شبكات الهواتف المحمولة والإنترنت مغلقة ليعلن البغدادى الموصل ولاية إسلامية ويعلن «إنشاء دولة الخلافة» على الأراضى التى يسيطر عليها فى العراق وسوريا - كما سَمّاها- وتشهد أبشع الجرائم فى التاريخ.
المرشد الإيرانى على خامنئى ألقى خطبة الجمعة لأول مرة منذ أربع سنوات ممسكًا بندقية عقب اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى طهران، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يظهر فيها خامنئى وهو يحمل هذه البندقية بل اعتاد فى مناسبات كثيرة أن يحمل معه سلاحه مهددًا ومُلوحًا بها فى حديثه.
المنبع واحد والفكر واحد ولكن الأوطان هى التى تدفع الثمَن فى النهاية.. ليبقى المتاجرون بالدين وأصحاب الأچندات الإرهابية على رأس السلطة لتبدأ بعدها مرحلة بيع الأوطان وتسديد فاتورة لمن درّبهم وجهّزهم ووضعهم على كرسى الحكم.