السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لـ «سوريا» لا لـ«بشار»

لـ «سوريا» لا لـ«بشار»

مصر الدولة.. التاريخ.. الشعب.. بكل مكونات «الأمة المصرية» على مدار العصور لها شخصيتها.. هذه الشخصية تتلخص فى مبادئ راسخة.. تتبدل الأزمنة والأحداث وأبطالها؛ إلا شخصية مصر ومبادئها. هذه المبادئ ظهرت وبقوة فى العناصر الجامعة للموقف المصري تجاه تطورات الأحداث فى سوريا والتي انتهت لتبدأ..



انتهت بسقوط نظام الأسد.. لتبدأ على الفور مَرحلة الانتباه على الدولة المركزية السورية وما نالها من أطماع عبّر عنها مبكرًا الاحتلال الإسرائيلى بانتهازيته الوضيعة.

 

- وحقيقة الأمر وعلى مدار الأيام الماضية تذكرت كتاب «زيارة جديدة للتاريخ» للأستاذ محمد حسنين هيكل وأنا أستجمع بعض المحطات التي كنت شاهدًا عليها فى العلاقات بين مصر وسوريا وبعض القراءات التاريخية لأكتشف أن فكرة الوفاق بين «البعث السورى» والرؤية المصرية لم تكن إلا مجموعة جمل اعتراضية فى تاريخ طويل من عدم التوافق والاختلاف تجاه الرؤية للمنطقة ومصالح الأمن القومى العربى بشكل عام على مدار ما يقرب من نصف قرن.

وفى الوقت نفسه كان ولا يزال الحرص المصري على أمن سوريا واستقرارها ووحدتها وسلامة شعبها هو المبتدأ وهو الخبر فى كل سلوك مصري على الدوام.

فى فترة المقاطعة العربية لمصر بعد معاهدة كامب ديفيد ومزايدات البعث السورى والعراقى تصدت مصر للأطماع التركية فى مياه العراق ونزعت فتيل التوتر مع سوريا.

وبعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت سعت مصر لكى تكون سوريا حاضرة فى توافقات السلام عندما كان السلام ممكنًا لتستعيد أرضها وكان التعنت سوريًا.

كل ذلك كان فى فترة حافظ الأسد ولم يتبدل الوضع مع توريث بشار الأسد حكم سوريا بل ابتعد كثيرًا بسوريا عن المحيط العربى إلى المشروع الإيرانى مَهما تشدّق بشعارات العروبة.

- فى الفترة من العام 2004 حتى العام 2006 حدث الكثير من التقلبات بدأت باغتيال رفيق الحريرى فى لبنان ومن بعدها حرب 2006، تلك الحرب التي شهدت تلاسنًا مباشرًا بين أستاذنا ورئيس تحرير روزاليوسف آنذاك الأستاذ عبدالله كمال وبين حسن نصر الله زعيم حزب الله المغتال من إسرائيل فى خضم الحرب الجارية الآن.

وقتها كنت شاهدًا على ما تقوم به الدبلوماسية المصرية فى كل المحافل لوقف الحرب فى لبنان ولتحجيم المحافظين الجُدد فى الولايات المتحدة ورغبتهم فى أن تكون سوريا المحطة التي تلى حرب العراق 2003 وقد أوضح السيد أحمد أبوالغيط وزير خارجية مصر الأسبق الأمين العام الحالى للجامعة العربية الكثير من التفاصيل فى هذا الشأن فى كتابه المهم «شهادتى».

هنا تنظر إلى المنهج المصري الثابت أيضًا وهو أن الخلاف مع الأسد الأب أو الابن لا يعنى أبدًا التضحية بسوريا.

بعد انتهاء حرب 2006 خرج بشار بخطابه الشهير الذي قسّم العرب إلى محورين محور ممانعة وضع فيه نفسه ومحور موالاة تجاوز فيه فى حق مصر والمملكة العربية السعودية وحينها خرجت روزاليوسف بعدد شهير أشرف عليه الأستاذ عبدالله كمال وكان عنوانه الرئيسى «فخامة الرئيس بشار.. ورينا الرجولة الكاملة» وبسبب هذا العدد مُنعت روزاليوسف من دخول سوريا.

وللمصادفة كلفتُ بمهمة صحفية وهى تغطية اجتماعات المؤتمر الإسلامى- التعاون الإسلامى فيما بعد- فى دمشق.. وكانت أول مَرّة أزور فيها دمشق وتم على الهواء نقل تلاسن بينى وبين وزير الخارجية السورى الراحل وليد المعلم- الذي أصبح صديقًا فيما بعد- وأنقذتنى العناية الإلهية وتدخّل السفير المصري آنذاك شوقى إسماعيل ومستشار السفارة محمد الجندى من الاحتجاز لدَى الأمن السورى؛ حيث اصطحبانى من مقر المؤتمر إلى مقر الفندق بسيارات السفارة لأحزم حقائبى وأمضيت ليلتى الأخيرة فى منزل السفير وأخذنى المستشار فى سيارته صباح اليوم التالى وظل معى حتى دخولى إلى مقعد طائرة «مصر للطيران» العائدة من دمشق إلى القاهرة ولم يفوّت الأستاذ عبدالله كمال ما جرَى وصعّد الأمر ولم يهدأ إلا بعد اتصال من وزير خارجية سوريا حينها وليد المعلم لتدارك الموقف.

ثم بعد أحداث السابع من آيار الشهيرة فى لبنان عندما نزل حزب الله بسلاحه إلى الداخل اللبنانى حضر الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية إلى القاهرة والتقيته مع الأستاذ عبدالله كمال ثم لقاء آخر مع زملاء من المحررين الدبلوماسيين أعقبه تكليف بمهمة تحريرية فى بيروت عن لغز اغتيال «الحريرى» ومهمة المحكمة الدولية، وفيما كنت أمضى فى شارع الحمرا ببيروت تم احتجازى فى مقر الحزب القومى السورى لساعات لم يتحدث معى فيها أحد ولا أعرف لماذا تم احتجازى مثلما لم أعرف لماذا تم إطلاق سراحى إلا بعد العودة للقاهرة وإبلاغى من قِبََل رئيس التحرير أنه لم يعد ممكنًا لى السفر إلى بيروت أو دمشق بعد الآن.

بعد سفر الرئيس الأسبق «مبارك» للعلاج فى ألمانيا، بدت بوادر دبلوماسية للتقريب بينه وبين بشار الأسد وغلق الصفحة، وتمثلت فى طلب بشار أن يقوم بزيارة مبارك فى المستشفى، لكن الغريب أن الطلب جاء بصفاقة؛ إذ طلب بشار أن يكون هو أول رئيس يقوم بالزيارة، وعندما سبقه العاهل الأردنى الملك عبدالله تحجج ولم يتمم زيارته، وهذه الواقعة تحديدًا لديها الكثير من التفاصيل التي باعدت كثيرًا بين بشار ومبارك.

وفى الوقت نفسه؛ بعدها بأسابيع، حدث تباين حاد بين القاهرة وواشنطن بخصوص سوريا، وذلك فى الحوار الاستراتيجى الذي جمع اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، والسيد أحمد أبوالغيط مع فريق الإدارة الأمريكية فى البيت الأبيض.

وهذه هى قدرة التمييز المصرية الباقية على الدوام لأنها مرتبطة بشخصية مصر.

وقبل انتهاء حقبة مبارك كنا فى «سرت»، وخرجت النميمة فى الصحف العربية أن لقاءً لتقريب وجهات النظر سيحدث بين مبارك وبشار.

وكنا نقف أنا والزميل جمعة حمد الله والزميل يوسف أيوب والأستاذة لبنى نصار، حين سألت الزميلة سوسن أبوحسين الرئيس الأسبق عن لقاء محتمل مع بشار، وكان رده أن جدوله مزدحم.

مع وصول الإرهاب لحكم مصر فى فترة حالكة السواد نظم الإخوان والتيارات الإرهابية مؤتمرًا فى الصالة المغطاة تحت مسمى «مناصرة الثورة السورية»، وواقع الأمر أن المستهدف كان المشاركة فى الدم السورى، وحينها رفضت الأمة المصرية هذا المنهج الذي يخالف شخصية مصر ومبادئ شخصية مصر، حتى لو كان على رأس الحكم جماعة إرهابية، وهى قدرة وعبقرية مصر وشعبها على الدوام.

وبعد نجاح ثورة يونيو وقف الرئيس عبدالفتاح السيسي فى الأمم المتحدة ليعلن بوضوح أن مصر ترفض أن يكون الإرهاب جزءًا من مستقبل سوريا، وتحملت مصر ثمَن هذا الموقف لأنه كان مغايرًا عن أقرب داعميها.

 

وواقع الأمر؛ أن الرئيس السيسي كان ولا يزال يُعبر عن شخصية مصر الراسخة ومبادئها، ولم تتورط مصر فى الدم السورى ولا الدم العربى تحت أى مُسمى.

بل أكثر من ذلك عمدت مصر إلى دعم الدولة الوطنية فى المنطقة ومواجهة الإرهاب ونجحت فى نزع فتيل الكثير من الأزمات على مدار العقد الماضى لأن مصر وقيادتها وشعبها لديهم الإدراك التام بخطورة جر المنطقة لبحر من الفوضى والإرهاب، ومن ثم لم يكن يومًا الدعم لأنظمة أو حكومات؛ ولكن انتصارًا لمبادئ فرضتها شخصية مصر ومحددات أمنها القومى وما تفرضه جغرافيتها السياسية التي تضع منطقة المشرق العربى أحد أضلع الاهتمام المصري على مدار التاريخ.

وهنا أعود من حيث بدأت إلى الموقف المصري الراهن الذي يدعونا إلى الفخر بوطننا وشخصية مصر الثابتة ومبادئها التي لا تتغير، فمصر أول من أدان استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة مع سوريا، والمواقع القيادية المجاورة لها، وأن ذلك احتلال لأراضٍ سورية وانتهاك لسيادتها ومخالفة صريحة لاتفاق فض الاشتباك ورفض الأمر الواقع الذي تريده إسرائيل والتحرك لدى مجلس الأمن ليتحمل مسؤوليته. وهنا مصر تحفظ حق سوريا وترفض استباحته وليس أبدًا دعمًا لنظام كان الوفاق معه مجرد جملة اعتراضية فى تاريخ طويل من الخلاف.