الصراع «العربى - الإسرائيلى» يغذيها و«الطائفية» تنعشها خريطة الجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط
![](/UserFiles/News/2024/12/07/62589.jpg?241208100000)
آلاء البدرى
ساعدت حالة الحرب والصراع «العربى - الإسرائيلى» الطويل فى ظهور الجماعات الإرهابية على أكثر من جبهة، وصعود الحركات المتطرفة وانتعاشها بشكل خطير على الأمن والاستقرار السياسى لدول الشرق الأوسط.. وأدى الصراع إلى نشوء حروب بالوكالة، وتسبب فى أكبر الأزمات الإنسانية التى عرفتها البشرية على الإطلاق، مع اختلال توازن القوى بسبب التحولات الجيوسياسية، وعودة الطائفية، وفراغ السلطة، وفى نهاية المطاف يجرى تقويض السلام والأمن والتنمية المستدامة.
وتختلف أهداف الجماعات الإرهابية كل الاختلاف عن أهداف حركات المقاومة التى تحاول بكل الطرق الممكنة إنهاء الاستعمار، وصد ضربات الأعداء، والتربص للاحتلال ومقاومته، وحماية الشعوب، بينما تساعد الجماعات الإرهابية المدعومة من الغرب فى إشعال فتيل الصراع والفتن وإلحاق الضرر بالمدنيين وممتلكاتهم، واستهداف مؤسسات الدول وهيئاتها ونشر الأسلحة والفكر المتطرف، خاصة بين صغار السن، وأيضًا خلق حالة من الفوضى الدائمة وعدم الاستقرار والإضرار بالاقتصاد، مع استهداف الشعوب العربية. وهناك ما يقرب من عشر جماعات إرهابية فاعلة ومتطورة وذكية وتتمتع بحرية خطيرة للعمل فى الدول التى دخلت دائرة الحرب مؤخرًا، وتعمل تلك الجماعات تحت راية المقاومة الشعبية، وتدمج نفسها فى التمردات المحلية، لكن أهدافها مختلفة.
جبهة النصرة
جبهة النصرة جماعة جهادية سورية هدفها المعلن النضال ضد نظام بشار الأسد البعثى، بهدف إقامة دولة إسلامية فى سوريا، لكن الحقيقة أنها أحد أهم فروع تنظيم القاعدة الإرهابى فى سوريا.
وتستغل جبهة النصرة العدوان على غزة بعدة طرق لشن هجمات إرهابية على البلدات السورية، من أجل السيطرة عليها، لمعرفتها أن الدولة السورية فى مرمى النيران الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، بحجة أنها أحد أذرع محور المقاومة الإيرانى.
وتمتلك جبهة النصرة قاعدة قتالية ضخمة غير معلن عنها، تضم مجموعة مقاتلين سوريين وأجانب، وتعتمد على موارد نواة القاعدة، لكنها امتنعت فى البداية عن الكشف عن انتمائها إلى القاعدة، وسمح هذا لجبهة النصرة بتجنب تنفير السكان السوريين المحليين الذين من غير المرجح أن يتسامحوا مع أهداف الجبهة طويلة الأجل، ومعتقداتها الدينية المتطرفة، وبدلًا من ذلك روجت جبهة النصرة لنفسها فى صورة قوة معارضة سورية قومية، حيث قامت بتجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين لإنشاء قاعدة من المقاتلين السوريين، وتأمين دعم الجماعات المتمردة الأخرى، وأصبح نجاح هذه الاستراتيجية واضحًا عندما أثار تصنيف الولايات المتحدة لجبهة النصرة كمنظمة إرهابية احتجاجات مؤيدة للجبهة من داخل ما يعرف بالمعارضة المعتدلة فى سوريا.
ووقعت 29 مجموعة معارضة سورية على عريضة تدين تصنيف الولايات المتحدة لجبهة النصرة كمنظمة إرهابية، وذهبت إلى حد الإعلان «نحن جميعا جبهة النصرة»، وحثت أنصارها على رفع علم جبهة النصرة، ورغم ذلك فإن جبهة النصرة ليست أكبر جماعة تقاتل فى الصراع السورى - الشرق أوسطى بأى حال من الأحوال، لكنها الأكثر فعالية كونها تمتلك ترسانة تسليح ثقيل أشبه بتسليح الجيوش النظامية.
هيئة تحرير الشام
هيئة تحرير الشام إحدى الجماعات الإرهابية السورية المحلية، نشأت فى بداية الحرب الأهلية السورية، وظلت قوة معارضة خطيرة طوال مدة الصراع.
وفى 2018 أضيفت هيئة تحرير الشام إلى تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب كجماعة تابعة لتنظيم القاعدة، رغم إعلان الجماعة نفسها انفصالها عن التنظيم، وأنها كيان مستقل لا يتبع أى منظمة أو حزب، وقامت بتحطيم قسم الولاء، وكسر بيعتهم للظواهرى، وأدلى الأخير بنفسه بعدة تصريحات تعارض الاندماج، قائلًا إنه انتهاك للعهد.
ووصلت هيئة تحرير الشام إلى حد اعتقال مقاتلى القاعدة فى الأراضى الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الاستخبارات الأمريكية تؤكد أن الرابط بين المجموعتين لا يزال قائمًا ، حتى أنها وصفت هيئة تحرير الشام بأنها مجرد وسيلة لتعزيز موقف القاعدة فى الانتفاضة السورية، وتعزيز أهدافها الخاصة داخل سوريا، ولا تزال هيئة تحرير الشام تحافظ على اتصالات وثيقة بقيادة القاعدة، وتحتفظ بأيديولوجية سلفية جهادية دموية، وتقدر قوتها القتالية بعدد يتراوح بين 12 إلى 20 ألف مسلح، وتقع أماكن نفوذها بشكل أساسى فى محافظة إدلب، ومؤخرا استولت على حلب، أكبر محافظة سورية، كما أنها تمتع بحضور عملياتى فى محافظات حماة ودرعا ودمشق العاصمة.
أيضًا صنف مشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح ACLED هيئة تحرير الشام بأنها مسئولة عن أكثر من 1780 عملية وحادثة إرهابية ضد النظام السورى، وضد الجماعات المسلحة الأخرى، وضد المدنيين الأبرياء، بمعدل عملية أو عمليتين يوميًا .
أنصار الله أو الحوثيون
رغم رفعها شعارات الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام؛ فإن جماعة أنصار الله الحوثية من أخطر الجماعات الإرهابية التى أرهقت الشعب اليمنى واستنزفته، ولا تزال، إلى جانب تنفيذها عمليات إطلاق صاروخية ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهى من أولى جماعات ما يسمى محور المقاومة التى أقحمت نفسها فى الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى الدائر فى غزة، ليس من أجل نصرة الشعب الفلسطيني، ولكن بهدف تأجيج الصراع، وإطالة أمده، وقرصنة السفن، وتقف كبلطجى للبحر الأحمر، وتتلقى المجموعة الدعم من الحرس الثورى الإيرانى منذ عام 2011 وتعتبر أقوى أذرعه، وحلقة الوصل بين آسيا وإفريقيا، ومن خلالها تمد إيران يدها إلى داخل القرن الإفريقى، وتعبث فى صراعاته، وتم تصنيف جماعة أنصار الله كمنظمة إرهابية من قبل إدارة ترامب الأولى فى يناير 2021، وتم عكس القرار فى عهد الرئيس جو بايدن، رغم شن الحوثيين سلسلة من الهجمات على السفن التجارية فى البحر الأحمر.
وتمثل الجماعة تهديدًا مباشرًا للتجارة الدولية والأمن البحرى وتعرض للخطر حياة أطقم دولية تمثل بلدانًا متعددة حول العالم، ليس فقط السفن الإسرائيلية أو الأمريكية، لكنها تضر باقتصاد دول الجوار بشكل مباشر، وتجنى لنفسها أموالًا طائلة تستغلها فى تمويل الإرهاب فى القرن الإفريقى والشرق الأوسط.
سرايا الأشتر
دخلت ميليشيا سرايا الأشتر، المعروفة باسم تنظيم المقاومة الإسلامية فى البحرين، والمصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الحكومة البحرينية، الصراع الدائر فى الشرق الأوسط بعد أن ادعت مسئوليتها عن عدة عمليات على الأراضى الإسرائيلية، وذلك لأول مرة منذ بداية حرب غزة فى مايو الماضى.
وقال التنظيم فى بيان له، إنه استهدف مقر شركة النقل البرى الإسرائيلية (Trucknet) فى مدينة إيلات بواسطة الطيران المسير، وذلك دعمًا للقضية الفلسطينية، ونصرة للشعب المقاوم فى غزة.
وسرايا الأشتر فى الأصل جماعة شيعية إرهابية مسلحة، تخطط لتنفذ هجمات إرهابية ضد حكومة البحرين بمساعدة إيران، ونشأت الجماعة فى عام 2013 عندما انفصلت عن ائتلاف شباب 14 فبراير، وهو أقدم ميليشيا شيعية متحالفة مع إيران فى البحرين.
وتسعى سرايا الأشتر للإطاحة بالنظام الملكى فى البحرين، وأعلنت مسئوليتها عن ما لا يقل عن 20 هجومًا إرهابيًا فى البحرين، بعضها تسبب فى عدد من الوفيات بين المدنيين والعسكريين باستخدام العبوات الناسفة والأسلحة الصغيرة، وتتلقى الجماعة الأسلحة والتدريب على المتفجرات من الحرس الثورى الإيرانى، كما تحالفت مع مسلحين شيعة عراقيين مدعومين من إيران، للحصول على الدعم المالى واللوجستى.
وفى يونيو 2017 تم تصنيف كتائب الأشتر كمنظمة إرهابية من قبل البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأيضا صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية أجنبية فى يوليو 2018.
تنظيم القاعدة
تشكل تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية فى عام 2009، من خلال اندماج مقاتلين فى كل من اليمن والمملكة العربية السعودية، وقام التنظيم بعدد مع العمليات الإرهابية ضد الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالى الجنوبى والحوثيين منذ بدء الحرب الأهلية اليمنية فى عام 2014.
ونمت قوة تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية مؤخرًا فى محافظات الجنوب اليمنى، واستغل فرصة الحرب على غزة معلنًا مسئوليته عن عدة عمليات نوعية فى البحر الأحمر، ويسعى التنظيم من خلال الهجمات الإرهابية فى اليمن وخارجها، إلى أن يكون بمثابة مركز للإرهاب الإقليمى فى شبه الجزيرة العربية، بعد أن نجح فى ضم عدد كبير من المجاهدين من قدامى المحاربين فى تنظيم القاعدة الذين فروا من سجن صنعاء.
ورغم أن تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، كان يعمل فى البداية على منع التوسع الحوثى فى اليمن، فإنهما وضعا خلافاتهما جانبا ليبدأ تعاون من نوع غريب بين جماعة شيعية مدعومة من إيران وتنظيم سنى تدعمه سرًا دول كبرى، إذ قام الحوثيون بتسليح أعضاء تنظيم القاعدة، ووفروا لهم ملاذات آمنة، وسهلوا الهجمات ضد المناطق التى تسيطر عليها الحكومة اليمنية، حسبما ذكر تقرير صدر مؤخرا عن خبراء الأمم المتحدة.
وأوضح التقرير أن هذا التحالف الانتهازى يتميز بالتعاون الأمنى والاستخباراتى وتوفير الملاذات الآمنة لبعضهما البعض، وتعزيز معاقل كل منهما، وتنسيق الجهود لمهاجمة القوات الحكومية.
ويسلط التقرير الضوء أيضًا على أن الحوثيين والقاعدة، جنوا ملايين الدولارات من القرصنة البحرية، وأطلقوا سراح مقاتلى القاعدة المسجونين المدانين بالإرهاب.
وزودت الجماعة الإرهابية بطائرات بدون طيار وصواريخ منذ أوائل العام الجارى، وقامت المجموعتان بتنسيق العمليات بشكل مباشر، واتفقتا على أن يقوم الحوثيون بنقل طائرات بدون طيار وصواريخ حرارية وعبوات ناسفة، وتوفير التدريب لمقاتلى تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية.
ووفقًا للتقرير قام الطرفان بتجميع موارد غير قانونية كبيرة من خلال التهريب المنظم، مثل الأسلحة والمخدرات ومعدات الاتصالات، والمنتجات المحظورة مثل المبيدات الحشرية والأدوية غير المسموح بها، وسلع التراث الثقافى والآثار.
وكشفت تحقيقات الفريق الأممى أن الميليشيا اليمنية تمكنت من جمع ما يقارب 994 مليار ريال يمني، باسم الرسوم الجمركية على واردات الوقود عبر الموانئ الخاضعة لسيطرتها، خلال الفترة من 1 أبريل 2022 إلى 30 يونيو 2024.
تسبب النمو الإرهابى والحرب الواسعة الممتدة على إجبار الدول العربية المستقرة، خاصة التى لديها حدود مشتركة مع الدولة المضطربة، على إنفاق قدر غير متوازن من الموارد على الأمن، مع تجاهل الأهداف الإنسانية والمالية الأساسية، حيث أن الوقوف على حافة الحرب يتطلب استثمارًا كبيرًا فى الدفاع، بما فى ذلك الأنشطة مثل تعبئة القوات العسكرية، ونشر القوات فى المناطق القريبة من الاضطرابات والحصول على الأسلحة، وغيرها من الأشياء ذات الصلة، كما يعمل عدم الاستقرار الممتد على إضعاف الاقتصاد.
والأخطر هو أن الوضع الراهن فى الشرق الأوسط من شأنه أن يمد خطر الإرهاب إلى ما هو أبعد من موقعه الأصلي، ليشكل تهديدًا عالميًا غير مسبوق، مع عواقب محتملة تمتد إلى ما هو أبعد من البلدان المجاورة، حيث تشهد المنطقة الآن لحظة هشة وصعبة، بعد أن أصبح اللاعبون الإقليميون أكثر اهتمامًا بأهدافهم الجيوسياسية الخاصة لحماية أراضيهم ومواطنيهم، وخاصة بعد تورط الكيانات العالمية مثل موسكو وواشنطن فى إطالة أمد الحرب ودعم الارهاب بشكل غير مباشر.
وعلى ما يبدو فإن تحقيق حل دائم غير مرجح دون هيكل تعاونى متعدد الأطراف، ينسق الجهود على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لحل النزاعات سلميًا وكبح جماح الإرهاب العالمى .