كيف بدأ تقويم الدم الصهيونى وثلاثية الإبادة والتهجير والنهب
حكاية 100 سنة صحافة و80 عامًا معارك من أجل فلسطين عندما صرخ إحسان عبدالقدوس من فلسطين عام 1945: «العصابات اليهودية تستعد لاختطاف القدس»
محمود سماحة
(ق.م) هو اختصار لمصطلح قبل الميلاد؛ حيث يمثل ميلاد المسيح عليه السلام- فى بيت لحم بفلسطين- خَطًا فاصلاً بين ما قبل وما بَعد هذا الحدث.
ومن فلسطين أيضًا يخرج فاصل تاريخى جديد.
(ق.ن) هو اختصار لكلمتين هما «قبل النكبة»؛ حيث يمثل اغتصاب العصابات الصهيونية لأرض فلسطين واحتلالها.. خَطًا فاصلاً بين الحياة والموت.. خَطًا فاصلاً حقيقيًا وجغرافيًا قَسّمَ بلاد الشام؛ وفَصَل الوطن العربى مشرقه عن مغربه.
خَطًا فاصلاً بين منطقة كانت تسعى لتأصيل أواصر الأخوّة فى اللغة والدين والاندماج فى وطن واحد كبير يرفع شعارات العروبة والقومية، وبين منطقة يجمع فقط بين دولها أنها ناطقة باللغة العربية وفى الخفاء تدور حرب طاحنة وتنفق المليارات لتدمر بعضها البعض؛ وبخاصة مصر حتى لو دهست فى طريقها فلسطين وقضيتها وتمّت تصفيتها باسم التضامن معها!
خَطًا فاصلاً بلون الدم الذى سال من أبناء فلسطين أولاً ثم من أبناء كل العرب الذين طالتهم نيران الحرب مع المُحتل الصهيونى حربًا تلو الأخرى ليكون هناك تاريخ وجغرافيا للمنطقة قبل النكبة يختلف تمامًا عنه بَعدها..
منذ سقطت فلسطين فى يد عصابات اليهود الإسرائيلية وأصبح هناك تقويم جديد نروى به تاريخ فلسطين الأليم.. فصارت التواريخ تعرف بأسماء المَجازر التى ارتكبت فيها. تقويم استبدل أسماء الأيام والشهور بأسماء القرى والمخيمات وحتى المدارس والمستشفيات التى أبيدت واقترن اسمها بكلمة مَجزرة. تقويم أرقامه هى تعداد لأشخاص قُتلوا بمنتهى الوحشية، فعندما يَرتكب الصهاينة مَجزرة فالجميع شهداء لا يوجد مصابون.. تقويم الدم الصهيونى الذى نرويه ونوثقه ونذكركم به الذى تجاوز فلسطين ليشمل لبنان وسوريا وحتى الأسرَى المصريين فى نكسة 1967 الذين اعترفوا بأنفسهم بقتلهم بوحشية فى فيلم وثائقى اسمه (روح شاكيد) عام 2008.
تقويم بدأ من أربعينيات القرن العشرين وليس آخره مَجازر مُخيم جباليا ومستشفى المعمدانى ومجمع الشفاء الطبى.. ما دام المجتمع الدولى فَقَدَ إنسانيته قبل أن يفقد شرعية مؤسّساته ومنظماته ولم يقف فقط عاجزًا أمام وحشية اليهود المدعومة بجنون القوة الأمريكى؛ بل راح يساند ويؤيد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها ويرّوج لأكاذيب حديثة وقديمة.. فحتى لا يصدّق صغارنا ولا ينسَى كبارنا ما حدث نروى لكم التاريخ من بدايته، فهو لم يبدأ فى 7 أكتوبر 2023 بل من قبل حتى نكبة 1948.
نفعل ذلك من خلال نشر تحقيقات صحفية نادرة من قلب فلسطين لم يرد ذِكْرها أو أعيد نشرها من قبل حتى عثرت عليها بالمصادفة فى عدد كان مُهترئًا وفى طريقه للترميم وقمت بضمها وتوثيق إعادة اكتشافها فى العدد التذكارى الذى صدر فى العدد رقم (4881) بتاريخ يناير 2022.
تحقيقات بمثابة شهادة للتاريخ كتبها شاهد العيان الذى حرص على التوقيع عليها بالاسم الثلاثى وكأنه يوقّع وثيقة للتاريخ (إحسان محمد عبدالقدوس)؛ حيث لم يوقّع إحسان أبدًا أى مادة أدبية أو صحفية بهذا الشكل سوى هذه التحقيقات.
شهادة من شاهد عيان أطلق من خلالها إحسان صافرة إنذار عن خطر العصابات اليهودية، وأن هناك شيئًا ما يُدبَّر لهذا الجزء العزيز من الوطن العربى نشرت على ثلاث حلقات فى الأعداد رقم (883 و884 و886) عام 1945 قبل 3 سنوات من النكبة.
ويؤكد بكل وضوح أن إسرائيل انتشرت فى جسد فلسطين كمرض خبيث لم يكن له وجود قبل نكبة 48، وهو الانتشار الذى بدأ ناعمًا فى البداية متودّدًا مُتقربًا بعد أن دخلوها لاجئين حاملين رواية تعرُّضهم لمَحارق جماعية على يد هتلر، فاستقبلهم الفلسطينيون وأكرموهم وعاملوهم معاملة أصحاب الأرض، ويومًا بَعد يوم انتشروا كمرض خبيث سرعان ما راح يهاجم المُضيف بشراسة ويجهز عليه!
تحقيقات الأستاذ الكبير إحسان عبدالقدوس ترصد مَراحل هذا الانتشار والتحول الذى بدأ عملية تغيير هوية فلسطين بنشر لافتات تحمل لغتهم فى كل مكان وسيطرتهم على كل شىء استعدادًا للتحول الأكبر بحمل السلاح وبدء عملية النهب المنظم والقتل المُمنهج على مدار 75 عامًا.
ليس هذا فحسب عندما لم يستمع أحد لتحذيرات إحسان على صفحات روزا ووقعت الكارثة واغتصب الصهاينة فلسطين أخذت روزاليوسف على عاتقها القيام بأدوار مؤسسات الدولة الغائبة فقامت بحملة ضخمة لحث الملك فاروق والزعماء العرب على إعلان الحرب واشتبك مع الملك عبدالله ملك الأردن وعبدالرحمن باشا عزام وجامعة الدول العربية كاملة وكل ممثلى الدول العربية بها وانتفضت كتيبة روزاليوسف بقيادته للدعوة للتعبئة العامة للشعب المصري والحث على اتخاذ خطوات سريعة ليدخل التجنيد الاجبارى حيذ التنفيذ وجمع المعلومات عن مؤامرات الاحتلال الانجليزي وطوابير الجواسيس من اليهود والجنسيات الأجنبية على أرض مصر.
ومن أمريكا جندت روزاليوسف شخصية دبلوماسية رفيعة المستوى داخل أروقة الأمم المتحدة كان يكتب تحت اسم مستعار (كولومبس) مراسل روزاليوسف الخاص من (واشنطن) هكذا كانت تكتب وقتها حيث لم يكن هناك شىء ساكن ولا صامت فى هذه المرحلة ولا حتى الحروف ومن خلال هذا الباب فضحت مجلة روزاليوسف دور اللوبى الصهيونى فى أمريكا والوجه الحقيقي للدور الأمريكي فى دعم توطين اليهود فى فلسطين رغم محاولاتهم وقت ترك بريطانيا لتبدو بمظهر الرجل الشرير ومحاولة واشنطن لعب دور صديق العرب إلا أن المعلومات التى وفرها هذا المصدر وسرعة وصولها لعبت دورا تنويريا كبيرا فى توقيت كانت التكنولوجيا وسائل الاتصال ونقل المعلومات مقارنة بالآن فى منتهى البدائية والبطء.
محققو روزاليوسف الصحفيون أيضًا قاموا بدورهم فى الداخل فتجد واحدًا فى الصحراء مع قوات البوليس يطارد ويرصد منع تهريب السلاح لعصابات الصهاينة من الحدود المصرية وآخر يرصد تحركات المتعصبين اليهود المستقرين فى مصر وبعض جاليات الطابور الخامس وقت الحرب.
ومن الجبهة كانت التقارير والأخبار تصل من مصادر رفيعة لتجد أن واحدًا من أهم مصادر المعلومات كان يرسل بنفسه الخطابات بآخر التطورات إلى المجلة هو البطل الشهيد أحمد عبدالعزيز والذى عثرنا على مجموعة مقالات تراثية عقب استشهاده وتروى معلومات نادرة وثمينة عنه جمعناها لكم فى ملف نادر ضمن العدد.
كما لعبت روزاليوسف دورًا كبيرًا فى رفع الروح المعنوية للجيوش والشعوب العربية رغم العثرات بسبب قبول الهدنة وكشفت مؤامرة بريطانيا فى حجب وصول الذخيرة وأجرت استفتاءً لإنشاء أول مصنع ذخيرة مصرى ودعت لجمع التبرعات وإرسالها إلى فلسطين وقامت بتغطية المعركة منذ لحظة إعلان البيان رقم واحد فى عدد تاريخى نعيد نشر أهم هذه الموضوعات التى تثبت أن المجلة كان لها دور أهم من الترفيه ومناقشة القضايا المحلية.
حتي بعد أن انتهت حرب 1948 بالهزيمة ونكبة ضياع الأرض لم يكفر إحسان بجدوى ما فعله وأعلن على صفحات روزا تفاصيل فضيحة الأسلحة الفاسدة والتى وثقها على صفحات المجلة وعلى خام السينما ليصبح لروزاليوسف السبق فى توثيق واحد من أهم التحقيقات الصحفية فى تاريخ الصحافة من خلال الأرشيف السينمائى .
ومنذ عام 1945 تاريخ أول صرخة أطلقتها روزا المجلة وحتى يومنا هذا لم تتوقف المعارك والملفات والتغطيات فى أوقات الفرح والحزن تضامنا مع أشقائنا الفلسطينيين
وإن أكثرها إن لم يكن كلها ملفات تتشح بالسواد ترصد وتوثق مَجازر المُحتل الصهيونى فى فلسطين ضد النساء والأطفال والعجائز، ضد شعب كان أعزل تمامًا قبل أن تصبح لديه فصائل مقاومة تحمل القليل من السلاح البدائى فى محاولة للدفاع عن النفس والأرض والعِرض.
سنوات أصبحت توثق وتذكر بأسماء المجازر التى وقعت خلالها ... ؛ من دير ياسين أو الطنطورة أو بلدة الشيخ عام 1948 إلي خان يونس عام 1956 مرورا بمخيم للأمم المتحدة فى قانا فى الثمانينيات فى لبنان.. ووصولاً لعام كامل من أكتوبر 2023 إلى الآن .. عام من الإبادة الجماعية والمَجازر للإبادة والتطهير العِرقى لإخلاء الأرض من شعبها، ففلسطين لم تكن أبدًا أرضًا بلا شعب؛ ولكن هى أرض أُخِذَ شعبُها رهائن لدى عصابة صهيونية تقتل منه كل يوم المئات وحاليًا الآلاف لتكون إسرائيل وقادتها أول قاتل متسلسل يرتكب جرائمه ويحصل على تفويض قانونى عالمى بمعاقبة الضحايا.. الخلاصة: إن التاريخ لم يبدأ فى 7 أكتوبر 2023 وإسرائيل لا تدافع عن نفسها.. إسرائيل سرقت الأرض وقتلت الشعب وتحاول تهجير مَن تبقى منهم، وهذا الملف وثيقة للتاريخ نتركها بين أيديكم.. لعلنا نُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ.