الفرق بين المقاومة الوطنية والمقاومة السلطوية: لماذا نجحت المقاومة فى سيناء ولم تنجح فى غزة؟!

د. فاطمة سيد أحمد
حماس تفرض على الآخرين أن يقاوموا معها الاحتلال على أرضها.. وتترك حدودها المحتلة وتثير الفوضى والشغب على حدودها الآمنة
تقدم الصحفى الإسرائيلى «أفراهام إسخاروف» من صحيفة ها آرتس الإسرائيلية بطلب للجهات الأمنية المعنية فى مصر لإعداد كتاب بعنوان: «الانتفاضة» يطلب فيه زيارة مدينة «رفح» المصرية وإجراء لقاء مع بعض المسئولين المصريين بمدينة رفح للتعرف على مدى تأثر الحياة فى المدينة بالانتفاضة.
بغض النظر عن أن هذا الطلب تم رفضه قطعيًا، إلا أنه لم يأت من فراغ لقد كانت إسرائيل تعلم أن «حماس» سوف تقوم لها بما تأمله من تصدير للفوضى والشغب على الحدود المصرية علاوة على الضغط الاقتصادى الذى سينال من مصر عامة، ومدينة رفح خاصة لأن السلع الغذائية والتموينية والغاز وخلافه، وكل ما هو فى غلاء مستمر سوف يتقاسمه الشعبان الفلسطينى والمصرى، لأن مصر لا تقبل أن يجوع ويمرض شعب شقيق ليس له أى ذنب سوى أن جماعة منه تأخذ من الدين شعارًا لتصل إلى السلطة بكل قوة حتى لو كان على حساب إبادة شعبها بأكمله، ومع ذلك فإن هذه الجماعة التى تدعى «حماس» دائمًا ما ترفع شعار المقاومة، ولا نعلم هل هى مقاومة إسرائيل أم مقاومة الشعب الفلسطينى نفسه بعدم السماح له بالعيش ما دام لا يتحالف معها ويعضد فوزها بكرسى السلطة بعد أن اختارها بناء على شعارات دينية دغدغت مشاعره وآلامه فتوجه لهم بالتأييد ليكون ضريبة هذا الاختيار الشعارى هو ثمن يدفعه الأهالى فى قطاع غزة، ويدفعه الشعب الفلسطينى كله بوقف عجلة السلام والحصول على باقى أراضيه وحقوقه، وزاد من تعنت حماس أن تعطى نفسها حق تأليب الشعوب على حكامها ملوحة باسم المقاومة، ولكن ما لا تعلمه حماس أن الشعوب إذا وجدت من يزج بها فى قضية تخص أشخاصًا وليس شعبًا، فإنها ترفض التأييد، لقد خسرت حماس حتى باتت لا تعى ما تقول، ومن الطريف أن هذه الجماعة تفرض على الآخرين أن يشاركوها المقاومة، ولكن لا شيء يأتى بالفرض، فالمساعدة فى أن يقاوم شعب الاحتلال تختلف كثيرًا عن مساعدة جماعة لتتمكن من كرسى السلطة، لذلك نجد المتحدث باسم حماس «فوزى برهوم» يقول: «نرحب بقوات عربية فى غزة شرط مساعدة المقاومة على مواجهة الاحتلال، وأن أى قوات عربية ستكون عديمة الفائدة لأن المشكلة لا تتعلق بقلة قوات أمنية، بل بوجود احتلال، وأن الشعب الفلسطينى يرفض أى تدخل مهما كان لا ينسجم مع الأهداف الفلسطينية».
انتهى كلام «برهوم» وهنا يمكن أن نقول لـ «حماس» إن الأهداف المصرية أيضًا لا تنسجم مع حماس، خاصة أن أهداف مصر هى لأكبر دولة عربية فى المنطقة ومن واقع سيادتها على أراضيها، أما أهداف حماس فهى أهداف شرذمة فلسطينية يطلق عليها جماعة حماس.
ومن هذا أيضًا نطرح سؤالًا مهمًا ونطالب حماس بالإجابة عنه: لماذا لا تحل القضية الفلسطينية؟ لماذا لم تستفد المقاومة الفلسطينية من درس المقاومة فى سيناء إن كانت تريد تحرير أرضها فعلًا؟
خاصة أن أسلوب إسرائيل فى التعامل مع الاحتلال والمقاومة واحد لم يتغير منذ ثلاثين عامًا بالتمام بعدما حررنا سيناء بالكامل، ورجعت لنا أراضينا التى روتها دماء أبناء مصر فقط لاغير، إن الطريقة التى كانت تطبقها إسرائيل فى أراضى سيناء ومع الأهالى هناك وقت الاحتلال هى نفسها ما تطبقها مع قطاع غزة بكل حذافيرها من حصار وتهجير وتجنيد ضعاف النفوس.
الحاكم العسكري
كانت إسرائيل تسير فى خطة ضرب المقاومة كتنظيم بعناصره المادية والأيديولوجية بسيناء، واتجهت أيضًا نحو سلب المقاومة عناصر نموها، وذلك بفصلها عن بيئتها السكانية من خلال إجراءات للسيطرة على السكان بغرض حفظ الاستقرار فى المنطقة، ولذلك قامت بعمل إجراءات تنظيمية للحكم العسكرى فى المناطق المحتلة بسيناء، حيث قامت بتقسيمها إلى ثلاثة مستويات، فكان هناك حاكم عسكرى على مستوى الدولة وهو يمثل الحكومة الإسرائيلية نفسها. وهو المسئول عن منح التصاريح للسكان للانتقال داخل وخارج الأراضى المحتلة. أما المستوى الثانى فهو مستوى المنطقة العسكرية، ويرأسها قائد قوات الجيش الإسرائيلى فى المنطقة، وهو يدير كل ما هو متعلق بالأمور العسكرية والمدنية والإدارية ويعاونه جهاز عسكرى وآخر مدنى، أما المستوى الثالث فهو الحاكم العسكرى على مستوى القسم فى المنطقة، وهو الوحيد الذى يقوم بتنظيم العلاقة بين سلطات الاحتلال والسكان المحليين من سيناء وله سلطة وحق إصدار التصاريح والرخص والعفو عمن تصدر بشأنهم أحكام عرفية من الأهالى، كما استخدمت إسرائيل أسلوب الردع للتهدئة وقبول الأمر الواقع وهى محاولة للمحافظة على الوضع وقتذاك بواسطة نظام صارم يعقبه تنازلات، وهى فى ذلك كانت تسعى إلى تخفيض حدة العداء الإيجابى بين السكان بحيث يتحول المواطنون إلى حالة من الطاعة السلبية والرضا بالواقع حتى تتمكن من فرض السيطرة الكاملة عليهم والقضاء على جيوب المقاومة. ولقد قامت إسرائيل بعدة إجراءات رادعة لغرض السيطرة على المناطق التى تظهر فيها بوادر مقاومة مثل تدمير المنازل والممتلكات الخاصة بالسكان التى تظهر بينهم أى مظاهر للمقاومة السرية، والاعتقال الذى يصل إلى حد السجن طويل الأمد والتعذيب والاستجواب الجماعى وحظر ومنع التجوال لعدة أيام، واتباع سياسة التهجير الجماعى لبعض المناطق بغرض تفتيت الروابط بين التجمعات السكانية وإقامتهم فى مناطق جديدة متباعدة ومنتشرة، وهو ما فعلته مع بدو وسط وشمال سيناء بتجميعهم فى العريش فترة الاحتلال.
الجواسيس
كانت إسرائيل تقوم بتجنيد بعض العملاء من الأهالى كمرشدين لهم، وهنا يحضرنى ما ذكره «سعيد صيام» الذى يطلق عليه وزير داخلية «حماس» فى أحد حواراته، ولا أعلم هل حماس دولة وفلسطين دولة أخرى، أم هى دولة داخل دولة ليكون لها وزير داخلية خاص بها؟! المهم قوله بأن أجهزته الأمنية قامت باعتقال فلسطينى متعاون مع جهاز الأمن الإسرائيلى «الشاباك» ونجله بعد أن قاما بشراء بيت بالقرب من منزل شقيقة أحد أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال فى غزة، وهو من الجناح العسكرى لـ«حماس»، وقد دفع له مبلغ 105 آلاف دولار لشراء المنزل وسيارتين حديثتين.. وحسب الاعترافات التى أدلى بها العميل فقد تم إبلاغه من المخابرات الإسرائيلية بأن هذا البيت سيستخدم لإقامة أفراد من الوحدات الإسرائيلية الخاصة الذين من المفترض أن يتولوا عملية الاختطاف عندما يقوم العميل بزيارة منزل شقيقته، ويضيف «صيام» فى حواره بأنه يرى أن تفكير الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ عمليات الاختطاف أمر بالغ الخطورة وأن هناك محاولات مكثفة لتجنيد المزيد من العملاء عبر استغلال عمليات التوغل المحدودة فى المناطق الحدودية فى اعتقال عدد كبير من الناس ومن ثم محاولة ابتزازهم لدفعهم للتجنيد فى نفس الوقت، فإن «الشاباك» يستغل عمليات الاقتحام ويقوم باعتقال عملائه الذين تم تجنيدهم فى وقت سابق وبعد ذلك يقوم الأخذ فى الاعتبار بأن غزة تحت سيطرة حماس وأن معنى تعاون بعض الناس بتدريبهم على القيام بمهام خاصة ضد المقاومة الفلسطينية.. انتهى كلام «صيام» والذى يجب قبل أن نضع التطابق فى الأحداث بين سيناء وغزة مع الاحتلال يختلف كثيرًا عن بعض المتعاونين وقت الاحتلال فى سيناء مع إسرائيل، لأن سيناء كانت بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية وقتذاك، وفى كل الأحوال فإن المقاومة فى سيناء عانت هى الأخرى من مثل هؤلاء ضعاف النفوس، ونذكر بعضًا من هذه الأمثلة وهو «على الموجى» والذى كان يعمل «مكوجي» بالعريش إبان الاحتلال، وقد قام بالتعاون مع العدو، وهو أساسًا من الوجه البحرى ولما دخلت إسرائيل سيناء عام 1967 ذهب لهم وعرض عليهم خدماته وبلغهم عن وظائف الأهالى العريشية، وبعد فترة بدأ يرشدهم عن أى جديد بالمنطقة وشكل خطورة على المقاومة، وترك مهنة المكوجى واعتبر نفسه مباحث للإسرائيليين يركب معهم عرباتهم ويحمل طبنجة، وكان يعتقد أن سيناء لن ترجع لمصر كما أوهمته إسرائيل التى كانت تتعامل مع السكان كأفراد وليس كجماعات للتأثير عليهم بإقناعهم بأن التواجد سيبقى، وذلك عن طريق عمل العقود طويلة الأجل لتوريد الأطعمة وبناء المساكن لهم وذلك لضمان تعاون السكان معهم بعدم جدوى المقاومة، ولكن لم يهتم كثير من الأهالى بهذه الادعاءات وكان أكثرهم مشاركًا فى المقاومة السرية، ونرجع مرة ثانية لـ «الموجى» الذى كان من السهل قتله حيث يقيم، وإنما كان مطلوبًا محاكمته. فتم اختطافه بواسطة المقاومة، وقام بهذه العملية أهالى سيناء ونقلوه من العريش حتى البر الشرقى من القنال حيث تم تسليمه للسلطات المصرية وأعدم، وأيضًا فى منطقة البحيرات المرة كان هناك حوالى أربعة أشخاص صيادين مكلفين من قبل إسرائيل بنقل معلومات عن المواقع العسكرية المصرية مقابل إعطائهم مخدرات لأن إسرائيل كانت تريد تطبيق سلاح ذى حدين وهو التجسس لصالحهم وترويج مخدرات لشباب مصر، لماذا نضرب هذه الأمثلة التى لا تأتى بشيء أمام ما قام به أهالى سيناء من مقاومة ومساعدة للقوات المصرية الخاصة التى كانت تقوم بأعمال فدائية؟ المقصود هو أن ما تلوح به حماس من أن هناك «خونة وجواسيس» يبلغون إسرائيل بتحركات حماس وأعضائها، فإن هذا الأسلوب الإسرائيلى سبق تطبيقه فى سيناء وقت الاحتلال، أى أن الظروف والملابسات واحدة، ومع ذلك مصر لم تطلب من كل العرب أن يأتوا إلى الحدود فى سيناء لكى يساعدوها فى المقاومة كما تطلب حماس الآن، ومع كل الأحوال نستكمل الأسلوب الذى كانت تطبقه إسرائيل لنرى كيف انتصرت المقاومة فى سيناء وفتحت الطريق أمام الجيش المصرى ليحرر سيناء كلها بدماء مصرية بحتة.
حظر تجوال
فبعد تجنيد العملاء كما ذكرنا، قامت إسرائيل بمحاصرة المدن والقرى وقطع التيار الكهربى والمياه وغاز الطهى ومنع دخول المساعدات الطبية الخارجية لها وإغلاق محطات الوقود وحظر بيعه ومنع أذونات التصدير والاستيراد، ومنع الاتصال التليفونى، وتجميد الأموال المصرية ومنع إصدار سندات بالجنيه المصرى فور الاحتلال، وعدم توصيل المعونات للمواطنين وقفل المحال التجارية والمصانع فى منطقة أى أعمال للمقاومة وإعلان أن المنطقة أثرية أو عسكرية تمهيدًا لترحيل وحظر تجوال الأهالى فيها.
وفى الوقت نفسه كانت قوات الاحتلال تعمل على الاحتواء والإنعاش الاقتصادى، وهى محاولة رفع المستوى المعيشى للسكان للترغيب فى استمرار الاحتلال وربط اقتصاد المناطق المحتلة بالاقتصاد الإسرائيلى خاصة فى منطقة العريش والمدن عمومًا، فقامت بتشجيع مختلف الأنشطة الزراعية والصناعية والتجارية فيها، وذلك إيمانًا منها بأن التعامل مع المجتمع العامل وإدارته سيكون أسهل من التعامل مع المجتمع البدوى أو العاطل حيث إن الأزمات الاقتصادية يمكن أن تؤدى فى النهاية إلى نمو المقاومة السرية، وتشغيل العمال داخل إسرائيل للاستفادة القصوى من طاقاتهم ولمواجهة التعبئة كذلك لانخفاض أجورهم وسهولة المقاومة تجنيدهم بعد ذلك مع إقامة جسور اقتصادية مفتوحة بأسلوب الترغيب والترهيب أيضًا، حيث حددت لهم أماكن الرعى التى هى مصدر معيشتهم الأساسى.
ولم تنس إسرائيل بالطبع الاحتواء السياسى وقد قامت به مستهدفة شيئين.. أولًا: ضرب العناصر الموجودة والموالية للوطن الأم، وضمان تنحيتها.
ثانيًا: خلق زعامات جديدة موالية لها ومتعاونة معها، خاصة فى المدن والقرى والتجمعات السكانية من خلال إجراء الانتخابات البلدية والحكم المحلى مع تمكين هؤلاء من تقديم الخدمات لمجتمعاتهم مما يقوى من مكانتهم ويسهل بذلك احتواء باقى السكان من خلال هؤلاء المنتخبين، كذلك ترحيل الموظفين الحكوميين لمحافظاتهم، وبذلك تنفى أيديولوجية المقاومة والعداء لإسرائيل المحتلة، وهى إجراءات خاصة بتشويه الفكر والثقافة للتأثير على مدركات السكان خصوصًا الأجيال الناشئة وذلك بتغيير المناهج التعليمية والكتب المدرسية، وتنفيذ عمليات الإرهاب ضد الكتاب والمثقفين والمدرسين، ومحاولة منع وتقليل الدعم الخارجى الصور المقاومة وذلك بتصويرها على أنها حركات إرهابية، وبتكثيف جدار حدودى أمنى لا تخترقه أى مساعدات للمقاومة والحصار البحرى والاستطلاعى وضرب قواعد الإمداد أو التدريب خارج الأراضى المحتلة مثل قصف مدرسة الصاعقة ثلاث مرات فى حرب الاستنزاف، هذا مع منع التسلل عبر الحدود بوضع ألغام وأجهزة استطلاع إليكترونية والتمشيط المستمر بطائرات «الهيل» وعزل المناطق التى تظهر بها أى مقاومة وتطويقها بالمستعمرات والقوات برًا وبحرًا وإقامة حزام أمنى وهدم المبانى وحظر التجوال.
دوريات تفتيشية
عند حدوث عملية مقاومة سرية فى منطقة ما ، فإن رد فعل القوات الإسرائيلية يتركز على تدمير جميع قوات المقاومة بالمنطقة مع إبقاء عنصر تحصل منه على معلومات كأسبقية أولى، وتقوم الوحدات العسكرية الثابتة والمخصصة بالمنطقة بالانتشار حول حدود المنطقة لتطويقها والتحرك من الخارج للداخل لذلك الكردون كجدار نارى للتمشيط مع دفع دوريات تفتيشية أرضية ومدعمة بطائرات «هيل» حتى يتم القضاء على أفراد المقاومة، ولكن عادة ما يختفى رجال المقاومة.
تعذيب السكان
هنا يتم التركيز فى التفتيش مع الإرهاب النفسى والمعنوى والمادى لجميع السكان خارج المنازل وتعذيبهم بعد تقسيم المنطقة إلى أقسام مشتبه فيها، وأخرى غير مشتبه فيها يخفف عنها، وفى الوقت نفسه يتم تركيز أعمال الدعاية إلى رجال المقاومة والسكان يوضح لهم خلالها أن القوات الإسرائيلية لن تبرح المنطقة حتى تسليم رجال المقاومة، ثم يتم الإرهاب المادى مرة أخرى وفى صورة مهاجمة منازل المشتبه فيهم وتدميرها ونسفها والقبض على من فيها، أو يتم تسليم رجال المقاومة، وبعد ذلك تأتى المرحلة التالية وهى إعادة السيطرة على السكان، وأيضًا يتم تقسيم المنطقة إلى أقسام مع تخصيص قوات ثابتة مع الاحتفاظ بقوات احتياطية وجماعات حرب نفسية وذلك للسيطرة على الموقف إذا لزم الأمر، هذا وتقوم بعمل إحصائية عن عدد الأفراد وعمل بطاقات شخصية لهم، لتسهل عملية السيطرة عليهم وكشف الدخيل للمنطقة. كما أنها وسيلة للتجنيد عند تجديد البطاقات كل فترة بمكتب الحاكم العسكرى، كذلك تباشر حظر التجوال ولديها تنظيم جمع المعلومات عن أهل المنطقة من خلال الالتحام بالسكان أثناء إقامة الحفلات والترضية وصرف أجور العمال أو عند تقديم الخدمات الطبية.
أما جماعات الحرب النفسية فإن مهمتها تعمل ضد رجال المقاومة، حيث تعمل على استفزازهم لجرهم لمواجهة أقوى منهم فيتم القضاء عليهم وكثيرًا ما لجأت لتلك الطريقة.
هذا ما كانت إسرائيل تطبقه فى سيناء وقت الاحتلال أى منذ 41 عامًا، حتى الآن لم يتغير أسلوبها ولا طريقتها فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ولكن هناك فارقًا كبيرًا يستحق الرصد والتحليل، وهو أنه فى الوقت الذى نجحت فيه المقاومة بسيناء لأنها كانت تعمل تحت مظلة وطنية بحتة، وليس تحت مصلحة شخصية أو عراك سياسى ليحكم فصيل أو آخر مثلما يحدث فى قطاع غزة! وهو ربما يفسر لنا لماذا نجحت المقاومة فى سيناء ولم تنجح فى غزة، خاصة إذا عرفنا ما كانت تقوم به المقاومة المصرية أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، والظروف التى قابلت رجالًا مصريين وضعوا أرواحهم على أيديهم. ولم يطلبوا أن تأتى أرواح من كل بقاع الأرض، حتى من منطقتهم العربية وكانت المساعدة اقتصادية بحتة، ويبقى للمقاومة المصرية وحدها حق الدفاع عن أرضها حتى تحريرها.
دروس فى المقاومة
هذا يجعلنا نرصد بعض أعمال «المقاومة» المصرية على سبيل المثال لا الحصر، لعل الأشقاء فى «غزة» يستفيدون منها دون أن يطلبوا من الآخرين أن ينخرطوا معهم فى المقاومة لكى يحرروا أرضهم، قامت المقاومة المصرية بمعاونة أهالى سيناء بأعمال بطولية يحفظها لهم التاريخ بكل العرفان، والتى بدأت أثناء الانسحاب عام 1967 حيث كان الهم الأكبر هو تجميع الشاردين من القوات وعلاج المصابين وإيواء التائهين كمرحلة أولى، بعد ذلك قام بدو سيناء بتجميع جهاز لاسلكى من مخلفات الانسحاب، ليصبحوا على اتصال بالقوات المصرية القريبة منهم، وبدأوا بتوصيل المعلومات يوميًا عن الوضع فى العريش، وكان ذلك أول نواة للمقاومة، والتى أطلقت عليها إسرائيل «شبكة لاسلكى العريش». وقاموا بالقبض على أناس كثيرين من الأهالى، وزجوا بهم فى السجون وحكموا عليهم حتى تم رجوعهم فى تبادل الأسرى حسب طلب مصر لذلك، بعد ذلك بدأت مرحلة ثانية فيها تم الدفع ببعض أفراد القوات الخاصة والمخابرات داخل المجتمع السيناوى حتى يتمكنوا من القيام بعمليات فدائية، وهذا كان لا يمكن حدوثه إلا بمشاركة فعالة من أهالى سيناء الذين كانوا يخبئونهم فى بيوتهم، ووسط أولادهم ويساعدونهم ويتحملون مقابل ذلك الكثير، وكان هؤلاء الفدائيون يقومون بتدريب الأهالى للمقاومة، وكيفية تجميعهم معلومات عن العدو، وتدرب ناس منهم على أجهزة ومعدات تصوير ليمكنهم رصد القوات الإسرائيلية، وتكونت بذلك فرق مقاومة متعددة من أهالى سيناء وأفراد الجيش تحت مسمى «منظمة سيناء العربية». والتى قاموا من خلالها بتنفيذ عمليات خطف أسرى إسرائيليين والاستيلاء على أسلحة وزرع ألغام.
العبد ومرزوقة
كان من أبرز من قام بأعمال بطولية ضمن فريق المقاومة من أهالى سيناء، المرحومان «مسعود سعيد العبد» من قبيلة المساعيد ، و«عبد العزيز أبو مرزوقة» عمدة البياضية، وكان عمرهما أكثر من الستين عامًا، ولكنهما يتمتعان بصحة جيدة وقتذاك، حيث كانا يقومان بالمشى لمسافات طويلة جدًا لتمهيد الطريق واستكشافه حتى تتم العمليات الفدائية للقوات الخاصة، وقد استعانت المقاومة بالناس الذين كانت لهم عزوة هناك، ويمكنهم أن يتجولوا فى المنطقة ويحصلوا على معلومات وأيضًا لديهم اللياقة الكافية، لأن دخول سيناء بعد 67 كان عملية صعبة، وكان خط بارليف، وهناك منطقة معزولة وأخرى مهجر منها الأهالى، حيث إن أول منطقة بها سكان كانت على بعد 80 كيلو من القنال، ولم يكن أحد يتمكن من الدخول إلا وقضى عليه، حيث إن عمليات التمشيط الإسرائيلى كانت تستمر طوال الليل، وفى الصباح تقص الأثر، هذا علاوة على الهليكوبتر الهيل التى كانت تقوم بالاستطلاع على مدار اليوم، وكان لا أحد يقدر على المشى فى الصحراء أكثر من أربع ساعات، خاصة أن أقرب تجمع سكانى يمكنه الاختباء فيه على بعد 80 كم، فكان يقوم بذلك رجال المقاومة من أهالى سيناء، وكانت المنطقة العازلة عبارة عن «ملاحات» فكان استطلاع المقاومة للقوات الإسرائيلية يتم فى أثناء الليل، حيث السير والمكوث بالملاحات راقدًا، للاختباء عدة ساعات، فكان بعضهم يتساقط جلده لأنه تملح، هذا علاوة على أن أفراد المقاومة كانوا يقيمون عدة أشهر ببيوت بدو سيناء، حتى يتم لهم الانتهاء من المهمة، وكانت تتم حمايتهم ورعايتهم فى تلك الأثناء، ويذكر لى بعض رجال المقاومة أن أهالى سيناء هم الذين قاموا بتعريفهم أن «الجمل يمكن أن يعوم، وكانوا يستخدمونه لعبور الملاحات، فكان يدرب الجمل على العوم بجنبه حتى لا يتم كشفه، وأيضًا لا يمكن تقصي أثره، وكان يترأس مجموعات المقاومة لسيناء ضابط برتبة رائد يدعى «مدحت مرسى» كان ضابط خدمة سرية. وهو الذى كان يقوم بالتنسيق بين أعضاء المقاومة على الجانبين الأهالى وأفراد القوات المسلحة.
قضية السكة الحديد
من أهم ما قامت به المقاومة عملية خطف المتهمين فى قضية السكة الحديد من القنطرة شرق إلى الغرب، وذلك بعد نسف القطار الذى كانت تستخدمه إسرائيل فى نقل الأجهزة والمعدات التى تركت بعد الانسحاب، وقامت المقاومة بنسف هذا القطار فى منطقة «بير العبد»، وردت إسرائيل على ذلك حيث جندت بعضًا من قطاع الطرق ويطلق عليهم «الشبيحة»، وعددهم خمسة منهم طفل كان عمره فى ذلك الوقت 14 عامًا.
وذلك للقيام بعمليات تخريب والحصول على معلومات لصيد المقاومة، ولكن تم القبض على اثنين منهم وثلاثة هربوا وتقدموا للمحاكمة وصدر الحكم عليهم بالإعدام، ما عدا الولد الصغير لأنه حدث، والآخرون تم الحكم عليهم غيابيًا، ولكن بعد صدور الحكم، كلف «مدحت مرسى» بالقبض على هؤلاء الخونة، فقام بمعاونة أهالى سيناء بترتيب مهمة خطفهم من بيوتهم ووضعهم فى أجولة وترحيلهم للقاهرة رغم الأمن المشدد عليهم من قبل الإسرائيليين، وأعيدت محاكمتهم حضوريًا، ومنهم واحد شنق نفسه قبل تنفيذ الحكم، واستمرت المقاومة المدنية لأن المقاومة العسكرية كانت لا تنفع فى ذلك الحين وسط الاجتياح الإسرائيلى هناك، فكانت المقاومة تتم بطريقة مرتبة ودقيقة ودون عنف من قبيل مثلًا صواريخ «القسام» الحماسية، ولكن تم الاعتماد على نقل صورة للقيادة فى القاهرة عن الوضع العسكرى والمدنى والاقتصادى للعدو، وكانت ترسل للمقاومة تعليمات وتوجيهات، وكان ذلك تحت ظروف مفروضة على الأهالى لأنها منطقة محتلة، والمحتل هو الشرطة والتعليم والجوازات، وكان أهالى سيناء يتعاملون يوميًا مع السلطة الإسرائيلية الجبرية ويجتمع بهم كل شهر ضابط مخابرات إسرائيلى، حيث كان يجتمع بكل عشيرة شهريًا، فكانوا يتحدثون معه عن أحوال قبيلتهم العامة لكى يخدعوا الضابط بالاندماج مع الاحتلال، وهم فى نفس الوقت يؤوون المقاومة ويؤمنونهم ويساعدونهم وأيضًا كانوا أفرادًا ضمن فريق المقاومة الأساسى حتى تم تحرير سيناء بالكامل.
لماذا نجحنا؟
هنا نقف أمام المغزى الحقيقى لنجاح المقاومة فى سيناء وعدم نجاحها فى غزة، لأن أهالى سيناء أخذوا تعليماتهم من قيادتهم الوطنية فى القاهرة، ولم يأخذوها من بلد آخر مثلما فعلت «حماس» التى فى كل يوم تثبت أن الأوامر الإيرانية تصدر لها بنموذج تطبيقى مع حزب الله، ولا تحتاج لدليل فى هذا، يكفى الخيمة التى أقامتها حماس أمام السفارة المصرية فى غزة مثلما فعل حزب الله فى العاصمة بلبنان.. ويأتى تصريح على لسان السيد «سعيد صيام» المسئول الأمنى لحماس ليتوعد مصر وحدودها وقيادتها بأننا إذا لم تساعده فى مقاومته المزعومة، فإنه من حقه أن يستعين بأى جهة تحاول دعمه، فلماذا نتحسس من علاقته مع إيران التى تدعمه، رافضًا بذلك ما تقوله القيادة السياسية فى مصر بأن إيران على حدودنا لكى تخرب وتدمر وتصدر لنا إزعاجها وثورتها الدينية الفاشلة فى بلدها، وهى دائمًا تستخدم ذيولًا لها مثل «حماس» تريد من يأتى ليقاوم بدلًا منها المحتل، وبدلًا من تصدير الفوضى لحدود المحتل تذهب لحدود شقيقة كبرى طالما ساعدتها ولم تبخل حتى الآن بذلك.
وأخيرًا فإن المقاومة خيار وطنى وليست بطاقة دعوة لعزومة الآخرين ليقوموا بالمقاومة بدلًا منا، ولذلك نجحت المقاومة الوطنية فى سيناء، ولم تنجح المقاومة السلطوية فى قطاع غزة.